صفات من لا يحبهم الله (3)
خطبة الجمعة
مسجد الإمام الرضا×
7/5/1439هـ
الحمد والشكر والمنة والثناء لعين الوجود، والصلاة والسلام على واقف مواقف الشهود، وعلى آله أمناء المعبود:
صفوة الخلق من عباده أحمدْ *** من أتى مسلماً له سوف يرشدْ
فعليه وآله صلوات *** فارفعوا الصوت عند ذكر محمدْ
عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله وطاعته، والدوام على ذكره وعبادته، فإن الموت لا يبقي أحداً، وكل شيء في الدنيا فانٍ إلّا وجهه الكريم:
الموت لا والد يبقي ولا ولدا *** هذا السبيل إلى ألّا ترى أحدا
مات النبيُّ وَلَم يَخلُدْ لأُمَّتِه *** لو خلد الله خلقاً قبله خلدا
للموت فينا سهامٌ غيرُ خاطئةٍ *** من فاته اليوم سهم لم يفته غداً([1])
تقدم الكلام حول بعض صفات من لا يحبهم الله تعالى كالظالمين والمعتدين والمفسدين والمتفاخرين والكافرين، ونكمل حديثنا عن بقية هذه الشرائح السلبية في المجتمع، فنقول:
سادساً: الخائنون، قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا * وَاسْتَغْفِرِ اللهِ إِنَّ الله كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾([2]).
ويُذكر أن أحد المسلمين سرق شخصاً يدعى رفاعة، فاتهموا شخصاً بريئاً يسمى لبيدا، كان يسكن معهم، فبلغ النبي| ذلك فتألم لهذه التهمة، فأراد أن ينتصر لنفسه، فطلب منهم إثباتاً أو سيحمل عليهم بسيفه. فذهبوا مع أحد رجال قبيلتهم إلى النبي| ليدافع عنهم ويلصق التهمة بالرجل، وما على الرسول إلا العمل بالظاهر. ولكن نزلت الآيتان تؤنّبان مرتكب الخيانة وتبرّئان المظلوم.
يقول صاحب تفسير الميزان: «ومضمون الآية على ما يعطيه السياق أن الله أنزل إليك الكتاب، وعلمك أحكامه وشرائعه وحكمه لتضيف إليها ما أوجد لك من الرأي، وعرّفك من الحكم فتحكم بين الناس، وترفع بذلك اختلافاتهم».
وقال: «الخصيم: هو الذي يدافع عن الدعوى وما في حكمها، وفيه نهيه| عن أن يكون خصيماً للخائنين على من يطالبهم بحقوقه، فيدافع عن الخائنين ويبطل حقوق المحقين من أهل الدعوى».
وقال&: «إن المراد بالخيانة: مطلق التعدي على حقوق الغير ممن لا ينبغي منه ذلك، لا خصوص الخيانة للودائع» ([3]).
وقال سبحانه في سورة الحج: ﴿إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾([4]). وهذا تطمين من الخالق سبحانه للمؤمنين بنصره، حيث لن يتمكن الأعداد من بلوغ ما يطمحون إليه، فالوعد الإلهي متحقق لا محالة. أما الذين أشركوا، فقد ثبتت عليهم الخيانة والكفر، والله لا يحب الخوّان الكافر.
وقال سبحانه في سورة الأنفال: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ﴾([5]). فإذا وجد الرسول| القرينة والأمارة من الأعداء تدل على خيانتهم، جاز له أن يبلغهم إلغاء العهد بأسلوب واضح وصريح لا لبس فيه ولا خدعة.
سابعاً: المسرفون، قال تعالى: ﴿كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾([6]). والإسراف: هو تجاوز الحد. ومعنى الآية: لا تتجاوزوا الحد الذي يصلح به معاشكم بالتصرف فيه. فلا يتصرف صاحب المال بالإسراف، وليعتدلْ في أكلِه وبذلِه، بل مجمل حياته، وليبتعد عن معصية الله تعالى:
إذا كنت في نعمة فارعَها *** فإن المعاصي تزيل النعمْ
فإن تُعطِ نفسك آمالها *** فعند مناها يحلّ الندمْ
فأين القرون ومن حولهم *** تفانوا جميعاً وربي الحكم
محامدك اليوم مذمومة *** فلا تكسب الحمد إلا بذم([7])
وقال سبحانه: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾([8]). فينبغي رعاية الاعتدال في حياتنا خاصة في مثل هذه الظروف الحياتية التي نمر بها.
ثامناً: الفرحون، قال تعالى: ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾([9]). وكان سبب بغيه وظلمه الثروة العظيمة التي غرّته وأغرته وجرته إلى الانحراف والاستكبار. عن أميرالمؤمنين× قال: «قال رسول الله|: إن الدينار والدرهم أهلكا من كان قبلكم، وهما مهلكاكم»([10]).
قال الشريف الرضي:
إنما يُدَّخر الما *** ل لحاجات الرجالِ
والفتى من جعل الأمـ *** ـوال أثمانَ المعالي([11])
تاسعاً: المستكبرون، قال تعالى: ﴿إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ * لاَ جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ﴾([12]).
والاستكبار هو من علامات الجهل بالله عز وجل، وإن من أقبح ألوان التكبر الوقوف أمام الحق ورفضه، فكل رافض لقبول الحق مستكبر؛ لأنه يقفل على الإنسان سبل الهداية؛ مما يؤدي به إلى التخبط في متاهات المعاصي والضلال.
___________________
([1]) مناقب آل أبي طالب 1: 204.
([3]) الميزان في تفسير القرآن 5: 71 ـ 72.
([7]) ديوان الإمام علي×: « 153. أعيان الشيعة 1: 553.