كشكول الوائلي _ 206
البعد الثاني: استعمال مبدأي الترهيب والترغيب
وكذلك لجأ هؤلاء إلى تجنيد الأموال الطائلة والسجون الكثيرة والكبيرة لإغراء الناس وجذبهم إليهم وإبعادهم عن أهل الحقّ، ولتعذيب من يقف بوجههم ويرفض أساليب الإغراء التي يحاولون استدراج الناس بها وشراء ذممهم. فسجنوا كل من كان يميل لأهل البيت عليهم السلام؛ فقد كبسوا بيت سعيد ليلاً وأرعبوا عائلته لا لسبب سوى أنه يوالي علي بن أبي طالب عليه السلام.
وطورد عمرو بن الحمق الخزاعي ولوحق حتى الكهف الذي التجأ إليه حيث هجموا عليه، وأخذوه وضربوا عنقه وحملوا رأسه من الموصل إلى بلاد الشام(1)، وكذلك فُعل بحجر بن عدي الكندي حيث اُخذ هو وجماعته إلى الشام ثم ذبحوا في مرج عذراء؛ لأ نّهم استنكروا شتم أميرالمؤمنين عليه السلام ورفضوا أن يسبّوه. وخلاصة الأمر أنّ كل من كان يحب أمير المؤمنين عليه السلام، وكل من كان يتّهم بحبه تعمد السلطة إليه فتسجنه وتذيقه أليم العذاب ثم تقتله، وكان المقصود من هذه الممارسات إبعاد الإمام الحسين عليه السلام عن الساحة، واستهداف حركته وفكره.
البعد الثالث: تجنيد الأقلام المأجورة
لقد عمدت السلطة من ضمن ما عمدت إليه لمحاربة الإمام الحسين عليه السلام وفكره إلى تجنيد جملة من حملة الأقلام المحسوبين على الإسلام، مع أننا لا نستطيع أن نعطيها شرف الانتساب إلى الإسلام. إنّ تلك المحاولات كانت محاولات يائسة غير ناهضة، غير أنّ الإصرار عليها يبعث على لفت النظر إليها؛ لأ ن بعض هذه الأقلام بدأت تركّز على أسباب خروج الإمام الحسين عليه السلام، وتؤكّد على أنه باغٍ خرج على إمام زمانه، فقتل. لكن لنا أن نسأل: من هو إمام زمانه؟ طبعا يقصدون به يزيد، مع أنّ هؤلاء أنفسهم يروون أنه كان يصعد على منبر المسلمين والخمرة ترنّح أعطافه ويقول:
أقول لصحب ضمّت الكأس شملهم *** وداعي صبابات الهوى يترنّمُ
خذوا بنصيب من نعيم ولذّة *** فكلٌ وإن طال المدى يتصرّمُ(2)
ومن أحبّ أن يطّلع على حاله أكثر فليرجع إلى كتاب (حياة الحيوان)(3) للدميري في باب (فهد)، ولينظر إلى آراء العلماء في يزيد وما الذي يقولونه فيه. وكذلك لينظر مقدمة كتاب مقتل الحسين عليه السلام ) للسيد عبد الرزاق المقرّم؛ حيث عقد فيها فصلاً خاصا ذكر فيها آراء علماء المسلمين في نهضة الإمام الحسين عليه السلام ضد يزيد، وما هي حقيقة يزيد. وكذلك لينظر مؤلفات جملة من أصحاب الأقلام الحرّة التي تناولت الإمام الحسين عليه السلام وكيف وصفت خروجه على يزيد وكيف هي الحالة التي كان عليها يزيد قبل تسنمه الحكم وبعده. إنّ هؤلاء يذكرون أنّ يزيد لم يترك حرمة للّه لم ينتهكها(4).
لكن كما قلنا يأتي البعض من أصحاب الأقلام الرخيصة وغير النزيهة فيصف سيد شباب أهل الجنة بأنه باغٍ(5). وهذا عبور على الحقيقة وظلم التاريخ والخلق الإسلاميّين.
يتبع…
___________________
(1) الاستيعاب 3: 1174 / 1909، البداية والنهاية 8: 52.
(2) جواهر المطالب (الدمشقي) 2: 301. والقائل:
اسقني شربة تروِّي فؤادي *** ثمّ قم واسقِ مثلها ابن زيادِ
موضع العدل والأمانة مني *** ولتنفيذ مغرمي ومرادي
تاريخ مدينة دمشق 22: 143 ـ 144، النصائح الكافية: 79.
(3) حياة الحيوان 2: 175 ـ 176.
(4) وأبرز تلك الحرمات التي انتهكها وأشدها حرق الكعبة، كما في سنن ابن ماجة 1: 623 / 1936، الأخبار الطوال: 314، تاريخ اليعقوبي 2: 251 – 252، 266، تاريخ الطبري 5: 30، تهذيب التهذيب 2: 184 / 388، 187 / 338، 10: 141 / 297، 11: 316 / 600، الكامل في التاريخ 2: 135 / 3، البداية والنهاية 8: 363، سبل الهدى والرشاد (الشامي) 6: 214، تاريخ مدينة دمشق 41: 385، تهذيب الكمال 6: 548 / 1376، سير أعلام النبلاء 3: 374، فتح الباري 8: 245، ينابيع المودّة 3: 36.
وهتك حرمة المدينة وقتل (700) من القرّاء كما في تاريخ مدينة دمشق 54: 181 ـ 182.
(5) ويا ترى حينما قال فيه رسول اللّه صلى الله عليه وآله ذلك ـ بأنه سيد شباب أهل الجنة ـ هل كان يعلم بأنه سيخرج على يزيد أم لم يكن يعلم؟ والنتيجة في كلا الحالين ممّا يجب أن ينزّه رسول اللّه صلى الله عليه وآله عن وصفه بها.