الاختيار الإلهي ـ 05
الشيخ الدكتور أحمد الوائلي
الجمع في الصلاة أكمل والتفريق فيها أفضل
وبالمناسبة فقد سألني اليوم سائل، فقال: لماذا نجمع بين الصلوات وقد ورد في الروايات أن التفريق فيها أفضل؟ أي أن الإنسان إذا ما فرق في صلاته بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، كان ذلك أفضل له، فلماذا إذا نحن ندع هذا الفضل، وندع هذه الفضيلة لنجمع بين هذه الصلوات الأربع؟
والإجابة على هذا السؤال سوف نتناولها إن شاء الله تعالى من خلال المحاور الثلاثة التالية:
المحور الأول: أن الشيعة لم تنفرد بالجمع في الصلاة
من خلال هذا المحور سوف اعالج مسألة أود أن ألفت نظر هذا السائل ونظر غيره ممن يعتلج مثل هذا السؤال في نفسه ويختلج في فؤاده، أو كل إنسان مسلم من الممكن أن يتساءل مثل هذا التساؤل إليها، فأقول له: إن الطائفة الإمامية لم يكونوا في وقت من الأوقات متفرّدين بالجمع بين هذه الصلوات، فهم ليسوا وحدهم قائلين بذلك أو عاملين به، بل إن المسلمين جميعهم من أبناء المذاهب الإسلامية الأخرى كلها يرون ويروون أن هناك أماكن وأزمنة يجوز الجمع فيها، وهم يوصلون هذه الموارد إلى ثمانية كما جاء في كتبهم ومدوناتهم الفقهية([1]).
هذا هو رأي هؤلاء، أما نحن فنرى أنه في الواقع لا وجود لهذا التحديد بهذه الموارد الثمانية، بل إن للإنسان أن يجمع في أي وقت شاء وفي أي مكان شاء وفي أي مورد شاء دون أن يكون هنالك داعٍ إلى مثل هذا الجمع، فهو جائز على نحو الإطلاق؛ لما نرويه ويرويه المسلمون من أن النبي| قد جمع فيها دون عذر؛ فهي إذن مسألة متسالم عليها بين المسلمين. وقد ألّف أحد علماء أهل السنة المتأخّرين، وهو أحمد الصديق الغماري كتاباً خصّصه لمعالجة هذا الغرض أسماه (إزالة الحظر عمّن جمع بين الصلاتين في الحضر)([2]). وقد جمع فيه آراء علماء المذاهب الإسلامية في هذا المجال.
حقيقة الجمع في الصلاة
وأود هنا أن ألفت النظر إلى أمر هام جدّاً هو أننا إذ نجمع بين الصلاتين فإننا لا نجمع بينهما على نحو الحقيقة، بل إننا في الواقع نجمع بينها جمعاً صورياً فقط، وهذا يعني أننا حينما نصلي العصر بعد الظهر، أو العشاء بعد المغرب جمعاً، فإننا لا نصليها بعد هذين الفرضين الأولين مباشرة، بل إننا نفصل بينهما ببعض العبادات كالنوافل مثلاً والأدعية والأذكار المخصوصة والتعقيبات الواردة عن النبي الأكرم| وعن أهل بيته الطاهرين في هذا المقام، فهنالك مثلاً نافلة العصر وهي العبارة عن صلاة ثماني ركعات قبل صلاة العصر، وهذا فاصل زمني بين صلاة الظهر وصلاة العصر يستوعب فترة من الوقت لا بأس به. وكذلك الأمر مع نافلة المغرب التي هي عبارة عن أربع ركعات تصلى بعد فريضة المغرب، فإن ضممنا إليها ركعتي الغفيلة كانت ستّاً، ليصبح بهذا فاصلاً زمنياً لا بأس به كذلك بين صلاتي المغرب والعشاء.
هذا فضلاً عن التعقيبات المخصوصة بفريضة المغرب والظهر، وبعض الأدعية والأوراد، أو حتى قراءة القرآن التي يقوم بها البعض بين كل فريضتين. وهذا يعني أن هذا الجمع إنما هو جمع صوري وليس جمعاً حقيقياً؛ إذ إن المصلي يفصل بين هاتين الفريضتين بمنظومة من الأدعية والأوراد والأذكار، وقراءة القرآن وصلاة بعض النوافل وما إلى ذلك. هذا إذا لم يقم بقضاء ما عليه من صلوات بين الفريضتين. وهذا يعني أننا نحدث فاصلاً بين الصلاتين، ويبقى الأمر معه منصبّاً على أن الجمع في واقعه هو جمع صوري وليس واقعياً كما أشرنا.
يتبع…
________________
([1]) ومنها عند الطهارة الترابية، والمطر، والسفر، والبرد والحر الشديدين، وغيرها مما هو مذكور في مظانّه.