سمات الشباب

img

خطبة الجمعة

مسجد الإمام الرضا×

مصطفى آل مرهون

الحمد لله رب العالمين، نسبحه ونحمده، ونستغفره ونتوب إليه، إنه هو التواب الرحيم. ونصلّي ونسلم على سيد الأنبياء والمرسلين، خاتم النبيين، وحبيب قلوب العالمين، وآله الطيبين الطاهرين. عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل؛ فإن التقوى درع الله الحصين، العاصم في الدنيا، والمنجي يوم الدين. قال الإمام الحسين×:

يا رب يا ربّ أنت مولاه *** فارحم عُبيداً إليك ملجاه
يا ذا المعالي عليك معتمدي *** طوبى لمن كنت أنت مولاه
طوبى لمن كان خائفاً أرقاً *** يشكو إلى ذي الجلال بلواه
وما به علةً ولا سقمٌ *** أكثر من حبه لمولاه
إذا اشتكى بَثّه و غُصّته *** أجابه الله ثم لباه
إذا ابتُلي بالظلام مبتهلاً ***أكرمه الله ثم أدناه

فنودي:

لبيك عبدي وأنت في كنفي *** وكل ما قلت قد علمناه
صوتك تشتاقه ملائكتي *** فحسبك الصوت قد سمعناه
دُعاك عندي يجول في حجب *** فحسبك الستر قد سفرناه
لو هبّت الريح من جوانبه *** خرّ صريعا لما تغشّاه
سلني بلا رغبة ولا رهب *** ولا حساب إني أنا الله([1])

تتميز هذه المرحلة التي يمرّ بها الإنسان بسمات عديدةٍ تميزها عن بقية مراحل حياته الاُخرى، وهي:

السمة الأولى: مرحلة البلوغ الشرعي التي يكون فيها الشاب في مرحلة النضج والتغير الجسدي نحو القوة والجمال، قال تعالى: ﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ([2]).

وهذه المرحلة تعتبر مرحلة خطرة تحتاج إلى العناية والرعاية والتربية والمراقبة الحثيثة من الآباء بما يستلزمه ذلك من مصادقة الأبناء، والأخذ بيدهم إلى ما يربطهم بدينهم وتعاليمه، وتعليمهم كذلك اُمور عقائدهم وأحكامهم:

ينشا الصغير على ماكان والده *** إن العروق عليها ينبتُ الشجرُ([3])

السمة الثانية: الاستقلالية والتأسيس، حيث يشعر أنه طوى مرحلة التلقي، وبدأ مرحلة تكوين الشخصية، والاهتمام بالذات، والاعتماد على النفس، ولا حاجة له لكثير من التوجيهات. وهنا فإن علينا في هذه المرحلة كآباء تقديم العون، ومدّ يد المساعدة له، ولكن ينبغي أن يكون كل ذلك بالأسلوب اللائق مع تحمل المصاعب وتجاوز المشاكل بالتي هي أحسن.

السمة الثالثة: حب التضحية باعتباره مقبلاً على الدنيا حديث عهد بها، فلا يكون بعد مرتبطاً بها كثيراً، بعكس الكبير الذي عاصر الحياة، وعرف حلوها ومرها؛ فإنه من خلال تجاربه ينشد نحو الدنيا، أو أنه يعمل على تنظيم حياته والتخطيط لها؛ لتكوين مستقبل مستقرّ، مصحوباً ذلك بالمحافظة عليه مهما أمكن، مستفيداً من عبر الآيام، وتجارب الآخرين. فالبعض يعتبر بعبر الدنيا، والبعض يضيع ويخسر الدنيا والآخرة:

ما راح يوم على حي ولا ابتكرا *** إلّا رأى عبرةً فيه إن اعتبرا
ولا أتت ساعة في الدهر فانصـرمت *** حتى تؤثر في قوم لها غِيَرا
إنَّ الليالي والأيام لو سُئلت *** عن عيب أنفسها لم تكتم الخبرا([4])

السمة الرابعة: الانفتاح الفكري؛ باعتبارها مرحلة تشهد تفتح عقول الشباب، وازدياد رغبتهم في تنمية مواهبهم وتطويرها نحو الأفضل. ولذلك فإننا نجد الأفكار الجديدة دائماً عند الشباب.

ومن هنا اهتمت الرسالات السماوية بقدرات الشباب وطاقاتهم وقابلياتهم الذهنية، فقام الأنبياء بتوجيههم للأفضل، فكان أغلب أنصارهم والمضحّون من أجلهم ومن أجل مبادئهم من فئة الشباب. فتجد قوم إبراهيم× يخاطبونه قائلين: ﴿فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِئَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ([5]).

وهكذا كانوا يعيبونه بأن الذين آمنوا به هم من الشباب والفقراء.

وهكذا نبينا محمد‘ آمن به الشباب، فاتهمته قريش أنه أفسد شبانهم، فقالوا لأبي طالب: إن ابن أخيك قد سب آلهتنا، وسفه أحلامنا، وأفسد شبابنا([6]). وقد أكد ذلك الرسول‘ قائلاً: «وأوصيكم بالشباب خيراً؛ فإنهم أرقّ أفئدة، إن الله بعثني بشيراً ونذيراً. فحالفني الشباب وخالفني الشيوخ». ثم قرأ: ﴿فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ([7]).

وقال علي×: «إنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته»([8]).

ومن هنا وجب علينا الاهتمام بالشباب، والوقوف معهم، والاستفادة من طاقاتهم في كل مراحل الحياة، خاصة ونحن نحتفل بميلاد شاب أشبه الناس خلقاً وخلقاً بالنبي محمد‘، هذا الشاب الذي ترعرع في بيت النبوة، وضحّى من أجل عقيدته، ونصرة دينه وإمامه، إنه علي الأكبر ابن الإمام الحسين×:

ضحى بروحه بأرض كربلا *** نال وسام الفخر حبّاً وولا
زره تجده في ضريح كم علا *** في روضة الفردوس والجنانِ
ضحى علي بالشباب الغالي *** من أجل دين الله ذي المعالي
دافع عن أبيه ذي الجلالِ *** واليوم ميلاد رفيع الشانِ
في مولد الأكبر يا بشـرانا *** حادي عشْـرٍ بالهنا وافانا
فباركوا الوالد والإخوانا *** جاء عليٌ أكبر الشبانِ

___________________________

([1]) مناقب آل أبي طالب× 4: 69. بحار الأنوار 44: 193 / 5.

([2]) الروم: 54.

([3]) أنساب الأشراق 9: 96.

([4]) الأبيات لابن أبي عيينة المهلبي. روضة العقلاء ونزهة الفضلاء: 282.

([5]) هود: 27.

([6]) بحار الأنوار 18: 182 / 12. وللاطلاع على تربية الأحداث والشباب في الإسلام انظر شرح اُصول الكافي 12: 8. ميزان الحكمة 2: 1400 ـ 1402 / 1943 ـ 1948.

([7]) الحديد: 16.

([8]) نهج البلاغة / الوصية: 31.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة