كشكول الوائلي _ 126

قمر الهاشميين عنوان مجد وشرف
ونحن الليلة في رحاب أبي الفضل العباس الذي قطعت يداه في سبيل عقيدة وطريق مشرّف، وقد كان أولاد اُم البنين، فاطمة بنت حزام (رضي اللّه تعالى عنها)، أربعة، وقد أخذ هؤلاء العظماء الولاء من طريقين، فكان ولاؤهم للحسين عليه السلام عن طريق أمير المؤمنين عليه السلام، وعن طريق اُمّهم اُم البنين.
ذلك أن أمير المؤمنين عليه السلام في قصة زواجه من اُم البنين كان قد بعث وراء عقيل وقال له: «انظر لي امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوّجها فتلد لي غلاما فارسا، يكون ناصرا وعضدا لولدي الحسين بطف كربلاء»(1).
فاختار له هذه المرأة من ألمع بيوت العرب، وكان العرب يفتخرون بهذا البيت. فولدت له هؤلاء النجوم الأربعة الذين خرجوا بأجمعهم مع الإمام أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام يوم الطف ليذبّوا عنه.
وقد كان للحسين عليه السلام إخوة آخرون تخلّفوا عنه، أما سبب تخلّفهم فلذكره موضع آخر من الحديث. لكن هؤلاء الأربعة خرجوا بأجمعهم، فيما بقيت اُمهم في المدينة، وكان أكبرهم العباس، وهو متزوّج من لبابة بنت الفضل بن عبيد اللّه بن العباس بن عبد المطلب. وله منها ـ على رواية ـ طفلان: الفضل وعبيد اللّه. وعلى رواية اُخرى الفضل فقط. وكانت زوجته وأبناؤه معه على رواية، وعلى اُخرى أنهم بقوا عند اُمّه في المدينة.
وفي يوم الطف استدعى إخوته، وقال لهم: إن طريقنا هو الشهادة، وسوف نقتل اليوم بين يدي أبي عبد اللّه، ولا بدّ من ذلك على كل حال. فتقدموا حتى اُرزأ بكم. أي اُريد أن أحصل على الأجر وأنا أتجرع ألم فراقكم أمام عيني، قبل أن اُستشهد، فيكون لي أجر بشهادتي، وأجر بشهادتكم. وراح يقدّمهم إلى الحرب واحدا تلو الآخر، حتى صرعوا بأجمعهم.
وجاء أبو الفضل بعدهم فوقف بين يدي الحسين عليه السلام يطلب منه الإذن بالقتال، وكان الحسين عليه السلام يصرّ على إبقائه أكبر قدر ممكن من الوقت، ولكن العباس قال له: سيدي، لقد ضاق صدري، وليس لي طاقة على أن أسمع عيالك ينادون بطلب الماء. فقال الحسين عليه السلام : «أنت حامل لوائي؛ فإن ذهبت سقط اللواء». قال العباس: لا أستطيع أن أسمعك تنادي: هل من ناصر، ولا أن أسمع أخواتي يصحن: العطش العطش:
أو تشتكي العطش الفواطم عنده *** وبصدر صعدته الفرات المفعمُ
فلو استقى نهر المجرة لارتقى *** وطويل ذابله إليها سلمُ
بطل تورث من أبيه شجاعة *** فيها أنوف بني الضلالة ترغمُ(2)
وكان الصوت قد انبعث قبل ذلك من معسكر ابن سعد: أين بنو أختنا؟ أين العباس وإخوته؟ فأطرق العباس خجلاً من نعتهم إياه أنه ابن أختهم. فقال له الحسين: «أجبهم».
فقام العباس عليه السلام للمنادي وقال له: ماذا تريد؟ قال: جاءنا كتاب من عبيد اللّه بالأمان لك ولإخوتك، وسوف نعطيك رئاسة الجيش، وما تريد من الجوائز، فدع الحسين وهلم إلينا والتحق بنا. إن خالك عبد اللّه بن أبي المَحْل عند عبيد اللّه بن زياد. فقال له العباس عليه السلام : قبّح اللّه ما جئت به، أتدعونا إلى النار، وأنا أدعوك إلى الجنة؟ أوَ تريدني أترك نصرة من خلقني اللّه لنصرته؟ فألوى عنان فرسه ورجع مغضبا.
ويبدو أن اُخته زينب كانت تسمع المحاورة، فأشارت إليه، فمال بجواده إلى المخيم فقالت له: أبا الفضل، إنما تزوج أبوك اُمّك لتلد له أولادا يكونون ردءا لولده الحسين، فلا تقصر عنا، وقد ادخرك أبوك لهذا اليوم. فقال: اُخية، أ لمثلي يقال هذا؟ واللّه لاُنعمنّك عينا:
إلي مناشده وياك وعتاب *** يمنوخ الهودج على الباب
اسبعطعش يبرون له احساب
وهكذا رجع إلى الحسين، فقال: ائذن لي. قال له: «إذن اطلب لهؤلاء الأطفال قليلاً من الماء». فنزل إلى الساحة وقدم اليدين في سبيل العقيدة. وعندما قطعت الاُولى ارتجز:
واللّه إن قطعتُمُ يميني *** إني اُحامي أبدا عن ديني
وعن إمام صادق اليقينِ *** نجل النبيّ الطاهر الأمينِ(3)
وراح يذود الجيش بيسراه، حتى قطعت، فأنشأ يقول:
قد قطعوا ببغيهم يساري *** فأصلهم يا ربّ حر النارِ
يا نفس لا تخشي من الكفار *** وأبشري برحمة الجبارِ(4)
يتبع…
_______________
(1) عمدة الطالب: 357، بطل العلقمي 1: 97.
(2) الأبيات للسيد جعفر الحلي، رياض المدح والرثاء: 239.
(3) بحار الأنوار 45: 40، المناقب 4: 108.
(4) شرح الأخبار 3: 192، بحار الأنوار 45: 40، ينابيع المودة 3: 68.