شهر رجب موسم الدعاء
مصطفى آل مرهون
الحمد لله الذي لا يحمد سواه، والصلاة والسلام على من اختاره وهداه، وأصلي وأسلم على آله الطاهرين السادة الميامين.
عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل؛ فإنه لا ينفع إلّا العمل الصالح والتقوى، فهو زاد الآخرة، وبه الفوز والوقاية من عذاب الله:
وإذا بحثت عن التقي وجدته *** رجلاً يصدّق قوله بفعالِ
وإذا اتقى الله أمرؤ وأطاعه *** فيداه بين مكارم ومعالِ
وعلى التقي إذا ترسخ في التقى *** تاجان تاج سكينة وجمالِ
وإذا تناسبت الرجال فما أرى *** نسباً يكون كصالح الأعمالِ([1])
قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾([2]).
والدعاء في الإسلام عبادة تقوم على سؤال العبد لربه وطلب لوازمه وقضاء حاجاته منه تعالى، وهو من أفضل العبادات التي يحبها الله تعالى. وفي هذا الموسم العبادي من كل عام يهتم المؤمنون بأداء الطقوس العبادية المستحبة التي من أهمها الدعاء كشعيرة عبادية تساعد في خلق الأجواء الروحية التي يبني فيها الإنسان شخصيته بين يدي الله تعالى.
والمدقّق يلاحظ من خلال ذلك اُموراً عدة نذكر منها:
أولاً: أن الدعاء حاجة ذاتية يشعر بها الإنسان في وجدانه كما يشعر جسده بالجوع والعطش عند الحاجة للطعام والشراب. فالدعاء حاجة ملحة يفرضها توق الروح للحنان الإلهي والرباني. وكلما ازدادت ضغوطات الحياة شعر الإنسان أنه في حاجة إلى الحديث مع ربه ليعبر له عما يختلج داخله من غير الحاجة إلى أحد؛ إنه شعور المخلوق أمام الخالق تعالى، حين يتوجه إليه معتقداً أن لا مجيب سواه تعالى. ولذلك يتوجه متضرعاً معترفاً مستعطفاً مستشعراً الضعف الحقيقي الذي هو عليه، والذي يشكّل حالة ربط له بمصدر القوة المسيطرة على هذا الكون بأكمله. «إلهي أدعوك دعاء من اشتدت فاقته، وضعفت قوته، وقلت حيلته»([3]).
ثانياً: أن الإنسان المذنب يحتاج إلى الاعتراف بذنوبه بين يدي خالقه بعيداً عن المخلوقين، فهو بين يدي الله تعالى لا يكشف جديداً وإنما يقر ويعترف لغافر الذنوب وساتر العيوب، طالباً تصحيح ذاته، وفتح صفحة جديدة مع ربه، ساعياً بكيانه نحو الأفضل، مطهراً نفسه من الشوائب والخطايا. ﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾([4]). إن الدعاء يربط الإنسان بالحياة، ويربط الحياة بالله فاتحاً أمامه روح الأمل والتفاؤل، سائراً به نحو طريق البناء لا اليأس الذي يحطم الإنسان، في الحديث: «إن الدعاء مخ العبادة»([5]).
وقد ورد في كتاب بحار الأنوار أن النبي| كان إذا رأى شهر رجب قال: «اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلغنا شهر رمضان، وأعنا على الصيام والقيام، وحفظ اللسان وغض البصر، ولا تجعل حظنا منه الجوع والعطش»([6]).
وهذه الرواية تلفت أنظارنا إلى أهمية هذا الموسم الكريم، كما تلفت أنظارنا إلى ضرورة التوجه إلى جوهر الصوم والقيام، وتبيُّن والغاية منهما، وهي تهذيب النفس، وحفظ الجوارح عن معصية الله خاصة اللسان والعينين؛ لما لهما من الأهمية في استمرار الصوم والاستفادة منه.
كما علينا أن نتوجه إلى الله تعالى بقراءة دعاء المولودين في رجب، الذي منه: «اللهم وأسألك بمسائلك الشريفة ووسائلك المنيفة، أن تتغمدني في هذا الشهر برحمة منك واسعة، ونعمة وازعة، ونفس بما رزقتها قانعة إلى نزول الحافرة، ومحل الآخرة، وما هي إليه صائرة»([7]).
وقد تكفّل القرآن الكريم بإجابة دعاء من يدعو ربّه سبحانه، يقول تعالى في آية من كتابه الكريم: ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾. وهي بهذا تفتح لنا باب الأمل ومن هنا كان على الإنسان أن يتوجه إلى ربه بكل همومه وحاجاته ورغباته ليجد الله قريباً منه في تلبية دعائه، قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾([8]).
وهذه الآية الكريمة بينت أن الدعاء مسألة مهمة؛ كونه اعترافاً بالعبودية لله سبحانه، وهذا هو الخط الفاصل بين الإيمان والكفر، والجنة والنار، قال سبحانه: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ﴾([9]).
ومن هذا المنطلق فإن العبد في حاجة دائمة إلى الله تعالى، ليكرس مفهوم عبادته إلى ربه، وارتباطه العميق به سبحانه، ويقوي اتصاله بخالقه.
وقد أدبنا أهل البيت^ على حب الدعاء والالتزام به وبهذه الثروة العظيمة التي امتازت بها مدرستهم، وما علينا إلّا بذل الوقت لممارسة حقيقية بتلاوة الدعاء، وتأمله وتدبره: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾([10]):
يا رب إني صرت فيك متيماً *** فاغفر ذنوبي إنني أدعوكا
عبد حقير إنني بين الورى *** فالطف بعبدك إنني أرجوكا
(يا غافر الذنب اغفر لنا، ويا قابل التوب تب علينا، ويا كاشف الكرب اكشف كربنا، ويا قاضي الحوائج اقضِ حاجاتنا)، والحمد لله رب العالمين.
__________________
([1]) روضة العقلاء ونزهة الفضلاء: 29.
([3]) الدعوات (الراوندي): 130 / 323.
([5]) الدعوات (الراوندي): 18 / 8.
([6]) بحار الأنوار 95: 376 / 1.