كشكول الوائلي _ 143

ثانيا: أنها أصبحت مبدأً للتاريخ الإسلامي
فالهجرة الشريفة مثّلت منطلقا جديدا في التاريخ: فكانت بداية التاريخ الإسلامي، وأصبح المسلمون يؤرّخون بالهجرة. وكان هذا الأمر بإشارة من الإمام علي عليه السلام (1).
والتاريخ هو عمليّة تقطيع الوقت، وهو مرتبط بالمعاملات الأساسية، فعندما يشتغل العامل يحدّد له وقت (8) ساعات مثلاً، فلا يسرق منه حقّه: وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أشْيَاءَهُمْ(2). وعندما يعالج بعض الفقهاء قوله تعالى: وَالحُرُمَاتُ قِصَاصٌ(3) يقرّر أن الوقت الذي يحدّد للعامل لا ينبغي أن يزاد عليه، ولا ينبغي للعامل أن ينقص دقيقة منه؛ فكلاهما يحاسبان أمام اللّه. فالتاريخ إذن هو عمليّة تقطيع الوقت، والوقت بعد من الأبعاد، مثل الطول والعرض والعمق؛ فلذا لا بدّ من المرور بالزمن وقطعه حتى تضبط المعاملات والتصرفات ومواسم الزرع والعبادات: يَسْألُونَكَ عَنْ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ(4).
ثالثا: إزالة العقبات النفسية من المجتمع الإسلامي
فمنذ السنة الاُولى التي هاجر فيها نبيّنا الأكرم صلى الله عليه وآله عمد إلى أن يزيل العقبات النفسية من المجتمع الإسلامي، ونجح في ذلك نجاحا باهرا. إن البعض من الناس يظن نفسه أفضل من الآخرين، وأنه سيّد على غيره وأنه عبقري. وهذه النظرة لايقتصر وجودها على العرب فقط، بل تتعدّاهم إلى الأوروپيّين؛ فهي موجودة عندهم؛ إذ أنهم يركّزون على الجنس الأشقر، ويذكرون أقسام الدماء، ويقولون: إن الدماء الزرقاء أفضل من الدماء الاُخرى، ويذكرون أن بعض الاُمم لم يرسل اللّه لهم نبيّا؛ لأنهم ليس لديهم القابلية على استيعاب هذا الأمر. وهذا كلام غريب؛
فاللّه تعالى هو ربّ العالمين، وهم كلّهم عبيد له، وقد ساوى فيما بينهم وإن اختلفوافي الأجواء الحضارية والثقافية والقابليات الذهنية، فمعلوم أن هناك فرقا بين إنسان وآخر.
يتبع…
_______________
(1) تاريخ الطبري 2: 3، الكامل في التاريخ 1: 11.
(2) الأعراف: 85، هود: 85، الشعراء: 183.
(3) البقرة: 194.
(4) البقرة: 189.