المقصود مِن الشَّاهد والمشهود
قال الله تعالى في كتابه العزيز:﴿وَ شَاهِدٍ وَ مَشْهُودٍ﴾.
فُسِّرت كلمة {الشَّاهد} و {المشهود} في هذه الآية المباركة بتفاسير متعددة نذكر بعضها وذلك كما يلي:
١) الشَّاهد {الملائكة} والمشهود {يوم الجمعة} وهذا التفسير يستند إلى أخبار روائيَّة منها ما رُوِيَ عن أبي الدَّرداء عن النبي‘ أنه قال: «أكثروا الصلاةَ عَلَيَّ يوم الجمعة فإنَّه يومٌ مشهودٌ تشهده الملائكة وإنَّ أحدًا لا يُصلي عَلَيَّ إلا عرضت عَلَيَّ صلاته حتى يفرغ منها». قال: فقلتُ: وبعد الموت؟ فقال: «إنَّ الله حرَّم على الارض أنْ تأكلَ أجساد الأنبياء، فَنَبِيُّ اللهِ حيٌّ يُرْزَق».
٢) الشَّاهد {الحَجَرُ الأسودُ} والمشهود {الحَاجُّ}.
جاء في كتاب النَّافع لمحمد خليل الزَّين ص١٦٦ سُئلَ الإمام الباقر× عن سِرِّ تبرُّك المسلمين بالحَجَرِ الأسود بِلمْسهِ، فقال: «إنَّ اللهَ تعالى لمَّا أخذَ ميثاق بني آدم فقال: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ أمَرَ القلم وكتب إقرارهم وما هو كائنٌ إلى يوم القيامة، ثمَّ ألقمَ هذا الكتاب الحَجَر، فهذا الاستلام إنما هو بيِّنةٌ منهم على إقرارهم، وكان إذا استلم الرُّكن يقول: اللهم أمانتي أديتُها وميثاقي تعاهدته ليشهدَ لي عندك بالوفاء».
٣) الشَّاهد {يوم الجمعة} والمشهود {يوم عرفة} وهذا التفسير مرويٌّ عن أبي جعفر الباقر وعن أبي عبد الله الصادق’ وعن النَّبي‘ وسُمِّيَ يوم الجمعة شاهدًا لأنَّه يشهد على كلِّ عاملٍ بما عمل فيه فقد جاء في الحديث الشريف: «ما طلعت الشمس على يومٍ ولا غربت على يومٍ أفضل من يوم الجمعة، وفيه ساعة لا يُوافقها مَنْ يدعو الله فيها بخير إلا استجاب الله له، ولا استعاذ مِن شرٍّ إلا أعاذهُ الله، ويوم عرفة مشهود يشهد النَّاس فيه موسم الحجِّ، وتشهده الملائكة».
٤) الشَّاهد {محمد} والمشهود {يوم القيامة} وهذا التفسير مؤيَّد برواية عن ابن عباس: أنَّ رجلًا دخل مسجد النبي‘ فإذا رجلٌ يُحَدِّث عن النبي‘ قال: فسألتُه عن الشَّاهد والمشهود فقال: «نعم الشَّاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة»، فجزته إلى آخر يُحَدِّثُ عن النبي‘ فسألتُه عن الشَّاهد والمشهود فقال: «نعم أمَّا الشَّاهد فيومُ الجمعة وأمَّا المشهود فيومُ النَّحر»، فجزتهما إلى غلام كأنَّ وجهه الدِّينار وهو يُحَدِّثُ عن النبي‘، فقلت له: أخبرني عن شاهدٍ ومشهود فقال: «نعم أمَّا الشَّاهد فمحمد‘ وأمَّا المشهود فيومُ القيامة»، أمَا سمعته سبحانه يقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾. وقال: ﴿ذَٰلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ﴾.
فسألتُ عن الأول فقالوا: ابن عباس، وسألتُ عن الثَّاني فقالوا: ابن عُمَر، وسألتُ عن الثَّالث فقالوا: الحسن بن علي.
٥) الشَّاهد {الأيَّام والليالي} والمشهود {بنو آدم}، ونُسِبَ للإمام الحسين× أنه قال:
مَضَى أمْسُكَ الماضي شهيدًا مُعَدَّلًا *** وخُلِّفْتَ في يومٍ عليكَ شهيدُ
فإنْ أنتَ بالأمسِ اقترفتَ إساءةً *** فقيد بإحسانٍ وأنتَ حميدُ
ولا تُرْجِ فِعْلَ الخير يومًا إلى غدٍ *** لعلَّ غدًا يأتي وأنتَ فقيدُ
٦) الشَّاهد {المَلَك} والمشهود {يوم القيامة} فالمَلَك يشهد على بني آدم ويُستدَل على أنَّ الشَّاهد هو المَلَك بقوله تعالى: ﴿وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ﴾.
ويُستدلُّ على أنَّ المشهود يوم القيامة بقوله تعالى: ﴿وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ﴾.
٧) الشَّاهد {هذهِ الأُمَّة} والمشهود {سائر الأُمَم} وذلك لقوله تعالى: ﴿لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾.
٨) الشَّاهد {أعضاء بني آدم} والمشهود {هم بنو آدم} لقوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ﴾.
٩) الشَّاهد {همُ الخلق} والمشهود {الحقُّ}.
وفي كلِّ شيءٍ له آية *** تدلُّ على أنَّه واحدُ
١٠) الشَّاهد {هو الله} والمشهود {لا إله إلا الله} وذلك لقوله تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ﴾.
مصادر ما سبق أعلاه كما يلي:
(١)(مجمع البيان للشيخ الطبرسي ج١٠ ص٤٦٦)
(٢)(كتاب آمالي الصدوق ص١٦٩)
(٣)(كتاب آمالي الصدوص٢٤٦)
(٤)(كتاب موسوعة الآداب والمستحبات للشيخ المجلسي ص٥ ص٦ ص٧)
حسين آل إسماعيل