شعراء القطيف (المرهون)
{80} الملاّ مكي الجارودي[1]
المتولّد (1313) ه
هو الفاضل الشيخ مكي بن قاسم الأحمد الجارودي. أحد رجال الدين المرموقين والمعروفين بالتقوى والورع والصلاح، فقد كان على جانب عظيم من ذلك. نشأ محباً للعلم وذويه منذ نعومة أظفاره وأيام صباه، لا يمنعه عن طلب العلم مانع، ولا يحجزه عن حضور الدرس حاجز، مع العلم أنه مكفوف البصر، فكم رأيته يتردّد على الوالد رحمه الله يقوده أحد إخوانه أو بني عمه ليأخذ دروسه وافية، وما زال حتّى بزّ أقرانه فيما اُوتي من فضيلة. وكان خطيباً مفوّهاً صيّتاً عارفاً بفنون الخطابة وما تهدف إليه من أغراض إصلاحية؛ اجتماعية ودينية إلى غير ذلك ممّا ينبغي أن يكون عليه الخطيب، (وفقة اللّه لمراضيه، ومد في عمره طويلاً). وكان يقول الشعر بالمناسبات، فمنه قوله:
في استنهاض الحجّة عليه السلام متخلصاً إلى رثاء الحسين عليه السلام
يا صاحب العصر النجاح النجاحْ *** قم واطلب الثأر ببيض الصفاحْ
متى نرى جبريل يدعو ألا *** قد ظهر الحق وبان الصباحْ
متى نرى الآفاق مملوءة *** قسطاً وعدلاً ونراها صلاحْ
متى نرى الأعلام منشورة *** لحرب أعدائك والنصر لاحْ
متى نرى الأسياف مشهورة *** تلمع كالشهب وسمر الرماحْ
كأنها الأنجم تبري العدى *** والدم كالسيل ويملا البطاحْ
تنسى وهل تنسى فعال الذي *** قد أضرم الباب بنار صباحْ
تنسى وهل تنسى فعال الذي *** كسر أضلاع البتول الصحاحْ
قم يا ولي اللّه كيما ترى *** مصائب الطف غداة الكفاحْ
حيث الحسين الطهر فرداً غدا *** والجسم منه مثخن بالجراحْ
يكر في القوم كليث الشرى *** وفي زوايا سيفه الموت لاحْ
لم يدنُ عزرائيل يوم اللقا *** لقبض أرواح العدى في الكفاحْ
لكنما تقبض أرواحهم *** بيض المواضي أوحراب الرماحْ
ومذ دعاه اللّه لبى الندا *** فجاءه سهم دعي فطاحْ
ملقىً عفيراً في الثرى ظامئاً *** تنسج أكفاناً عليه الرياحْ
فناحت السبع له بالدما *** وصاح جبريل عليه وناحْ
واهتز عرش اللّه حزناً له *** والوحش والجن أقاموا النياحْ
قم يا ولي اللّه كيما ترى *** جدك ملقى قطرته الصفاحْ
قم يا ولي اللّه كيما ترى *** جدك ملقى شجرته الرماحْ
قم يا ولي اللّه كيما ترى *** جدك ملقى كفنته الرياحْ
في جانب النهر قضى ظامئاً *** قد منعوه ورد ماء المباحْ
والجسم منه رضّضته العدى *** بالخيل تعلوه ذهاباً رواحْ
والرأس منه فوق سمر القنا *** يتلو لآيات الكتاب الصحاحْ
ونجله السجاد خير الورى *** مصفداً بالقيد والغلّ راحْ
يصيح وا ذلاّه أين الاُولى *** يروون في يوم النزال الصفاحْ
أين الاُسود الغلب من غالب *** وأين جدي حيدر ذو السماحْ
يرونني صرت أسير العدى *** وزينباً حسرى تقيم المناحْ
إذا بكت وجداً على قومها *** يوكز منها جنبها بالرماحْ
قد آلموا بالضرب أكتافها *** فتظهرُ الدمع وتخفي الصياحْ
آهٍ لها حسرى على ناقة *** يسترها الليل عن الاِلتماحْ
وإن بدا صبح بدا وجهها *** لناظريها وبدا الاِفتضاحْ
وأدخلوا الحرات مثل الإما *** تساق ذلاًّ ليزيد صباحْ
لما رآهم في السبا حسّراً *** نادى وقد صفق راحاً براحْ
شفيت قلبي بعدما قد غدا ملآن بالغلّ ولأواه راحْ
وقدموا رأس حسين له في وسْط طشت وبه النور لاحْ
فظل يعلو منه أسنانه *** بخيزران وله الدين ناحْ
ويشتم الأطهار بين العدى *** وكل ما قد حرمره أباحْ
عليه لعن اللّه مستمطراً *** ما أظلم الليل وضاء الصباحْ
وثم صلى اللّه ربي على *** آل الهدى ما ضاء نجم ولاحْ
يتبع…
____________________
[1] توفي رحمه الله في 9 / 2 / 1389 ه.