بحثٌ حولَ عِصمةِ النَّبيِّ وأهلِ بيتهِ
نتطرَّق في هذا البحث إلى أربع نقاطٍ مهمة وهي ما يلي:
١) ما هي مراحل عِصمة النَّبيِّ؟
٢) ما هو مَنشأُ وسببُ العِصمة؟
٣) هل العِصمة تسلبُ الاختيار؟
٤) كيف نردُّ على مَنْ يقولُ: «العِصمةُ موهبةٌ فلا تكون مَفخرةَ؟»
أمَّا مراحل عِصمة النَّبيِّ‘ فهي ثلاث مراحل:
١) العِصمة في مرحلة التَّبليغ: فإنَّ الرسول‘ معصوم في تبليغ الرِّسالة بأدائها كما نزلت من دون زِيادة ولا نقيصة، وذلك لقوله تعالى في سورة النَّجم آية ٣ و ٤: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾.
٢) العِصمة عن المَعصية: فإنَّ الوقوعَ في المَعصية محالٌ على رسول الله‘، لقوله تعالى في سورة الأحزاب آية ٧١: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
فالأمر بالطاعة مطلق وفي جميع الأوقات والأحوال، ولا يمكن لله أنْ يأمرنا بطاعة الرسول في حال صدور المعصية منه، إذن فإنَّ هذا الأمر مستلزم للعصمة.
٣) العصمة عن الخطأ: وذلك لقوله تعالى في سورة النِّساء آية ٤١: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾.
فلابد من عِلم الشهيد بحقائق الأمور وهذا مستلزم لحاسة أعلى من الحواس المتعارفة، والشهيد كالرسول‘ على علم في فعل غيره وهذه الحاسة الإضافية هي الأرضية للعصمة، بالإضافة إلى أنَّ خطأه يستلزم احتمال عقوبة المحسن وإثابة العاصي وهو خلاف العدل، وإذا كان لا يخطئ بشهادته على فعل الآخرين فبالأولى أنْ لا يخطئ في أفعاله وأعماله، وبما أنَّ الرسول‘ وأهل بيته شيء واحد وقد كُلِّفوا جميعا بنفس المهمة في أداء الرسالة، إذن فنفس الأدلة التي تثبت العصمة الرسول‘ تثبت كذلك العصمة لأهل بيته^.
وأمَّأ منشأ العِصمة فأمران أساسيَّانِ يدفعانِ نحو العصمة وهما ما يلي:
١) العِلمُ بعواقب الأمور: قال الله تعالى في سورة التكاثر آية ٥ و ٦: ﴿كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ﴾.
فإنَّ مَنْ يعلن بحقيقة نار جهنم وكيفيتها وآلامها يصعب عليه اقتحام المعاصي، وقد ذكر العلامة الحلي في كتاب اللوامع الإلهية ص١٧ في تعريف العصمة: «العصمة: هي مَلكَةٌ نفسانيَّة تمنعُ المُتَّصِف بها مِنَ الفجور مع قدرته عليه».
وتتوقفُ هذه المَلكَة على العِلم بمثالب المعاصي ومناقب الطاعات، لأنَّ العِفَّة متى حصلت في جوهر النفس وأُضِيف إليها العِلم التام بما في المعصية مِن الشقاء وفي الطاعة من السعادة صار ذلك العِلم موجِبًا لرسوخها في النفس فتصير مَلكَة.
٢) استشعار عظمة الرَّبِّ: فإنَّ مَنْ يستشعر عظمة الله تبارك وتعالى وعِظم إحسانه عليه يصعب عليه اقتحام المعاصي وارتكاب الموبقات والإقدام على الذنوب وهذا لا يتم إلا بما يلي:
أ) التَّخلية: وهي عبارة عن التَّخلي عن حبِّ الدُّنيا وزخرفها وغرورها.
ب) التَّحلية: وهي عبارة عن التَّحلي بمكارم الأخلاق وذِكر الله تعالى.
وأمَّا عن العِصمة فهي لا تسلب الاختيار، فإنَّ الإمام المعصوم× قادرٌ على ارتكاب المعاصي ولكن يمنعه من ارتكابها أمران:
١) عِلمُهُ: فإنَّ الإمام المعصوم لديه عِلمٌ بآثار المعاصي ونتائجها السيئة ونذكر المثال التالي للتوضيح:
إنَّ كلَّ إنسانٍ قادرٌ على وضع يده في النَّار ولكنْ لا أحد يفعل ذلك لعِلمه بعواقب الأمور، فعصمتهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين نظير إمكانية صدور القبيح من الله تعالى فالله لا يصدر منه القبيح وهم^ لا تصدر منهم المعاصي.
يقول العلامة الطباطبائي: «إنَّ مَلَكَة العِصمة لا تُغيَّر الطبيعة الإنسانية المختارة في أفعالها الإرادية ولا تُخرجها إلى ساحة الإجبار والاضطرار».
وفي كتاب الله العزيز ما يدلُّ على أنَّ المعصوم غير مسلوب الاختيار كقوله تعالى في سورة المائدة آية ٦٧: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾.
وأمَّا ما يذكره بعضهم مِنْ أنَّ العِصمة موهبة فلا تكون مفخرة فنجيبُ عليها بما يلي:
إنَّ العِصمة موهبة لا تُفَاضُ على صاحبها إلا بعد وجود أرضيات وقابليات صالحة في نفس المعصوم× وكما يقول الله تعالى في سورة الأنعام آية ١٢٤: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾.
فبعد أنْ تكونَ النفس البشرية أهلًا لتحمُّل الرسالة يُلقي الله تعالى بوحيه على هذه النفس الرسالية.
وأمَّأ هذه القابليات التي في نفس المعصوم× والتي يكونُ بها مؤهلًا لتحمُّل الرسالة فهي أمران وهما ما يلي:
١) القابليَّة المُكتسبة: وهي عبارة عن مجموعة من الأمور التي تأتي من خارج الإنسان وتساعده على بلوغ الدَّرجات الرَّفيعة والمنازل العالية والمراتب السَّامية ومِن أمثلتها ما يلي:
أ) طهارة المولد.
ب) طهارة الأبوين.
لذلك نجد أنَّ الحديث المأثور والمروي في كتاب بحار الأنوار للشيخ المجلسي ١٠٣/ ٢٣٦/ ٢٨/ ٣ يقول: «اختاروا لنطفكم فإنَّ الخال أحد الضجيعين».
٢) القابليَّة الذَّاتيَّة: وهي التي تعتمد على مدى تهذيب الإنسان لنفسه وتربيته لها، ولذا نجد أمير المؤمنين× في نهج البلاغة خطبة رقم ٤٥ يقول: «وإنَّما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنةً يوم الخوف الأكبر».
هذا من جهة نفس الإنسان وما يتعلق به لتحمُّل أداء الرسالة.
أمَّأ مِن جهة الله تعالى فإنَّ عِلم الله تعالى المُسبق بنية المعصوم× مِن أنَّه لو أفاض عليه تلك الموهبة لاستعان لها على الطاعة والتَّبليغ، ويؤيد ذلك كلمة الشيخ المفيد قُدِّس سرُّه الشَّريف: «العِصمة: تَفَضُّلٌ مِنَ الله تعالى على مَنْ عَلِمَ أنَّه يستمسك بعِصمته».
وصلى الله على محمد وآل محمد
كتب البحث/حسين إسماعيل