جاذبية الإمام الحسين×
بسم الله الرحمن الرحيم
نعزي صاحب العصر والزمان الإمام الحجة المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف والاُمة الإسلامية بذكرى استشهاد أبا الأحرار الإمام الحسين بن علي، عليه وعلى أبيه وأمه وأخيه وجده وبنيه أفضل الصلاة والسلام
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
يقول تعالى في محكم كتابه الكريم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾([1]).
الآية المباركة من سورة مريم، وقد ورد في أسباب النزول من طرق الشيعة والسنة أنها نزلت في الإمام علي×. يقول ابن عباس: نزلت في علي بن أأأبي طالب: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾، قال: محبة في قلوب المؤمنين.
وقيل: نزلت في عامة المؤمنين. وقيل: إنها تعني محبة المؤمنين بعضهم لبعض، والتي تكون سبباً في قوتهم وزيادة قدرتهم، ووحدة كلمتهم.
وعلى كل حال، هذه الأقوال لا تتنافى في نزول هذه الآية في أمير المؤمنين×؛ كونه المصداق الأتم والأكمل للإنسان المؤمن، ولا يمنع تعميمها في شأن كل المؤمنين.
يقول العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان: «إن الود والمحبة والمودة وعد جميل منه تعالى أنه سيجعل للذين آمنوا وعملوا الصالحات مودة في القلوب»([2]).
أما صاحب الأمثل قال: «إن للإيمان والعمل الصالح جاذبية خارقة، فإن الاعتقاد بوحدانية الله والإيمان بدعوة الأنبياء والذي يتجلى نوره في روح الإنسان وفكره وقوله وعمله بصورة أخلاق إنسان عالية، كذلك يتجلى في التقوى والطهارة والصدق والأمانة والشجاعة والإيثار فيها قوة مغناطيسية عظيمة جاذبة وخاطفة، حتى الأفراد الملوثون، فإنهم يرتاحون للطاهرين الصالحين ويتنفرون من القذرين أمثالهم؛ ولذلك فإنا نراهم مثلاً إذا أقدموا على الزواج فإنهم يؤكدون على توفر جانب العفة والطهارة والأمانة…»([3]) الخ.
ففي حديث عن النبي الأكرم|: «إن الله إذا أحب عبداً دعا جبرئيل فقال: يا جبرائيل إني أحب فلاناً فأحبه، قال: فيحبه جبرئيل ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، قال: فيحبه أهل السماء: ثم يوضع له القبول في الأرض» أي يوضع المحبة له.
وهذا يبين تأثير الإيمان والعمل الصالح، وأن لهما ضياء ونوراً بسعة عالم الوجود، فأي لذة أكبر من أن يحس المرء أنه محبوب من قبل كل الطاهرين والصالحين في هذا الوجود؟
لذلك نجد أن هذه الصفة جليَّة وبارزة في محمد وآله الكرام، فالقائد المؤمن يتحلى بجاذبية، وهي سر من أسرار النفوس الكبيرة التي تتسم بأبعاد روحية خاصة وفكرية واسعة وأخلاقيات سامية يمنح المتحلي بها هيبة تأخذ بمجامع القلوب. «يا علي إن الله أعطى المؤمن ثلاثة: المقة والمحبة والمهابة في صدور الصالحين»([4]).
فكانت المهابة سمة بارزة في شخصية رسول الله|، بحيث كانت تهيمن على الداخل عليه، فيرتعد، فيقول رسول الله له : «هون عليك فلستُ بملك…»([5]).
صعصعة بن صوحان من أصحاب الأمير× يصف الإمام× بقوله: «كان فينا كأحدنا لين جانب وشدة تواضع وسهولة قياد، وكنا نهابه مهابة الأسير المربوط للسياف الواقف على رأسه»([6]).
هذا التفسير العام للآية المباركة هناك نقطة أخرى، وهي يمكننا أن نطرح تساؤل، وهو لماذا خصَّ الباري الود في الآية دون أي صفة أخرى كالمحبة مثلاً؟
الجواب: لأن المودة هي لذوي العقول خاصة، أما المحبة فهي أعم منها، فيمكن للشخص أن يقول: أحب ابني أحب بيتي، لكنه لا يمكن أن يقول أود بيتي، فالمودة لا تكون إلا لذوي العقول.
إذًا المودة أعلى مرتبة من المحبة، وهي المحبة الراسخة في القلب والجارية على اللسان واليد.
حتى قيل: إن سبب تسمية المسمار أو ما يُنصب في الأرض بالوتد أو الودّ؛ لرسوخه في عمق الحائط أو الأرض.
فالمودة تعطي معنى المتابعة والموالاة للآخر، فهي عبارة عن محبة اتباع.
قال تعالى: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾([7]).
فكيف لا نود من اجتمعت فيهم صفات الكمال (سلام الله عليهم)؟ الإمام الحسين× تجلت هذه الصفات في حياته وبعد شهادته، فحينما وصل إلى مكة أقبل الناس عليه، يقول ابن كثير: فعكف الناس على الحسين يفدون إليه ويقدمون عليه ويجلسون حواليه ويستمعون كلامه.
وقال العلايلي: مما لا خلاف فيه بين الرواة أن الحسين× كان محبباً إلى كل نفس ومصطفى بين كل قبيل، وزادت جاذبيته إلى الناس أنهم غدو يقدسونه تقديساً وينظرون إليه بالنظر الذي هو فوق اعتبارات الناس.
نعم، كانت للحسين× جاذبية جعلت زهير بن القين الذي كان عثماني الهوى وعزف عن الكوفة خارجاً منها حتى لا يبتلي بحرب الإمام، إلا أن الأقدار أبت إلا أن يلتحق بالإمام× ويعود إلى جادة الطريق وتتفجر في نفسه روح التضحية والفداء.
فأي جاذبية هذه التي تجعل الملايين ما إن يأتي موسم المحرم إلا وخرجوا من جميع الطبقات: رجال، شيوخ، شبان، أطفال، نساء، حفاة لا يرون غير معشوقهم وهو الحسين×.
على رمضاء كربلاء ملقىً ثلاثة أيام بالعراء بغير غسل ولا كفن
______________________
([2]) تفسير الميزان 14: 112 ـ 113.
([3]) الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: 513.