كشكول الوائلي _ 104

الوعاء الأول: صلب النبي إبراهيم عليه السلام
الواقع أن رسول اللّه صلى الله عليه وآله طاهر من طاهر(1)، وهؤلاء الأطهار بعضهم من بعض، وهو صلى الله عليه وآله الذي يقول لأمير المؤمنين عليه السلام: «أنت مني وأنا منك»(2).
ويروي ابن سيرين أنه صلى الله عليه وآله قال له: «أنت ختني وأبو ولدي»(3). أي أنك ياعلي من سنخي ومن طينتي نفسها. فعلي عليه السلام في خطّ الإمامة، وهو امتداد لخطّ النبوّة.
ثم إنه ينبغي التنبيه إلى أن بيت عبد المطّلب رحمه الله لم يعرف الشرك أبداً، وهو ابن نبي اللّه ابراهيم الخليل عليه السلام ، فعلي عليه السلام ابن إبراهيم الخليل عليهما السلام ومن وعاء النبي إبراهيم الخليل عليه السلام .
الوعاء الثاني: الكعبة المشرّفة
وبعد أن اختار اللّه تعالى لأمير المؤمنين عليه السلام الوعاء الذي ولد منه، جاء دور اختيار الوعاء الذي يولد فيه، فكان أمر اللّه تعالى أن اختار له الكعبة المشرّفة موضع ولادة، وهو ما لم يكن لأحد قبله ولا لأحد بعده مطلقاً. واختيار الكعبة المقدّسة وعاءً لولادته عليه السلام له دلالات إيجابية عدّة؛ لأن الكعبة وعاء مشرّف في نظر المسلمين عامّة، فهي أشرف البيوت عند اللّه وأكرمها عليه، لكن لا بد من بيان أن الظرف هنا لم يكن أشرف من المظروف البتّة كما ذكرنا في صدر هذا المبحث. والدليل على هذا أنّ الخليفة عمر بن الخطّاب حينما مرّ على الحجر الأسعد نظر إليه ثم خاطبه بقوله: «أما واللّه، لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يقبّلك ما قبّلتك». ثم قبّله(4).
فاللّه تعبّدنا بإكرام الحجر والبيت لكن لا على أساس أنهما أشرف من رسول اللّه صلى الله عليه وآله أو من علي أمير المؤمنين عليه السلام(5)، فالنبي صلى الله عليه وآله أشرف الموجودات الممكنة، والإمام علي عليه السلام جزء من رسول اللّه صلى الله عليه وآله بنصّ القرآن الكريم: تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ(6)؛ ولذا فإنه عليه السلام يأخذ حكم رسول اللّه صلى الله عليه وآله هنا.
إذن اختيار الكعبة وعاءً له عليه السلام يعدّ من المناقب الشريفة والفضائل العظيمة، لكنه عليه السلام يبقى أشرف من الكعبة كما رسول اللّه صلى الله عليه وآله أشرف منها.
يتبع…
__________________
(1) فنحن نخاطبهم بما وصفوا به أنفسهم في زيارتهم فنقول: « أشهد أنكم كنتم نورا في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهّرة، لم تنجّسكم الجاهلية بأنجاسها، ولم تلبسكم من مدلهمّات ثيابها » مصباح المتهجد: 721 / 807.
(2) مسند أحمد 1: 108، 4: 164 ـ 165، 5: 356، الجامع الصحيح ( سنن الترمذي ) 5: 296 ـ 297، المستدرك على الصحيحين 3: 133.
(3) مسند أحمد 5: 204، السنن الكبرى ( النسائي ) 5: 149، خصائص أمير المؤمنين عليه السلام ( النسائي ): 122، كنز العمّال 11: 693 / 33109، 12: 255 / 36755.
(4) مسند أحمد 1: 16 ـ 17، 26، 34، 35، 46، 51، 53 ـ 54، صحيح البخاري 2: 159 ـ 160، 2: 162، صحيح مسلم 4: 66 ـ 67، سنن ابن ماجة 2: 981 ـ 982 / 2943.
(5) بل ورد أن المؤمن عامّة له حرمة عند اللّه أعظم من حرمة بيت اللّه الحرام أو مثلها، قال رسولنا الأكرم صلى الله عليه وآله في إحدى حجّاته: « إن اللّه عزّ وجل حرّم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه». الخصال: 487، عوالي اللآلي 1: 161 / 151، بحار الأنوار 21: 381، مجمع الزوائد 3: 20، صحيح ابن خزيمة 4: 299، المنتقى من السنن المسندة (ابن الجارود النيسابوري): 212.
وقال الصادق عليه السلام : « إن حرمة المؤمن أعظم من حرمة هذه البنيّة… إن الموءمن لو قال لهذه الجبال: أقبلي أقبلت». الاختصاص: 325، بحار الأنوار 47: 90.
(6) آل عمران: 61.