قاعدة الاشتراك … وتطبيق المساواة

img

من جملة القواعد الفقهية التي استفاض الفقهاء بحثاً وبياناً لها قاعدة الاشتراك، والتي مدركها أن جميع المكلفين (رجالاً ونساء) مشتركين في الامتثال للأوامر الإلهية التي وضعها المشرع إلى قيام الساعة… إلا ما ثبت الاختصاص فيه لأحد الجنسين بدليل خاص. ولقد قامت سيرة المسلمين وارتكازهم على اتحاد المكلفين واشتراكهم في الأحكام الموجهة إليهم إلا ما قام الدليل على اختصاصه بأحد الجنسين منهما، ولذلك كان دأبهم: أنه لو سأل أحدهم النبي (صلى الله عليه وآله) أو الإمام(عليه السلام) أو العالم مسألة وأخذ جوابها، فإنه كان ينقله إلى سائر المكلفين ليعملوا به، فلذلك صار الاشتراك في التكليف من مرتكزات المسلمين، بل هو من مرتكزات سائر المتدينين في جميع الأديان.

وإنا لو استقرأنا الأبواب في الفقه الإسلامي الشريف لوجدنا أن موارد تطبيق هذه القاعدة شامل لكل أبوابه، فمن أول باب فيه ـ أي من كتاب الطهارات إلى كتاب الديات ـ نجد بأن الرجل والمرأة على السواء مشتركين في توجه هذه الأحكام لهما.

وإن وجد فرق في اختصاص بعض المسائل الفقهية بجنس دون آخر، فإنا لا نجده إلا في مقامات نادرة وتابعة لطبيعة المختص به سواء كان ذكر أو أنثى، فالمرأة وبحكم تكوينها الجسمي، وطبيعتها الخاصة، قد تميزت في الشريعة الإسلامية بأحكام خاصة بها، دون الرجال، وإن اشتركت معه في غيرها من الأحكام الكثيرة.

وهذا التمييز للمرأة ما جاء من حيثية الضعف والقصور وعدم التساوي بينها والرجل في سائر الفروض أو في الثواب والعقاب، أو غير ذلك من الأمور التي تساق لنقد هذا التمايز التشريعي.

بل إن الاختلاف التشريعي تابع للاختلاف التكويني بينهما، وخاضع للمكونات النفسية والعضوية عند كل واحد منهما.

ونحن لو أمعنا النرظ لوجدنا أن هذه الخصوصية للمرأة دون الرجل في بعض الأحكام تابعاً لتركيبتها الخلقية والنفسية الخاصة بها، وما لا يلائم طبيعتها الأنثوية، فالحالات الخاصة التي تعرض لجسمها، كالعادة الشهرية، والحمل، والرضاع وأمثالها، فرضت لها مقررات معينة في أبواب الطهارة والصلاة من كتب الفقه.

لأنها محل للحمل، ومقر للنطفة، اختصت بأحكام في كتب النكاح، الطلاق، بما يناسبها.

ولما تتمتع به من عناصر الإثارة، وضعت تحت حماية قوانين الحجاب وأحكام النظر والاتصالات الأخرى.

ولما لها من اللطافة والرقة والعواطف، وضع لها حساب خاص في أبواب الحدود والقضاء والشهادات.

ولأن الزوج يتحمل عنها المسؤوليات الشديدة والصعبة، كان لها في كتب الجهاد والنفقات والإرث أحكام خاصة.

وهناك آداب وشؤون تخصها، مناسبة لأوضاعها الاجتماعية المتميزة بين جميع الأمم والشعوب منذ القدم وحتى العصر الحاضر.

إذن المرأة وحيث إنها أحد أقطاب دائرة الوجود البشري، فإن الخطاب من قبل الشارع المقدس موجهٌ لها من الرجل تماماً بلا فرق.

ومن هنا نعرف أن ما نجده من اختصاص الرجل ببعض المسائل الشرعية دون المرأة ليس نابعاً من خصوصية الرجل وتفوقه على المرأة.. أبداً بل هو اختصاص تشريعي محض.

فالمرأة مثلاً لا يجوز لها أن تؤم الرجل مهما بلغت من علم وفضل وتقوى ولو كانت أفضل البشر، بل عليها أن تأتم هي بالرجل وإن كان لا يملك من التقوى سوى المقدار الواجب من العدالة، وهذا لا يعد تفضيلاً للرجل في الاصطلاح التشريعي، بل هو اختصاص تشريعي صرف.

ولهذا نجد بعض الامتيازات الشرعية الموجودة حتى بين الرجال أنفسهم ـ على سبيل المثال ـ فيما إذا كان الرجل متصفاً ببعض الصفات المعينة كالأحلام الخاصة بأصحاب بعض الحرف المتواضعة كالحياكة والحجامة، فقد ورد في بعض الروايات كراهة الصلاة خلف الدباغ ولو كان عابداً.

إذن فوجود مثل هذه الأحكام لا يتنافى مع كون المرأة مساوية للرجل في جواب الامتثال للخطاب الديني، إنما هو تابع للاختصاص التشريعي المحض، وإن غاب عن ذهننا القاصر فهم مداركه الإلهية.

وهذه القاعدة (قاعدة الاشتراك) هي أكبر دليل على دحض وبطلان ما يحاول البعض إشاعته حول أن التشريع الإسلامي تشريع ذكوري مستجهل للمرأة، بحيث إن خطابه بكله أو بأغلبه متوجه للرجل دون المرأة.

فيظهر من هذه القاعدة أن هذه الدعوة عارية من الصحة تماماً، فكل ما هو متوجه من قبل الشارع المقدس لرجل وذاته متوجه للمرأة إلا ما استثني بدليل خاص.

الكاتب الشيخ صالح الملاحي

الشيخ صالح الملاحي

مواضيع متعلقة