الشعر.. إلمام وإلهام ـ 6
فهذا هو شاعر أهل البيت أبو المستهل الكميت بن زيد الأسدي (60ـ 126هـ) صاحب العينية المعروفة الّتي مطلعها:
نفى عن عينك الأرقُ الهجوعا *** وهمّ يمتري منهـا الـدمـوعـا
إلى أن قال:
ويـوم الدوح دوح غـدير خم *** أبـان لـه الـولايـة لـو أطيعـا
ولكنّ الـرجــال تبـايعــوهـا *** فلم أر مثلها خطـراً مبيعـا
كما أنّ له ميمية معروفة أنشدها عند الإمام الباقر في المدينة (عليه السلام)، وهذا مطلعها:
من لقلب متيّم مستهام *** غير ما صبوة ولا أحلام
روى المسعودي في (مروج الذهب): «قدم الكميتُ المدينةَ فأتى أبا جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي (عليهم السلام) فأذن له ليلاً وأنشده، فلمّا بلغت الميمية قوله:
وقتيل بالطف غودر منهم *** بين غـوغـا أميـة وطغـام
بكى أبو جعفر (عليه السلام) ثمّ قال: «يا كميت، لو كان عندنا مال لأعطيناك، ولكن لك ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لحسان: «لا زلت مؤيّداً بروح القدس ما ذببت عنّا أهل البيت (عليهم السلام)»».
وكان الإمام الصادق يستنشد شعر السيد إسماعيل الحميري (رحمه الله) ويحتفل به.
روى المرزباني، قال: حدّثني فضيل بن عمر الحبال، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) بعد قتل زيد، فجعل يبكي ويقول ممّا يلفت النظر أن هؤلاء الشعراء قد يتركون شعراً خالداً مؤثراً بليغاً. حتى إن أئمّة الإسلام الكرام ـ كما تقول بعض الرّوايات ـ أوصوا شيعتهم وأصحابهم بحفظ أشعارهم، كما ورد ذلك في شأن «أشعار العبدي»؛ إذ ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «يا معشر الشيعة، علّموا أولادكم شعر العبدي؛ فإنّه على دين الله».
ونختتم هذا البحث بقصيدة للعبدي، وهي من قصائده المعروفة، في شأن خلافة الإمام علي (عليه السلام) وصيّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ إذ قال: «وقالوا: رسول الله ما اختار بعده إماماً، ولكنّا لأنفسنا اخترنا، أقمنا إماماً إن أقام على الهدى أطعنا، وإن ضل الهداية قوّمنا. فقلنا: إذاً أنتم إمام إمامكم، بحمد من الرحمن تهتم ولا تهنا، ولكننا اخترنا الذي اختار ربّنا لنا يوم خم، ما اعتدينا ولا حلنا، ونحن على نور من الله واضح، فيا ربّ زدنا منك نوراً وثبتنا».
فخلاصة الرؤية الإسلامية للشعر:
إن الشعر ينبغي أن يؤدي دوره في وجود الإنسان ليكون ذا قيمة كبرى، وأن لا يسوق الناس نحو الخيال أو الضياع أو الإشغال دون جدوى؛ لأنّه سيكون وسيلة للضرر والإضرار.
والإسلام في هذا المجال قائم على الأهداف والوجوه والنتائج، وكما قال الإمام علي (عليه السلام) حين كان بعض أصحابه يتكلمون على مائدة الإفطار في إحدى ليالي شهر رمضان، وجرى كلامهم في الشعر والشعراء، فخاطبهم أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قائلاً: «إعلموا أن ملاك أمركم الدين، وعصمتكم التقوى، وزينتكم الأدب وحصون أعراضكم الحلم».
فكلام الإمام علي (عليه السلام) إشارة إلى أن الشعر وسيلة، ومعيار تقويمه الهدف الذي قيل من أجله.
بنت الحوراء
يتبع…