صفات من لا يحبهم الله (1)
خطبة الجمعة
مسجد الإمام الرضا×
17/4/1439هـ
الحمد لله رب العالمين، خالق الخلائق أجمعين، ديان يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، الرسول الأمين وخاتم النبيين، حبيب قلوب العالمين، أبي القاسم محمد|.
عبادالله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل؛ فإن نعيم الدنيا زائل، وكل ما فيها راحل:
قل للمقيم بغير دار إقامة *** حان الرحيل فودّع الأحبابا
إنّ الذين لقيتهم وصحبتهم *** صاروا جميعاً في القبور ترابا([1])
تقدم الكلام حول من يحبهم الله تعالى من المتقين والمحسنين والصابرين والمتطهرين، ونتكلم اليوم عن شريحة لا يحبهم الله تعالى ومنهم:
أولاً: الظالمين، قال تعالى: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾([2]). حيث يتضح من هذه الآية الكريمة أن الإيمان لوحده لا يكفي، بل لابد من أن يقترن بالعمل الصالح، ففي الحديث «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً»([3]).
ثم تحدثت الآية الكريمة عن الظالمين، وأن الله تعالى لا يحبهم، وهم الذين يقدمون على الكفر والعمل السيّئ في حياتهم من ظلم أنفسهم بالمعاصي، ومخالفة الشريعة المقدسة، أو ظلم الآخرين في حقوقهم وأموالهم وسمعتهم. في نهج البلاغة عن علي×: «ألا وإن الظلم ثلاثة: فظلم لا يغفر، وظلم لايترك، وظلم مغفور لايطلب: فأما الظلم الذي لايغفر، فالشرك بالله، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ﴾. وأما الظلم الذي يغفر، فظلم العبد نفسه عند بعض الهنات. وأما الظلم الذي لا يترك، فظلم العباد بعضهم بعضاً»([4]).
فحذار من الظلم، وحذار من دعوة المظلوم. قال علي×:
«لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً *** فالظلم آخره يأتيك بالندم»([5])
وقال حفص بن عتاب للرشيد:
تنام عينك والمظلوم منتبه *** يدعو عليك وعين الله لم تنم([6])
ثانياً: المعتدين، قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ﴾([7]).
وقد أمر القرآن الكريم في هذه الآية بمقاتلة الذين يشهرون السلاح بوجه المسلمين، بعد أن انتهت مرحلة صبر المسلمين على الأذى، وجاءت مرحلة الدفاع عن النفس والحقوق المشروعة، فالحرب من وجهة نظر الإسلام ليست للانتقام، ولا للعلو في الأرض والتزعم، بل هو يصح إذا كان في سبيل الله، وإقامة شريعته، من نشر الحق والعدل والتوحيد، ومحاربة الظلم والفساد. وهذا ما يميز الحرب في الإسلام عن سائر حروب العالم.
ثم توصي الآية الشريفة بضرورة رعاية العدالة حتى في ميدان القتال، كعدم التعرض للمستسلمين، ومن لا يقدر على الحرب كالكبار والنساء والأطفال، أو للبساتين، يقول علي×: «فإذا كانت الهزيمة بإذن الله، فلا تقتلوا مدبراً، ولا تصِبوا معُوراً، ولا تجهزوا على جريح، ولا تهيجوا النساء…»([8]).
وقال سبحانه في سورة المائدة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾([9]).
وقد نهى الله تعالى بعض المسلمين الذين حرّموا على أنفسهم بعض النعم الإلهية، ونهت عن تجاوز حدود الله تعالى؛ لأنه سبحانه لا يحب الذين يفعلون ذلك التجاوز. وحين بلغ رسول الله| ذلك قال: «ما بال أقوام حرّموا النساء والطيب والنوم وشهوات الدنيا، أما إني لست آمركم أن تكونوا قسيسين ورهباناً…» ([10]).
ثالثاً: الفساد والمفسدين، قال تعالى: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ﴾([11])؛ ذلك أن كل هذه الاُمور من صفات المنافقين الذين إذا حكموا في الأرض، أهلكوا الحرث والنسل، وأشاعوا الظلم، وعرضوا الناس للخطر بالاعتداء عليهم وعلى أموالهم.
الأخنس بن شريف
وكان الأخنس بن شريف رجلاً وسيماً، عذب البيان، يتظاهر بالإسلام وحب الرسول|. وكان كلما جلس عند النبي| أقسم بالله على إيمانه وحبه للرسول|، وكان الرسول| يغدق عليه من لطفه وحبه كما هو مأمور به، ولكن الأخنس كان منافقاً، فلما صارت بينه وبين بعض المسلمين منازعة هجم عليهم وقتلهم وأباد زرعهم([12]). وهذا التصرف فساد لا يحبه الله تعالى.
وكما إن الله تعالى لا يحب الفساد، فكذلك لا يحب المفسدين كاليهود الذين تحدث عنهم القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾([13]).
إن مصير كل من لا يحبه الله هو أن يُغلب على أمره ولو بعد حين، (اللهم انصر الإسلام، وأعز المسلمين، وأيد حماة الدين، وعجل فرج وليك حجة الله على العالمين):
متى تسل البيض من غمدها *** وتُشرع السمر ويحمى الذمارْ
في فئة لها التقى شيمة *** ويالثارات الحسين شعارْ
تنسى على الدار هجوم العدا *** مذ أضرموا الباب بجزل ونارْ
ورضّ من فاطمة ضلعها *** وحيدر يقاد قسـراً جهارْ([14])
يتبع…
_________________________
([1]) مناقب آل أبي طالب 3: 181. بحار الأنوار 43: 340 / 14.
([3]) من لا يحضره الفقيه 3: 156 / 3569.
([4]) نهج البلاغة / الخطبة: 176.
([6]) المستطرف 1: 190 نسبه إلى بعض الملوك.
([8]) نهج البلاغة / الوصية: 13.
([10]) مناقب آل أبي طالب× 2: 100. بحار الأنوار 40: 328 / 10.