كشكول الوائلي _ 212
بيع الرقيق
ويبقى هنا سؤال لابدّ من إثارته وطرحه ثم مناقشته لتتّضح وجهة نظر الإسلام حيال مسألة الرق. هذا السؤال يطرحه البعض من المثقفين وربما الكثير منهم بصورة متشنّجة، وهو: هل إنّ الإنسان حيوان حتى يباع ويشترى في الأسواق؟ وإن كان أرفع من الحيوان، فلماذا تباع الجواري إذن، مع أنها إنسان، والإنسان له كرامة يجب أن تُحفظ وتصان؟
والجواب عن هذا التساؤل أن نقول: إن الإسلام لم يستهدف إذلال الآدمي، بل إنّه استهدف رفع منزلة الشعوب وتعظيم كرامتهم بدعوته إياهم إلى الدخول فيه. ثم إنّه لم يقاتل هذه الشعوب مباشرة، بل إنّه كان يخيّرها قبل القتال بين الدخول في الإسلام أو البقاء على دينها مع دفع الجزية؛ لأ نّه يريد أن يبسط حمايته عليهم. ومعنى هذا أنه وسّع دائرة الاختيار لهذه الشعوب قبل أن تختار القتال، فإذا دخلت هذه الشعوب في الإسلام فقد حلّت المسألة ولم يبقَ هناك أي مجال للسبي واقتياد الجواري وغير ذلك، وأصبح هذا البلد إسلاميا له ما لجميع البلاد الإسلامية من حقوق وعليه ما عليها من واجبات. ومع رفض هذا البلد الإسلامَ واختيارهم البقاء على دينهم، فإنهم يسمح لهم بذلك لكن بشرط المواطنة الصالحة؛ وهي أن يذعنوا لقانون الإسلام، ويدفعوا الجزيةالتي هي مبلغ رمزي كي يأخذ مقابلها كل الحقوق التي يأخذها المسلم.
الإسلام يسهّل باب العتق
إذن المراد بهذه العملية هو ترويض من يرفض أن يدخل في الإسلام أو يرفض أن يكون مواطنا مسلما صالحا. ولذا فإنّ الإسلام عمد إلى كسر هذه الحالة من التمرّد الأهوج، ثم بعد ذلك فتح باب تحرير هؤلاء وعتقهم على أوسع مجالاته. ويكون هذا العتق بعدة اُمور منها:
أوّلاً: الحث على عتقهم لوجه اللّه
فهناك الكثير من الحث على عتق هؤلاء طلبا لثواب اللّه تعالى واكتسابا لمرضاته(1).
ثانياً: انعتاق أمّ الولد
فهؤلاء الجواري حينما يحملن من مالكهين فإنهن ينعتقن تلقائيا بمجرد موت المالك؛ حيث إنهن يحتسبن حينها من نصيب أبنائهن. ومعنى هذا أن ملكيتهن تصبح متزلزلة بمجرد أن يبين حملهن، وتسمى حينئذٍ أم ولد.
يتبع…
_____________
(1) فعن رسولنا الأكرم صلى الله عليه وآله أنه قال: «لا يقل أحدكم عبدي وأمتي، وليقل: فتاتي وغلامي».مسند أحمد بن حنبل 2: 316، مسند أبي يعلى 11: 405 / 6529.
وكان الإمام زين العابدين عليه السلام يجمع غلمانه في ليلة العيد فيعتقهم، ثم يطلب منهم ليدعوا له، ويقول لهم: «قولوا: اللهمّ اعفُ عن علي بن الحسين كما عفا عنّا». الصحيفة الكاملة السجاديّة / دعاؤه عليه السلام في آخر ليلة من شهر رمضان، الإقبال بالأعمال الحسنة 1: 444، بحار الأنوار 46: 104، 95: 187.
وعن ابن مسعود قال: كنت أضرب عبدي بالسوط فسمعت صوتا من خلفي، وإذا هو رسول اللّه صلى الله عليه وآله يقول: «اعلم أبا مسعود، أن اللّه أقدر عليك منك على هذا الغلام». فقلت: يا رسول اللّه، هو حرّ لوجه اللّه. فقال صلى الله عليه وآله: «أما لو لم تفعل للفحتك النار». مسند أحمد 5: 273 ـ 274، صحيح مسلم 5: 91 ـ 92، مسند أبي داود2: 501 / 5159.
وقال صلى الله عليه وآله: «من قتل عبده قتلناه، ومن جدع عبده جدعناه». سنن أبي داود 4: 176 / 4515، سنن الدارمي 2: 191، الجامع الصحيح «سنن الترمذي» 4: 26 / 1414.
ومن ذلك سن تشريع المكاتب والمدبّر، وجعل كفّارة الكثير من الجرائر عتق رقبة مؤمنة، كل ذلك للقضاء على آفة الرقّ.