كشكول الوائلي _ 125

img

المبحث الثاني: خلود الشهداء

وإذا كانت الأرض تأكل الأعضاء العادية فإنها لا تستطيع أن تأكل العضو المقطوع في سبيل العقيدة، بل إنه يظلّ يعيش في المشاعر والأفكار والعقول؛ لأن هذه الأعضاء مواقف، والموقف لا يموت. وهذه القضايا تبقى في ذاكرة التاريخ وفي أذهان الناس؛ كونها في سبيل الدفاع عن عقيدة. ومن الشواهد على قطع الأعضاء في ساحة الشرف أعضاء حمزة بن عبد المطّلب رحمه الله التي قطعت، وهي أنامله ويداه وأنفه وأذناه، وعملت منها هند قلادة ولبستها، ودخلت إلى مكّة، وهي ترتجز:

نحن جزيناكم بيوم بدر *** والحرب بعد الحرب ذات سعر(1)

لكن، إن كانت هند هذه قد شفت قلبها فقد أحرقت قلب رسول اللّه‏ صلى الله عليه وآله والإسلام، ومع ذلك فلا يضرّ حمزة رحمه الله أن تقطع أعضاؤه من بعد شهادته. يقول عبد اللّه‏ بن الزبير لاُمّه: أخاف إذا قتلت أن يمثل بي الاُمويّون. فقالت: الشاة لا يضيرها السلخ بعد الذبح(2).

ومن الشواهد التي قطعت فيها اليد دفاعا عن العقيدة يدا جعفر بن أبي طالب، فقد نزل إلى الحرب في مؤتة يحمل عنفوان الهاشميين، وروح الإسلام، وهمّة المجاهد، ووقف في ذلك الموقف أمام أشرس الخصوم حتى قطعت يداه، فعوّضه اللّه‏ عنهما بجناحين يطير بهما في الجنة تكريما لهذين العضوين. وكم حزن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله لفقده؛ فقد بان التأثر على وجهه الشريف عندما بلغه مصرعه، فكان يدخل إلى بيته، وفيه زوجته أسماء بنت عميس، وولداها محمد وعبد اللّه‏، فيقول: «عليّ بأولاد جعفر». فكان صلى الله عليه وآله يضعهم في حجره الكريم، ويواسيهم غاية المواساة.

وكذلك زيد بن صوحان الذي قتل في ذات المعركة، وكانت يده قد قطعت في سبيل اللّه‏، فقال النبي صلى الله عليه وآله: «يسبقه عضو منه إلى الجنة»(3)، لأنه مجاهد يذهب إلى الجنة، وهذا العضو منه.

يتبع…

________________

(1) بحار الأنوار 42: 119، شرح نهج البلاغة 15: 13، تفسير الثعلبي 3: 146، الجامع لأحكام القرآن 4: 187.

(2) شجرة طوبى 1: 124، بلاغات النساء: 137.

(3) مناقب آل أبي طالب 1: 95، كنز العمّال 13: 326 / 36991.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة