شعراء القطيف (المرهون)
{81} الأديب عبد الرسول الجشي
المولود عام (1342) ه
هو الأديب عبد الرسول نجل العلاّمة الشيخ علي الجشي المتقدم ذكره. أديب شاعر، وشاعر مفلق، وكاتب محلق، وعبقري فذ. وقد شهدته مع أبيه في النجف الأشرف على استعداد كامل في طريقه لبلوغ القمة فضلاً وفضيلة كأبيه وسائر أفراد اُسرته. وكان مرموقاً من بين أخدانه فيما اُوتي من مواهب ذكاء وفطنة بزّ بهما أقرانه، وعرف بذلك في الأوساط العلمية والأدبية، وتولى إدارة مجلة الغري مدة غيرة قليلة. له من الآثار القيمة ديوان شعر من أجود ما نظم في شتى المناسبات، وكتاب (تاريخ القطيف) لم يكتب مثله. وإليك نموذجاً من شعره تحت عنوان:
تحية شهداء الطف
سكبت على الاُفق الكئيب يد القضا *** من مصرع الشهداء رشح دماءِ
والكون قد عصفت به هوجا الأسى *** بيد الدما تمحو سطور هناءِ
والشهب تسحب للحداد مطارفاً *** فيها تعثر جدها بسماءِ
وبدت على الاُفق الرحيب كأدمع *** طفحت بوجنة صفحة حمراءِ
يا فيض نحر بني العلا وذوي الإبا *** المرتقين مفارق العلياءِ
لازلت تقطر في القلوب فتغتدي *** جمراً يذيب بقية الأحشاءِ
وملأت ساحات الوجود فلم تدع *** قطراً ولم تغمره بالأرزاءِ
باللّه يا شاطي الفرات اقصص لنا *** من سفر ذكراها دروس ثناءِ
حدث عن الصِّيد العظام فخير ما *** درس الفتى هي سيرة العظماءِ
حدث عن الشرف الأثيل عن العلا *** والمجد عن أنصار خير لواءِ
وعن البطولة والسمو ومن غدوا *** في مفرق الأجيال رمز إباءِ
عمّن سمت بهُمُ النفوس فحلّقوا *** فوق النجوم بهمة شماءِ
وأبوا هواناً والمنية دونه *** وإلى الحضيض نهاية الجبناءِ
غضبوا فجلجل رعدهم بفضا من الـ *** ـرهج المثار بأرجل العوجاءِ
برقت سماء سيوفهم فتصبّبت *** بدم من الهامات لا بالماءِ
تتهافت الأرواح فوق سيوفهم *** مثل الفراش بجانب الأضواءِ
وتناثرت هام العدى مذ هلهلت *** أسيافهم فيها على الحصباءِ
رنّت هلاهلها بمسمع خيلها *** فتراجعت مرعوبة لوراءِ
وهوت بنود الجيش بعد خفوقها *** يبكين حاملهن في الهيجاءِ
ورأوا خلال وميض أسياف العدى *** نور الإله بطور كرب بلاءِ
فسعوا إليه يظلهم جنح من الـ *** ـأسياف مشتبك على الأجواءِ
وعلى هداه للخلود تزاحموا *** شوقاً لوصل الجنة الزهراءِ
سكبوا على حدّ السيوف نفوسهم *** متوشّحات من دم الأعضاءِ
وهووا وقد لبسوا مطارف عزة *** حمرا من الأجياد في البوغاءِ
فسمت بهم في الغاضريّة بقعة *** ضمّت جسومهُمُ على الجوزاءِ
يا قبّة أضفى الإله جلاله *** فيها فأضحت معقل الدخلاءِ
ياقبة فيها تبسّم نور من *** ظلّت قبورهُمُ على الجوزاءِ
جئنا نحييك ومن بك خُشّعاً *** ونبلّ تربتهم بفيض دماءِ
ومحافلاً فيها نقيم بسيرها *** فيها نمرّ بنظرة عجلاءِ
هتفت بذكراها القلوب فعطّرت *** تلك المحافل نفحة الشهداءِ
يتبع…