كشكول الوائلي _ 103

2 ـ العهد العباسي
ثم جاء دور العباسيين الذين تسنّموا سدّة الحكم باسم البيت العلوي، لكن عهدهم كان أشدّ وأنكى على الهاشميين، حيث حاربوهم بكل ما استطاعوا وما اُوتوا من قوة وقدرات وطاقات. ثم أعقبهم ذيولهم وصنائعهم من السلاجقة والأتراك الذين انقلبوا عليهم، وهؤلاء فعلوا كفعلهم في أهل البيت عليهمالسلام. وكذلك فعل التتر ما فعل غيرهم.
بل إن الأمر تجاوزه وامتدّ إلى الآن، حيث لا زلنا نجد من يكتب بحقد وعداء لعلي بن أبي طالب عليه السلام . وهذا كلّه يحتاج لإعادة نظر؛ لأنّه لا بدّ من تصحيح الوضع الخطأ، كما يجب ألا تضيّع هذه الثروة التي غطّاها التاريخ بالضباب. فعلينا أن ندرسه عليه السلام كما هو؛ كي تأخذ دنيا الإسلام حقّها الواجب لها من عطائه الثّر الضخم؛ لأنه عطاء للمسلمين كافّة.
وبعد هذه المقدمات نرجع إلى سيرة هذا الرجل العظيم لنتناولها ناحية ناحية، كل ناحية بمبحث إن شاء اللّه تعالى:
المبحث الثاني: في أنه عليه السلام أكبر من الوعاء الذي احتواه
لقد اختار اللّه تعالى لهذا الرجل العظيم أوعية احتوته، وعادة ما تكون الأوعية (الظروف) أكبر من المظروف، غير أن هذا الأمر على العكس مع علي بن أبي طالب عليه السلام فهو دوماً وأبداً أكبر من الظرف الذي احتواه إلاّ صدر رسول اللّه صلى الله عليه وآله. والأوعية التي اختارها اللّه تعالى لهذا الرجل على نوعين: مادية ومعنوية، وهي أوعية تتناسب مع أمير المؤمنين عليه السلام من حيث طهارته وألقه.
وهنا نقطة ابتلي بها علي بن أبي طالب عليه السلام كما ابتلي بها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله حيث يروي غيرنا من أبناء المذاهب الإسلامية أن أبوي الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله ماتا مشركين. فهم يروون عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله نزل على قبر اُمّه فناجى ربه طويلاً ثم بكى، حتى اشتدّ بكاوءه، وبكى المسلمون لبكائه وقالوا: ما بكى نبي الله صلى الله عليه وآله بهذا المكان إلاّ وقد حدث في اُمّته شيء لا نطيقه. فقال صلى الله عليه وآله لهم: «ما يبكيكم؟». قالوا: يا نبي اللّه، بكينا لبكائك. فقال: « نزلت على قبر فدعوت الله أن يأذن لي في شفاعته يوم القيامة، فأبى الله أن يأذن لي، فرحمتها وهي اُمي فبكيت. واستأذنت ربّي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي. ثم جاءني جبريل عليه السلام فقال: تبرّأ من اُمّك كما تبرّأ إبراهيم عليه السلام من أبيه.»(1).
ويعلّق بعض علمائهم على هذا بالقول: هذا أمر عظيم. وفعلاً لهو أمر عظيم أن نتصوّر أن أبوي الرسول صلى الله عليه وآله مشركان نجسان، وأن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله قد وصل إلى الدنيا بوعاء نجس؛ ذلك أن المشركين نجس(2). وهذا ظلم للرسول صلى الله عليه وآله وافتراء عليه.
يتبع…
__________________
(1) مسند أحمد 2: 441، صحيح مسلم 3: 65، سنن ابن ماجة 1: 501، المستدرك على الصحيحين 1: 374، 375، 2: 605، صحيح مسلم بشرح النووي 7: 45، مجمع الزوائد 1: 117.
(2) قال تعالى: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا » التوبة: 28.