ضع يا علي رأسي في حجرك، فقد جاء أمر الله تعالى، فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك وامسح بها وجهك
رُوِيَ عن الرسول| أنه قال: «ضع يا علي رأسي في حجرك، فقد جاء أمر الله تعالى، فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك وامسح بها وجهك».
نتحدث حول جهتين من خلال هذه الرواية الشريفة وهما ما يلي:
١) متى قال رسول الله| هذه الكلمة؟
٢) ما هي النفس التي يُشيرُ إليها رسول الله|؟
أما ما يعود إلى بيان التساؤل الأول فإنَّ الثابت في كُتُبِ التواريخ والسِّيَر لا سيما سيرة الرسول الأعظم محمد| أنهم قالوا: «لمَّا قربتْ وفاةُ رسول الله| وحانتْ خُروج نفسهِ الشريفة المقدَّسة، قال لأمير المؤمنين×: «يا علي ضع رأسي في حجرك فقد جاء أمر الله، فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك، وامسحْ بها وجهك، ثم وجِّهني إلى القبلة، وتولَّ أمري وصلِّ عَلَيَّ أوَّل الناس ولا تُفارقني حتى تُواريني في رمْسي، واستعنْ بالله تعالى»، فأخذ أمير المؤمنين× رأسه فوضعه في حجره ثُمَّ قُبِضَ رسول الله| ويدُ أمير المؤمنين× اليمنى تحت حنكه الشريف ففاضت نفسُهُ بها فرفعها أمير المؤمنين× إلى وجهه فمسح وجهه الشريف بها ثُمَّ وجهه وغمَّضه ومَدَّ عليه إزارَه، واشتغلَ بالنظر في أمره».
وأما المرادُ بتلك النفس فهناك عدة أقوال نقتصر على ثلاثة أقوال وهي على النحو التالي:
القول الأول/ هي عبارة عن دمٍ تقيأه رسول الله ساعة موته: قال ابن أبي الحديد المعتزلي في كتابه شرح نهج البلاغة: «يُقال: أنَّ رسول الله‘ تقيأ دماً يسيراً وقتَ موته، وأنَّ عليّاً× مسح بذلك الدَّم وجهَه».
وقال ابن ميثم البحراني في شرحه: «أراد بنفسه دمَه ثم ذكر ما قاله ابن أبي الحديد».
وكذلك هو رأي المفتي الشيخ محمد عبده المصري في شرحه.
السؤال: ما هو مقدار صحة هذا الرأي؟
الجواب: هذا الرأي غير صحيح لأنَّ القول بأنَّ رسول الله| تقيأ دماً يسيراً وقت موته لم يثبت صحته ولم يُصرِّحْ به الأكثر في سيرة رسول الله| ولعل منشأ هذا الفعل أمران:
أ) حَمْل لفظ النفس على معنى الدم.
ب) لِمَا رُويَ عن أمير المؤمنين× في خطبته الشريفة في نهج البلاغة حيث قال فيها: «ولقد قُبِضَ رسول الله| وإنَّ رأسه لَعَلَى صدري ولقد سالت نفسه في كفي فأمررتُها على وجهي».
فَفَهموا من كلمة (سالتْ) أنَّ المراد بذلك الدَّم لأنَّ من خصائصه السيلان.
القول الثاني/ المراد بها نَفْسُهُ الناطقة القُدُسية: ومِمَّن يرى هذا القول المحقق حبيب الله الخوئي في كتابه منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة قال: «والأظهر عندي أنْ يُرَادَ بالنفس نَفْسُهُ الناطقة القُدُسيَّة التي هي مبدأ الفكر والذِّكر والعِلم».
القول الثالث/ المراد بها الحقيقة المحمدية التي تحمل الرسالة العظمى: وهنا عدة أمور حول هذا القول القيِّم وهي على النحو التالي:
السؤال الأول: ما هي أنواع الأنفس؟
الجواب: سألَ كُميل بن زياد النَّخعي أمير المؤمنين×: «أُرِيدُ أنْ تُعرِّفني نفسي».
فقال له أمير المؤمنين×: «يا كميل عن أيِّ نَفْسٍ تسأل؟».
فقال كميل: «يا مولاي وهل هي إلا نَفْسٌ واحدة؟».
فقال له أمير المؤمنين×: «يا كميل إنما هي أربع: النباتية النامية، والحِسِّية الحيوانية، والناطقة القُدُسية، والإلهيَّة الملكوتيَّة».
ولكل نَفْسٍ ذكرها أمير المؤمنين× من النفوس الأربع خواصّاً ومراتب ودرجات فالنباتية النامية والحِسِّية الحيوانية تضمحلُّ وتفنى بموت الإنسان وانتقاله عن هذه الدنيا الفانية، وأعلاها روح القدس المتصلة بمبدأها الأعلى وهي أرواح الأنبياء والأئمة عليهم السلام أجمعين التي اتصلت به وما انفصلت عنه، وتتصل بهذه الأبدان البشرية للتبليغ والهداية مُدَّةً ثم تنفصل عنها، وهي في جميع أحوالها لا تنفك متعلقة بحظيرة القدس وسدرة المنتهى، وفي دعاء الناحية المقدسة من أدعية شهر رجب: «لا فرقَ بينكَ وبينها إلا أنهم عبادك».
ملاحظ: يُعبِّر علماء النفس عن النفس الناطقة بالشعور والوعي، ويعبِّرون عن النفس الملكوتية بما فوق الشعور، وفوق الشعور مرتبط باللاشعور.
السؤال الثاني: ما هي تلك النفس المقصودة بحسب هذا القول؟
الجواب: هي العقل الأول الكُلِّي، وأول ما خلق الله تعالى الذي به يثيب وبه يُعاقب، وهو الحقيقة المحمدية التي تحمل الرسالة العُظمى وزعامة الأنبياء الكبيرة والسيادة على كل ما خلق الله تعالى لمَّا انفصلت من بدنه العنصري الشريف أمر خليفته أمير المؤمنين× أن يتحملها بأمر الله ويتوجه إليها ويمسح بها وجهه.
السؤال الثالث: ماذا يعني مسح وجهه الشريف بنفس رسول الله|؟
الجواب: المراد به كناية عن قبولها والتبرّك بها كما يمسح الإنسان وجهه بالأشياء المقدسة من القرآن الكريم والتربة الشريفة، وقد كان النور واحداً منذ بدء الخليقة وقبلها في الازل ولم يزل ينتقل في الأصلاب الطاهرة والأرحام المطهرة، إلى أنْ وصل إلى عبد المطلب فانشطر شطرين، شطر لعبد الله والد النبي|، والآخر لأبي طالب، فكان الأول رسول الله| والثاني أمير المؤمنين×، وبوفاة رسول الله| رجع النور واحداً في أمير المؤمنين×.
حسين إسماعيل