الخلاف بين المدرستين حول الصحابة ـ 3
الحروب بين الصحابة
كما أيضًا وقعت جُمْلَة من المواجهات بين الطبقة الأولى من المسلمين، وخاصة مِمَن يُعتبرون من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله، فسبوا وشتموا بعضهم بعضاً، وكفّروا بعضهم بعضاً، وكذلك قتلوا بعضهم بعضاً، وسُبيت في هذه المواجهات النساء، وأحرقت البيوت والخيم، ومن هذه المواجهات والحروب:
خالد ومالك ابن النويره
بعد أنْ انتقل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله إلى الرفيق الأعلى، وأخذ أبو بكر بن أبي قحافة الخلافة، أرسل جيشًا وأَمَّرَ عليه خالد بن الوليد، إلى بني تميم وبالتحديد إلى بني يربوع، وكان سيّدهم الصحابي الجليل «مالك بن النُّوَيْرَة»، لأنّهم رفضوا تسليم الزكاة إلى أبي بكر بن أبي قحافة، لعدم اعترافهم بشرعية خلافته مع العلم أن مالك بن النويرة هو مَنْ عَيَّنه الرسول صلى الله عليه وآله في حياته عاملاً له في جَمْعِ زَكَاةِ قَوْمِهِ، وعندما بلغ المسير بخالد بن الوليد ومَن معه إلى حيث يقيم مالك بن النويرة وقبيلته في البطحاء، غدر بهم بعد أن استأمنوه، ثم قطع رأس مالك وجعله مع حجرين ثمّ طبخ عليهم قدراً وأكل منه ليُرْهِبَ بذالك غيره كما يبرّر بعضهم، واغتصب زوجته في نفس اليوم الذي قتله فيه، وهذا ما دفع بأبو قتادة الأنصاري أن يحلف بأن لا يقاتل بعد تلك الحادثة تحت راية خالد بن الوليد، وكذلك دفع عمر بن الخطاب بأن يطلب من أبوبكر أن يعزل خالد، غير أنّ أبو بكر برّر لخالد هذه الفعلة وقال أنّه اجتهد في ما فَعَلْ.
معركة الجمل
معركة الجمل هي أول المعارك التي واجهها الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، بعد أن بايعه المسلمون خليفة لهم، وهي المعركة التي واجه فيها الإمام علي عليه السلام الجيش الذي كانت تقوده عائشة بنت أبي بكر زوجة النّبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله مع الطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العَوَّامْ، وهم الذين سَمَّاهُمْ الرسول صلى الله عليه وآله بـ «النّاكثين» عندما أخبر الإمام علي عليه السلام بِمَنْ سيقاتلهم في قادِمِ الأيام.
معركة صفين
ودارت رحاها بين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وجيشه من جهة، وبين معاوية بن أبي سفيان وجيشه الشامي من جهة أخرى، وَهُم الذين أسماهم النّبي الأكرم صلى الله عليه وآله بـ «القاسطين».
معركة النهروان
هي تلك المواجهة العسكرية بين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وكان معه حوالي 35 ألف رجل، والبعض مِمَن كان يُقَاتِل معه ضدَّ معاوية بن أبي سفيان ويُقدَّر عددهم بحوالي 4000 رجل وقيل أكثر، و هم الذين سمّوا في ما بعد بـ«الخوارج»، وسمّاهم الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله بـ«المارقين».
فضل ومكانة أصحاب النبي
وقع الخلاف بينهما في مسألتين:
الأولى: في تعميم هذا الفضل والمكانة على كل من صدق عليه أنّه صحابيّ.
الثانية: في الأحكام التي تترتّب على هذا الفضل والمكانة للصحابة.
عند الشيعة
لأصحاب النبيّ محمد الصادقين المنتجبين مكانة كبيرة في نفوس الشيعة، وكذلك يرونَ لهم الفضل في تركيز دعائم دين الإسلام في مراحل ظهوره الأولى، ولم يقف الأمر عند ذالك بل إنّهم يكنون كلّ الاحترام ويرون الفضل في إيصال الدين أيضًا لأصحاب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وكلّ أصحاب أئمة أهل البيت عليهم السلام الصادقين المخلصين الذين لم يحيدوا عن الصراط المستقيم. غير أنّ الشيعة لا يرون قداسة لأحدٍ بحيث يكون خارج دائرة البحث والتدقيق عن حال عدالته ووثاقته، إلاّ النبيّ محمد صلى الله عليه وآله و أئمة أهل البيت عليهم السلام لِمَا لهم من عصمة مانعة لهم مِنَ الوُقُوع في الخطأ والذنب بنصٍّ مِنَ القرآن في آية التطهير، أمّا ماعدى هؤلاء ـ سواء كانوا مِن أصحاب النّبيّ أو الأئمة ـ فهم خاضعون لِلْجَرْحِ والتَعْدِيل، والبحث والتحقيق عن حال عدالتهم ووثاقتهم، فمن ثبتت استقامته على طبق ما يقتضيه دين الإسلام فهو محترم ومبجّل ومُعْترف بفضله، ومَن ثَبُتَ فيه عكس ذالك، بحيث تجاوز حدود الله وَحَادَ عمّا تقتضيه التقوى التي فرضها الله فتسقط عدالته عند الشيعة ويُصْبِحُ حاله كحال أي فردٍ من عصات أمَّةِ محمد، بل أمرهم أشدّ بالنسبة لما عليه باقي أفراد الأمّة العُصُاة، الذين لم يرو ولم يشاهدوا النبيّ صلى الله عليه وآله أو أحد أئمة أهل البيت عليهم السلام.
عند السنة
تَبَنَّى السواد الأعظم من أهل السنّة والجماعة رأيًا وموقفًا نحو أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله تَصِفُه الشيعة بالغلو البالغ حدّ التناقض، فأهل السنّة والجماعة رغم كونهم من الناحية النظرية لا يقولون بعصمة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، والتي أيضًا ينفونها عن النّبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله، إلاّ أنّهم ومن الناحية العملية يضعونهم في مقام المعصوم الذي لا يخطئ، وإن أخطأ فخطأه مبرّر وغير قادحٍ في عدالته.
كما أيضًا يرون لزوم تفضيل الصحابة وتقديسهم لدرجة أنّهم يوجبون الأخذ بكل ما يَرْوُونَهُ عن النّبيّ صلى الله عليه وآله بدون البحث عن صدقهم في ذالك، كما أنّهم يحافظون ويدافعون عن هذه القداسة مهما كانت درجة شناعة فعل الصحابيّ، فتراهم يقدّسون لدرجة التَرَضِّي على الإمام «علي بن أبي طالب عليه السلام في الوقت الذي يترضون فيه على «معاوية بن أبي سفيان»، وقد قامت حرب طويلة بينهما مات فيها الألوف من المسلمين، منهم الكثير من الصحابة كـ«عمّار بن ياسر« رضي الله عنه.
عدالة الصحابة
الخلاف بين أعلام أهل السنّة أولاً، وبين الشيعة وأهل السنّة ثانياً، في خصوص الحُكم بعدالة كل أصحاب رسول الله محمد، فذهب مشهور أعلام أهل السنّة إلى القول بعدالة كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، سواء كان هذا الصحابيّ مِمَن لازم وعاشر النبي الأكرم صلى الله عليه وآله أو كان قد رآه ولو لمرّة واحدة أو فقط روى عنه رواية واحدة، وقد جاءت هذه النظرية في زمن بني أمية حيث لعبت دوراً أساسياً في تشوية التأريخ والسنة الشريفة فقامت بالترويج لهذه العقيدة لتبرير ما عملت به من أعمال شنيعة ضد الإسلام فيرمون من ينتقد الصحابة بالكفر والزندقة و يفتون بقتله و كانوا إذا أرادوا قتل من يعارض حكمهم اتهموه بسب الصحابة.
بينما اتّفقت الشيعة وبعض أعلام أهل السنّة بعدم الحُكم بعدالة كلّ أصحاب النبي صلى الله عليه وآله مع تفاوةٍ في الآراء بين الشيعة والبعض من أعلام أهل السنّة والجماعة.
وإنّ التشرّف بصحبة النبي (صلى الله عليه وآله) ليس أكثر امتيازاً من التشرّف بالزواج بالنبي (صلى الله عليه وآله)، فإنّ مصاحبتهنّ له كانت من أعلى درجات الصحبة، وقد قال الله تعالى في شأنهنّ: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَة مُبيِّنَة يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِوَكَانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً﴾ الأحزاب ٣٠.
فالشيعة يرون أن مفهوم العدالة بصورته المطلقة إنما يتحقق في آل البيت وحدهم لكونهم مصدر التلقي.
فإما عدالة الصحابة وإما عدالة أهل البيت ولايمكن لإي الخطين يسود إلا على حساب الأخر فقد ساد خط عدالة الصحابة بعد رحيل رسول الله صلى الله عليه وآله.