كشكول الوائلي _ 208
في أنّ مصرع الإمام الحسين عليه السلام أبكى رسول اللّه صلى الله عليه وآله
فصوم عاشوراء إن كان بعنوان التقرّب إلى اللّه تعالى فقط فهذا الاعتبار علّة لصحّته، أما إذا كان في صومه إيماءة أو إشارة تعطي لونا من الشماتة فهو صوم محرّم؛ لأ نّه هذا اليوم يوم عزاء لرسول اللّه صلى الله عليه وآله. وليس من مسلم يشكّ في أن مقتل الإمام الحسين عليه السلام قد آذى رسول اللّه صلى الله عليه وآله وآلمه أشدّ إيلام وأفجعه أي فجيعة.
مشروعية البكاء على الحسين عليه السلام وإقامة المآتم عليه
ويمكن الاستدلال لهذا بالكثير من الروايات التي يرويها علماء المذاهب الأربعة في خصوص بكاء الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله على الإمام الحسين عليه السلام أو في بكائه على غيره من أصحابه، فهذه كتب علماء أبناء المذاهب الأربعة غنية بالروايات التي تصبّ في هذا المجال، وهي متوفّرة بين أيدينا.
وهكذا فنحن حينما نقيم مآتم على الإمام الحسين عليه السلام نذكر فيها مواقفه البطولية وأهداف حركته السامية ونبكي لما أصابه، فإننا إنما نمشي مع السنّة وعلى خطّها في هذا، ولا نخالفها في شيء. ولست أدري لماذا يعبّر البعض عن إقامة مثل هذه المآتم بأنها بدعة وأنها مخالفة للسنة؛ فهناك الكثير من الروايات في هذا المضمار كما ذكرنا، ومنها ما يرويه ابن الصبّاغ المالكي في (الفصول المهمّة): عن اُمّ الفضل بنت الحارث زوجة العبّاس بن عبد المطلب، أنّها دخلت على رسول اللّه صلى الله عليه وآله فقالت: يارسول اللّه إنّي رأيت حلما منكرا الليلة. قال صلى الله عليه وآله: «وما هو؟». قالت: إنّه شديد. قال: «وما هو؟». قالت: رأيت كأنّ قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري. فقال صلى الله عليه وآله: «رأيتِ خيرا، تلد فاطمة إن شاء اللّه غلاما فيكون في حجرك».
وفعلاً ولدت الزهراء عليها السلام الإمام الحسين وأرضعته أمّ الفضل التي تذكر ذلك فتقول: فولدت فاطمة الحسين عليهما السلام، فكان في حجري، كما قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله،فدخلت يوما على رسول اللّه صلى الله عليه وآله، فوضعته في حجره، ثم حانت مني التفاتة، فإذا عينا رسول اللّه صلى الله عليه وآله تهريقان من الدموع، فقلت: يا نبيَّ اللّه، بأبي أنت واُمِّي، مابك؟ قال: «أتاني جبرائيل فأخبرني أنّ اُمَّتي ستقتل ابني هذا». فقلت: أيكون هذا؟ فقال صلى الله عليه وآله: «نعم، وأتاني بتربة من تربته حمراء»(1).
وهذه التربة أودعها رسول اللّه عليه السلام عند اُمّ سلمة وقال لها: «يا اُمَّ سلمة، جاءني جبرئيل فأخبرني أنّ ولدي حسيناً يُقتل بأرض العراق، وأتاني بهذه التربة من موضع قتله، فخذيها وضعيها في قارورة، فإذا صارت دماً عبيطاً فاعلمي أنه قد قتل»(2).
ومن أحبّ فإني اُرشده إلى عشرات المصادر عند المذاهب الأربعة في هذا المضمار، ودونه كتاب (إقناع اللائم في إقامة المآتم)(3)، وهو مطبوع ومتوفّر، وكل مصادره من كتب المذاهب الأربعة.
بكاؤه صلى الله عليه وآله على شهداء مؤتة
إن على المعترض على أمثال هذه الاُمور أن يرجع إلى (الموسوعة الفقهية) في الكويت ولينظر في باب (مأتم) كيف أنه صلى الله عليه وآله بكى لما قُتل جعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة بموءتة، وقال: «المرء كثير بأخيه»(4). وقال صلى الله عليه وآله «على مثل جعفر فلتبكِ البواكي»(5).
يتبع…
_______________
(1) انظر: المستدرك على الصحيحين 3: 176 ـ 177. قال الحاكم: «وهذا حديث صحيح على شرط الشيخين». وقد مرّ التنبيه في ج1 ص31 من موسوعة محاضرات الوائلي إلى أن صاحبة الرؤيا هي اُمّ سلمة وليست اُمّ الفضل، ويدلّ عليه أن رسول اللّه عليه السلام قد أودع التربة التي أتاه جبرائيل عليه السلام بها من كربلاء عند اُمّ سلمة.
(2) بحار الأنوار 44: 238، 268، المعجم الكبير 3: 108 ـ 109 / 2819، 23: 289/ 637، كنز العمّال 13: 656 / 37666.
(3) للسيّد محسن الأمين رحمه الله.
(4) شرح نهج البلاغة 18: 112.
(5) الاستيعاب 1: 243، اُسد الغابة 1: 289، وأضاف فيه: ودخل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله من ذلك همّ شديد، حتى أتاه جبريل فأخبره أن الله قد جعل لجعفر جناحين مضرّجين بالدم، يطير بهما مع الملائكة.