كشكول الوائلي _ 144

img

مظاهر تطبيق مبدأ المساواة في الإسلام

ولتأكيد مبدأ المساواة جاء النبي الأعظم صلى الله عليه وآله ببلال الحبشي وآخى بينه وبين رويحة الخثعمي، وهو رئيس قبيلة من القبائل الكبيرة.. آخى بين السيّد والمولى. لكنه صلى الله عليه وآله آخى بين المسلمين جميعا وترك الإمام عليا عليه السلام وحده، يقول عليه السلام : « جئت وعيناي تطفحان دموعا، فقلت: يا رسول اللّه‏ أراك آخيت بين أصحابك وتركتني؟». قال: «إنما ادّخرتك لنفسي، أنت أخي في الدنيا والآخرة»(1):

لو رأى مثله النبيّ لآخـا *** ه وإلاّ فأخـطأ الانتقادُ (2)

يقول عبد الباقي العمري:

يا أبا الأوصياء أنت لطه *** صهره وابنُ عمّه وأخوهُ

إن للّه‏ في معانيك سرّا *** أكثر العالمين ما عرفوهُ

أنت ثاني الآباء في منتهى الدو *** ر وآباؤه تُعدّ بنوهُ

خلق اللّه‏ آدما من تراب *** فهُوَ ابنٌ له وأنت أبوهُ (3)

فنبينا صلى الله عليه وآله أزال هذه العقبة من خلال هذا التحرك، وخلع من المجتمع هذا الشعور بالتفاضل، وأكده بلسانه فقال: « كلكم لآدم وآدم من تراب »(4)، وقال: « ليس لأحد على أحد فضل إلاّ بالتقوى » (5). فالذي يميّز أحدا على غيره هو التقوى.

الهدف من إزالة العقبات النفسية

والمراد من نزع هذه العقبة من نفوس المسلمين اُمور، منها خلق عامل تكافؤ الفرص؛ فمن حقّ أي مسلم أن يحصل على عمل كمثل غيره دون فرق، وكذلك في مسألة الزواج؛ فليس هناك عقبة تقف بوجه أحد دون أحد؛ فالمسلمون تتكافأ نفوسهم وأموالهم وأعراضهم(6). وربما يقول البعض: هذه المثالية لا نجدها في كتب الفقه في باب الكفاءة؛ فمثلاً جاء أحدهم إلى قاضي قضاة المسلمين وقال له: أشكو إليك فلانا. قال: ماذا فعل؟ قال: شتمني وقال لي: سفلة. قال: ما عملك؟ قال: أنا حجام. فقال له القاضي: أنت سفلة سفلة سفلة. أي أنه شتمه كذلك، فلماذا هذا الشتم؟ ومانقص الطبيب الذي عنده مبضع ويمارس الجراحة؟

ولو رجعنا إلى كتب الفقه عند الشيعة لوجدنا أنهم يقولون: المسلم كف‏ء المسلم، ويستدلون بالآية الكريمة: إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أتْقَاكُمْ(7)، أما المذاهب الإسلامية الاُخرى في باب الكفاءة فيعتبرها البعض منهم الثروة والبعض الآخر يعتبرها المهنة في حين أن بعضا منهم يعتبرها القبيلة.

وهكذا توضع عقبات عديدة في سبيل إزالة التفاوت بين المسلمين، وهذا خطأ؛ فالنبي صلى الله عليه وآله جعل المسلمين إخوة تتكافأ دماؤهم وأموالهم وأعراضهم، وكان المسلمون يحملون هذا الشعور. فالنبي صلى الله عليه وآله آخى بين المسلمين؛ بين المهاجرين والأنصار، وبين المهاجرين أنفسهم، وبين الأنصار أنفسهم، وآخى بين الأسود والأبيض، وأعلن الوثيقة الشهيرة لحقوق الإنسان في حجة الوداع.

يتبع…

_____________________

(1) ورد هذا الحديث بطرق كثيرة وصيغ مثلها، انظر الطبقات الكبرى 3: 22، المعجم الكبير 11: 63، تاريخ مدينة دمشق 43: 8، كنز العمّال 11: 598 / 32879، 608 / 32939، 610 / 32955، 13: 140 / 36440.

(2) البيت للسيد محمد الهندي. الأنوار العلوية: 340.

(3) الغدير 6: 338.

(4) تحف العقول: 24، شرح نهج البلاغة 1: 128، الدرّ المنثور 6: 98.

(5) الكافي 2: 329 / 3، 8: 361 / 551، مسند أحمد 5: 411، قريب منه.

(6) قال رسول اللّه‏ صلى الله عليه وآله: «المؤمنون تتكافأ دماهم، ويسعى بذمّتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم». دعائم الإسلام 2: 404 / 1415، الخصال: 149 / 182، مسند أحمد 2: 215، سنن ابن ماجة 2: 895 / 2683 ـ 2685، سنن أبي داود 1: 625 / 2751.

(7) الحجرات: 13.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة