ميلاد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)
خطبة الجمعة
مسجد الإمام الرضا×
19/3/1439
ميلاد الرسول الأكرم‘
مسجد الإمام الرضا×
19/3/1439
الحمد لله الذي أنار الدنيا بنور رسوله| وآله^، أحمده وأستغفره وأتوب إليه، إنه هو التواب الرحيم. وأصلّي وأسلم على سيد الأنبياء والمرسلين، حبيب قلوب العالمين، محمد وآله الطاهرين. وأشهد أن لا إله إلّا الله، وحده لا شريك له.
عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل؛ فإن التقوى درع الله الحصين، وأبارك لكم أيام الميلاد الكريم:
لقد كرم الله النبي محمداً *** فأكرم خلق الله في الناس أحمدُ
وشقّ له من اِسمه ليجله *** فذو العرش محمودُ وهذا محمدُ
نبي أتانا بعد يأس و فترة *** من الرسل والأوثان في الأرض تعبدُ
تعاليت رب العرش من كل فاحش *** فإيـاك نستهدي وإيـاك نعبدُ([1])
جاءت البشرى، وهبت النسائم المعطرة، فطيبت الحجاز بطيب مقدَّس، حيث ولد من أسرة عربية عريقة امتازت بطهارة أعراقها، وسمو همتها العالية، فهي الأسرة الهاشمية العفيفة في أخلاقها، التي عرفتها العرب بحنفيتها على ملّة إبراهيم×، تحلت بالفضائل من الجود والكرم والخلق الرفيع، فكانت محمودة مشكورة.
ولما ولد| تلّقى الأرض بمساجده السبعة رافعاً سبابته إلى السماء، يرافقه نور غطى أرجاء المكان. يقول البوصيري:
ليلة المولد الذي كان للديـ *** ـن سرور بيومه وازدهاءُ
فهنيئاً به لآمنةً الفضـ *** ـل الذي شُرفت به حواءُ
من لحوّاء إنها حملت أحـ *** ـمد أو أنها به نفساءُ
يوم نالت بوضعه ابنة وهب *** من فخار ما لم تنله النساءُ([2])
ولد النبي محمد|، وخرج معه النور الذي أضاء القصور القيصرية، وانصدع الإيوان في المدائن الكسروية، وسقطت بعض شرفاته العُلوية، وكسر عرش الملك كسرى، وخمدت نيران فارس التي كانت مشتعلة منذ ألف عام، وغاضت بحيرة ساوة، وفاض وادي السماوة، وكبرت الملائكة، وفتحت الجنان أبوابها، وأوصدت أبواب النيران، وتزينت الحور والولدان، ونادى المنادي: «ولد المعروف في السماء أحمد وفي الأرض محمد»([3]). يقول أحمد شوقي:
بل بشـر الله السماء فزُينت *** وتضوعت مسكاً بك الغبراءُ
يوم يتيهُ على الزمان صباحه *** ومساؤه بمحمدٍ وضاءُ
ذعرت عروشُ الظالمين فزلزلت *** وعلت على تيجانهم أصداءُ
والنار خاوية الجوانب حولهم *** خمدت ذرايتها وغاض الماءُ
وأقبل عبدالمطلب فرحاً مسروراً قد غمرته السعادة، وحمله إلى الكعبة، يسأل الله تعالى أن يعيذه من شرور الدنيا ومفاسدها، وشكر الله سبحانه أن وهبه هذا المولود المبارك، وطاف به سبعة أشواط، ثم وقف عند ركن الكعبة رامقاً بطرفه السماء وهو يقول:
الحمد لله الذي أعطاني *** هذا الغلام الطيب الأردان
قد ساد في المهد على الغلمان *** أعيذه بالبيت ذي الأركان([4])
ثم رده إلى أمه حامداً لله تعالى الذي عوضه عن فقد ابنه عبد الله بنبينا محمد|، وراح يذبح الذبائح ويطعم أهل الحرم والطيور ووحوش الفلا، وسماه محمداً|، وعق عنه في اليوم السابع بكبش حضره عامة قريش:
في النطق ألفاظ الكلام كثيرة *** وأجل ما في النطق اسم محمدِ
وقيل: إنه سماه محمداً بإلهام من الله تعالى تفؤّلاً بأن يكثر حمدُ الخلق له، لكثرة خصاله الحميدة التي يحمد عليها([5]). يقول حسان:
فشق له من اِسمه ليجلّه *** فذو العرش محمودٌ وهذا محمدُ
وقد ورد: «أحب الأسماء إلى الله ما عبد وحمد»([6]). ولما كانت العبادة أشرف الخصال، والتسمي بها أشرف التسميات، سمي الخالقُ سبحانه حبيبه محمداً عبداً، فقال سبحانه: ﴿وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا﴾([7]).
أما اسم أحمد فقد جاء في الذكر الحكيم على لسان عيسى×: ﴿وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾([8]).
يقول أحمد شوقي:
ولد الهدى فالكائنات ضياءُ *** وفم الزمان تبسمٌ وثناءُ
الروح والملأ الملائك حوله *** للدين والدنيا به بشـراءُ
والعرش يزهو والحضيرة تزدهي *** والمنتهى والسدرة العصماءُ
«اللهم صل على محمد وآل محمد في الأولين، وصل على محمد وآل محمد في الآخرين، وصل على محمد وآل محمد في الملأ الأعلى، وصل على محمد وآل محمد في المرسلين. اللهم أعطِ محمداً الوسيلة، والشرف والفضيلة، والدرجة الكبيرة. اللهم إني آمنت بمحمد| ولم أرَه، فلا تحرمني يوم القيامة رؤيته، وارزقني صحبته، وتوفني على ملته، واسقني من حوضه مشرباً روياً سائفاً هنياً، لا أظمأ بعده أبداً، إنك على كل شيء قدير. اللهم كما آمنت بمحمد| ولم أرَه، فأرِني في الجنان وجهه، اللهم بلغ روح محمد عني تحية وسلاماً»([9]):
أدم الصلاة على النبي محمدِ *** فقبولها حقاً بغير ترددِ
أعمالنا بين القبول وردها *** إلّا الصلاة على النبي محمدِ
____________________________
([1]) مواهب الجليل 1: 19. بحار الأنوار 22: 251 / 1، 35: 165 / 85.
([2]) سبل الهدى والرشاد 1: 355. السيرة الحلبية 1: 94.
([3]) انظر بحار الأنوار 15: 102 / 48.
([4]) الطبقات الكبرى 1: 103. تاريخ مدينة دمشق 3: 83. الفضائل (ابن شاذان): 23.