الاختيار الإلهي ـ 02
الشيخ الدكتور أحمد الوائلي
من مظاهر أفضليته|
ومن مظاهر هذه الأفضلية التي امتاز بها نبينا الأكرم وشفيعنا الأعظم حبيبنا محمد المصطفى| أن الله جل شأنه أمرنا على لسان نبيّنا الأكرم محمد| بأن نكرمه ونكرم اسمه. وهذا ما سوف نلاحظه من خلال التقريبات التالية:
أولاً: أنه| أمرنا إذا ما ذكر اسمه أمامنا بأن نحييه تحية الإسلام، وهي الصلاة عليه وعلى آله؛ سواء على نحو الوجوب، أو الاستحباب على اختلاف وتفصيل في ذلك بين الفقهاء([1])، على أن تكون هذه الصلاة عليه| مشفوعة بالصلاة على آله^ كما أمرنا (صلوات الله وسلامه عليه) بذلك([2]).
ثانياً: أمره جل شأنه على لسان نبيه المسلمين بأن يسموا أولادهم على اسمه، كما أنه أمرنا إذا ما سمينا شخصاً محمداً أن نرفق بهذا الشخص إكراماً لهذا الاسم، ولذا فقد وردت عدة روايات عن النبي الأكرم| حول ضرورة إكرام من يتسمى باسمه الشريف، منها:
أولاً: ما رواه أبو رافع عن رسول الله| قال: سمعت رسول الله| يقول: «إذا سميتم محمداً فلا تقبحوه، ولا تجبهوه، ولا تضربوه. بورك بيت فيه محمد، ومجلس فيه محمد، ورفقة فيها محمد»([3]).
ثانياً: وفي بعضٍ قوله|: «إذا سميتم محمداً، فأكرموه وأوسعوا له في المجلس، ولا تقبحوا له وجهاً»([4]).
ثالثاً: قوله|: «إذا سميتم محمداً، فلا تضربوه، ولا تحرموه»([5]).
رابعاً: كما ورد كذلك في الآثار النبوية الشريفة قوله|: «إذا سميتم محمداً، فلا تضربوه ولا تحرموه. وإذا سميتم الولد محمداً، فأكرموه وأوسعوا له في المجلس، ولا تقبحوا له وجهاً»([6]).
إلى غير ذلك من الروايات المتعلقة بهذا الجانب التربوي، وهي روايات كثيرة جدّاً، وتصب كلها في بوتقة واحدة هي أن كل شخص سمي على اسم النبي الأكرم| فلابدّ من إكرامه واحترامه، ولابدّ من أن يولى عناية تامة؛ فلا يُجبه، ولا يهان ولا يحقر سيما فيما يتعلّق باسمه؛ إكراماً لاسم نبي الرحمة|.
الثاني: خيرته تعالى من الأقوال
أي ما يصدر من الإنسان من أقوال أو ألفاظ محببة إلى الله تبارك وتعالى، بل هي موقع تفضيله جل شأنه؛ بما لها من أثر عقيدي أو تربوي أو هيكلي في بناء الشخصية الإنسانية أولاً والإسلامية ثانياً. ومن ذلك ما ورد في الروايات الشريفة من قوله|: «ما قلت، ولا قال القائلون قبلي مثل لا إله إلا الله»([7]).
حديث السلسة الذهبية
وهذا يعني أن أفضل شيء يمكن أن يقوله الإنسان، أو أن يتلفظ به هو كلمة التوحيد التي هي أشرف كلمة يمكن أن يلفظها الإنسان. ومما يذكر في هذا المقام ما يرويه إسحاق بن راهويه أنه لما وافى الإمام الرضا× نيسابور، وأراد أن يرحل منها إلى المأمون، اجتمع إليه أصحاب الحديث، فقالوا له: يابن رسول الله، ترحل عنا ولا تحدّثنا بحديث فنستفيده منك؟ وقد كان× قعد في العمارية، فأطلع رأسه، وقال: «سمعت أبي موسى بن جعفر يقول: سمعت أبي جعفر بن محمد يقول: سمعت أبي محمد بن علي يقول: سمعت أبي علي بن الحسين يقول: سمعت أبي الحسين بن علي يقول: سمعت أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب^ يقول: سمعت رسول الله| يقول: سمعت جبرئيل× يقول: سمعت الله عز وجل يقول: لا إله إلا الله حصني، فمن دخل حصني أمن عذابي».
فلما مرت الراحلة نادانا×: «بشروطها، وأنا من شروطها»([8]).
ولأهمية كلمة التوحيد نجد أن الله تبارك وتعالى قد أطلق على سورة من سور كتابه الكريم سورة التوحيد، أو سورة الإخلاص التي تصب في المصب نفسه وتنبع من المصدر نفسه؛ فهي تعني الإخلاص في التوحيد، أي في توحيده تبارك وتعالى، ولهذا كانت هذه السورة من أهم السور في القرآن الكريم ومن أفضلها؛ لما تتضمنه من كلمات التوحيد والتنزيه والتقديس له جلّ شأنه؛ فكان سبحانه أن جعلها تعادل ثلث القرآن الكريم.
يتبع…
________________________
([1]) اختلف العلماء من الفريقين في مسألة الصلاة على النبيّ| بين ذاهب إلى الاستحباب، وهم الأكثر، انظر: الناصريات: 229 / المسألة: 91. الخلاف 1: 370 / المسألة: 128. المعتبر 2: 226. منتهى المطلب 5: 186. تذكرة الفقهاء 3: 232، وغيرهم، وذاهب إلى الوجوب كما هو رأي ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه 1: 284، باب الأذان والإقامة وثواب المؤذنين، ح875، وصاحب كنز العرفان في فقه القرآن 1: 133، والشيخ البهائي في مفتاح الفلاح: 27، والمازندراني في شرحه على أصول الكافي 10: 269 ـ 270. ونقل الزمخشري في الكشاف للعامة آراء مختلفة بعد قولهم بالوجوب، فذكر أن منهم من أوجبها كلّما جرى ذكره|، ومنهم أوجبها في كلّ مجلسٍ مرّةً وإن تكرّر ذكره، ومنهم من أوجبها في العمر مرّةً. انظر: الكشاف 3: 272 ـ 273.
([2]) قال الرسول الأعظم|: «لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء»، فقالوا: وما الصلاة البتراء؟ قال: «تقولون: اللّهم صلّ على محمّدٍ، وتمسكون، بل قولوا: اللّهم صلّ على محمّدٍ وآل محمّدٍ». انظر: مسند أحمد 4: 241. سنن الدارمي 1: 309. صحيح البخاري 6: 27. صحيح مسلم 2: 16. سنن ابن ماجة 1: 292 ـ 294. سنن أبي داود 1: 221. الصواعق المحرقة: 146.
([3]) مكارم الأخلاق: 25. بحار الأنوار 16: 240. كنز العمال 16: 421 / 45220.
([4]) فضائل التسمية بأحمد ومحمد: 39. الجامع الصغير 1: 109 / 706.
([5]) الجامع الصغير 1: 109 / 705.
([6]) كنز العمال 16: 418 / 45197، 45198. كفاية الطالب اللبيب في خصائص الحبيب| (الخصائص الكبرى) 2: 201.
([7]) التوحيد: 18. ثواب الأعمال: 4. مكارم الأخلاق: 310.
([8]) الأمالي (الصدوق): 305 / 349. التوحيد: 24 / 21 و25 / 23. ثواب الأعمال: 6 ـ 7. عيون أخبار الرضا× 2: 145، باب ما حدث به الرضا× في مربعة نيسابور و…، ح4. روضة الواعظين: 42 ـ 43.
وفي رواية: «حدثني محمد بن عبد الله سيد الأنبياء| قال: حدثني جبرئيل سيد الملائكة قال: قال الله سيد السادات عز وجل: إني أنا الله لا إلّا أنا؛ فمن أقرّ لي بالتوحيد دخل حصني، ومن دخل حصني أمن من عذابي». عيون أخبار الرضا× 2: 144، باب ما حدث به الرضا× في مربعة نيسابور و…، ح3. ويؤكده ما سيأتي من قوله|: «ما قلت ولا قال القائلون قبلي مثل لا إله إلا الله».