ظهور المهدي
خطبة الجمعة
مسجد الإمام الرضا×
الحمد لله قاصم الجبارين، مبير الظالمين، كلمة المعتصمين. وأصلي وأسلم على سيدنا محمد وآله الطاهرين، وعلى خاتم الأولياء والصديقين، والأئمة الميامين، الحجة بن الحسن المهدي.
قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾([1]).
عندما هاجر الرسول| وأصحابه إلى المدينة، استقبلهم الأنصار وناصروهم، ولكن تحالَفَ العربُ ضدهم، فكانوا يَبِيتُون وسلاحُهم إلى جانبهم متأهبين لأي طارئ، فشقَّ ذلك عليهم، فتساءل البعض: إلى متى يدوم ذلك؟ وهل يأتي زمان نطمئن فيه ولا نخشى إلّا الله؟ فنزلت الآية تبشرهم بذلك([2]).
وقد تحدثت الآية الكريمة أنّ نتيجة طاعة الله، قيام الحكومة العالمية، وانتشار التوحيد، واقتلاع جذور الشرك، وإجراء الأحكام الإلهية، واستقرار الأمن والأمان. فالله سبحانه يبشر المؤمنين بثلاث بشارات:
الأولى: استخلافهم في الأرض.
الثانية: انتشار تعاليم الحق.
الثالثة: القضاء على الخوف وعدم الاستقرار؛ فَيُعبدُ الله ويوحد، وتُطبق شريعته في كل مكان على وجه الأرض.
وقد ذكر بعض العلماء أن هذا إشارة إلى حكومة المهدي× الذي يخضع له الشرق والغرب في العالم، ويقيم الحق والعدل، ويقضي على الفتن والاضطراب، وأن أعظم مصداق لهذه الحكومة هي حكومة المهدي×؛ حيث إن قيامُ دولته× هو نتيجة جهود الأنبياء والرسل^، وهذا هو المقصود من حديث النبي|: «لو لم يبقَ من الدنيا إلّا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً مني يواطئ اسمه اسمي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً». وهذا وارد عند الفريقين([3]).
وعن الإمام السجاد× أنه قال: «هم والله شيعتُنا أهلُ البيت، يفعل الله ذلك بهم على يد رجل منا، وهو مهدي هذه الأمة، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلئت ظلماً وجوراً»([4]).
قال سبحانه: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾([5]).
ولا ريب أن هذا سيتحقق عند ظهوره×، وفي مجمع البيان عن الإمام الباقر× أنه قال: «إن ذلك يكون عند خروج المهدي من آل محمد، فلا يبقى أحدٌ إلّا أقر بمحمد|»([6]).
وعن النبي|: «لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدرٍ ولابرٍ إلّا أدخله الله كلمة الاسلام»([7]).
وعن الإمام الصادق× في تفسير هذه الآية أنه قال: «والله ما نزل تأويلها بعدُ، ولا ينزل تأويلها حتى يخرج القائم، فإذا خرج القائم لم يبقَ كافر بالله العظيم»([8]).
انتظار المهدي×
وقد أكدت النصوص أن من أعظم الأعمال هو انتظار الفرج، سأل بعضهم الإمام الصادق×: ما تقول فيمن مات على هذا الأمر منتظراً له؟ قال×: «هو بمنزلة من كان مع القائم في فسطاطه». ثم سكت هنيئة، ثم قال×: «هو كمن كان مع رسول الله|»([9]).
وقد ورد في روايات متعددة بتعابير مختلفة([10]).
وقد ورد عن النبي| أنه قال: «أفضل أعمال أمتي إنتظار الفرج من الله عز وجل»([11]).
وفي حديث آخر: «أفضل العبادة انتظار الفرج»([12]).
يقول الشيخ المظفر&: «لا يمكن أن يعود الدين إلى قوته إلّا إذا ظهر على رأسه مصلح عظيم، يجمع الكلمة، ويرد عن الدين تحريف المبطلين، ويُبطلُ ما ألصق به من البدع والضلالات بعناية ربانية وبلطف إلهي، ليجعل منه شخصاً هادياً مهدياً، له هذه المنزلة العظمى، والرياسة العامة، والقدرة الخارقة؛ ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملأت ظلماً وجوراً»([13]).
«اللهم أظهر به دينك، وسنة نبيك، حتى لا يستخفي بشيء من الحق مخافة أحدٍ من الخلق. اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة، تعز بها الإسلام وأهله، وتذلُّ بها النفاق وأهله، وتجعلُنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، والقادةِ إلى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة»([14]):
حكمه مبتغاه قسطاً وعدلاً *** حربه للفَساد ظلماً وجهلاً
وهو عدل بالحق قولاً وفعلاً *** (وأمان للناس قد حاز فضلاً
حجة الله مظهر الأسرار)
ساعة المولد الشـريف تحيه *** لنبي الهدى ونور الزكيه
ولأبنائها هداة البريه *** (وإلى العسكري وباقي البقيه
ساعة الفجر شع بالأنوار)
____________________
([2]) الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل 11: 148.
([3]) بحار الأنوار 51: 74 / 27. سنن أبي داود 2: 309 / 4282.
([7]) نور الثقلين 2: 212 / 128.
([8]) نور الثقلين 2: 211 / 122.
([10]) الكافي 1: 371 / 5، 4: 260 / 34، 5: 22 / 2.
([11]) بحار الأنوار 52: 128 / 21.