الخلاف بين المدرستين حول الصحابة ـ 1

img

قال رسول الله صلى الله عليه وآله في حق شهداء أحد: «هؤلاء أشهد عليهم».

فقال أبو بكر: ألسنا يا رسول الله إخوانهم، أسلمنا كما أسلموا وجاهدنا كما جاهدوا؟!

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: «بلى، ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي».

الموطأ ٤٦٢:٢ح ٣٢ كتاب الجهاد

تعريف الصحابي في مدرسة الخلفاء

 قال ابن حجر في مقدمة الإصابة، الفصل الأول في تعريف الصحابي: «الصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وآله مؤمناً به ومات على الإسلام، فيدخل في من لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت، ومن روى عنه أو لم يرو، ومن غزا معه أو لم يغز ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه ومن لم يره لعارض كالعمى».

تعريف الصحابي عند مدرسة أهل البيت

ترى مدرسة أهل البيت أن لفظ الصحابي ليس مصطلحاً شرعياً، وإنما شأنه شأن سائر مفردات اللغة العربية، و«الصاحب» في لغة العرب بمعنى الملازم والمعاشر ولا يقال إلا لمن كثرت ملازمته، والصحبة نسبة بين اثنين ولذلك لا يستعمل الصاحب وجمعه الأصحاب والصحابة في الكلام إلا مضافاً كما ورد في القرآن الكريم «يا صاحبي السجن» و«أصحاب موسى».

وكذلك كان يستعمل في عصر الرسول صلى الله عليه وآله ويقال: صاحب رسول الله، وأصحاب رسول الله مضافاً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، أو مضافاً إلى غيره مثل قولهم «أصحاب الصفة»، لمن كانوا يسكنون صفة مسجد الرسول صلى الله عليه وآله، ثم استعمل الصحابي بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بلا مضاف إليه وقصد به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وصار اسماً لهم، وعلى هذا فإن «الصحابي» و«الصحابة» من اصطلاح المتشرعة وتسمية المسلمين وليس اصطلاحاً شرعياً.

مفهوم الصحابة

ذهب عموم أهل السنّة لتوسعة هذا المفهوم حتّى شَملَ من الناحية العملية المنافق والعاصي وكلّ من رأى النبي محمد ولو من بعيد وللحظات قليلة، بينما ضيّقت الشيعة مع بعض أعلام أهل السنّة دائرة هذا المفهوم ليشمل فقط مَنْ لازم رسول الله وكان مؤمنًا بما جاء به ومات على الإسلام.

دور الصحابة

عند أهل السنة كان للصحابة الدور الأساس في تأسس الفِرَق و المذاهب الأخرى كـ «المالكية، والشافعية، والحنبلية، والحنفية، و…، والأشاعرة ، والمعتزلة…»، بل كان الصحابة يمثلون بالنسبة لهذه المذاهب والفِرَق المصدر الوحيد الذي هو واسطة بينهم وبين النّبيّ الأكرم محمد.

ولأجل ذلك كان لموضوع الصحابة حساسية خاصة عندهم، فقد حَسَمَ غالبية أئمة هذه المذاهب والفرق أمرهم في مسألة الصحابة، وحكموا بعدالهتم، ولزوم الأخذ منهم بدون بحث ولا تحقيق، وكذلك أغلقوا باب الجرح والتعديل في الصحابة تجنُّبًا للمخاطر التي يمكن أن تترتّب على فتحِ هذا الباب.

فالكلام والخوض في عدالة الصحابة، يترتّب عليه الخوض والنّقاش في المصادر التي بُنِيَت عليها المذاهب والفِرَقِ، وهذا بدوره يعرّض أُسس كل مذهب وفرقة منهم للنّقاش والتشكيك، وهذا ما صرّح به أكثر من واحد منهم.

نقل الخطيب البغدادي عن أبي زرعة، فقال: «إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا مِنَ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، فاعلم أنّه زنديق، وذلك أنّ الرسول صلى الله عليه وآله عندنا حقّ والقرآن حقّ، وإنّما أدى إلينا هذا القرآن والسُنن، أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، وإنّما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليُبطلوا الكتاب والسنّة، والجرح بهم أولى وهُم زنادقة».

عند الشيعة

بعد أن كانت الشيعة تعتقد بأنّ أئمة أهل البيت هم مَن عيّنهم الله بعد نبيّه الأعظم صلى الله عليه وآله للقيام بِصَوْنِ الدين الإسلامي بصريح «آية الولاية» و«آية أهل الذكر» و«آية الإكمال» و«آية التبليغ»، وكذلك هم مَنْ أخبر النّبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله بأنّهم المعنيين بِتِبْيَان ما أُجْمِلَ من الدين الإسلامي بصريح العبارة في «حديث الثقلين»، و «حديث السفينة»، و«حديث الولاية» و«حديث الغدير» و«حديث الوصاية» و«حديث مدينة العلم» و«حديث المنزلة».

ذهبوا للأخذ من أئمة أهل البيت عليهم السلام ما جاء به نبيّ الإسلام محمد، وقدّموهم عن غيرهم من الصحابة، بحيث أنّهم لم يحتاجوا للأخذ بما نقله الصحابة من روايات وأقوال عن النّبيّ الكريم صلى الله عليه وآله، ولذالك لا يوجد عندهم من روايات الصحابة إلا النّزر القليل، وكل ما عندهم مِن روايات وأحاديث هي ما نُقِلَت لهم عن طريق أهل بيت النّبيّ محمد فقط.

وعليه لم يكُن للصحابة ذاك الدور المُعتبر في أُسس الفقه والعقيدة الشيعية.

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة