كشكول الوائلي _ 102

img

المقدمة الرابعة: أنه عليه السلام ليس لفئة بعينها

إن من يرد أن يلج في حياة الرجل العظيم فمن الخطأ أن يحتسبه على جهة معينه أو فئة ما، وأفدح من هذا أنه يُصرّ على كونه عليه السلام كذلك. إنه عليه السلام ليس ملكاً لطائفة أو طبقة في المجتمع الإسلامي، وليس هذا شأنه فقط، بل شأن كل صحابي خدم الإسلام وله إنجازات بحقّه(1). ونحن نفخر ونعتز به لما قدّم في سبيل الإسلام؛ لأنه يمثل رصيداً له في حياة المسلمين. فعلي عليه السلام للمسلمين كافة؛ لأنه وقف كل ذرة من كيانه للإسلام والمسلمين، ووهب كل جارحة من جوارحه في خدمة رسول اللّه‏ صلى الله عليه وآله ودينه القويم. فكل جزء من كيان أمير المؤمنين عليه السلام موقوف للإسلام ليفنيه من أجله؛ وبهذا كان عليه السلام عطاءً للإسلام وكيانا موقوفا عليه؛ فيجب ألاّ يُنظر إليه من زاوية خاصّة. والقلم السليم هو القلم الذي ينظر إليه عليه السلام على أنه باب من الأبواب المفضية إلى الإسلام، ونافذة من نوافذ عطائه الثرّ. فإن كان هذا الرجل قد اتّصف بسمات تميّزه عن غيره فيجب ألاّ يثير هذا الأمر في نفوس البعض البغض، ويقدح في صدورهم كوامن الحقد والشنآن، يقول أحد الاُدباء:

لو رأى مثله النبيّ لآخـا *** ه وإلاّ فأخـطأ الانتقادُ(2)

المقدمة الخامسة: أن تاريخ علي عليه السلام كتب بأيد غير محايدة

إن هذه المساحة الزمنية الواسعة التي تفصلنا عن أمير المؤمنين عليه السلام تحتاج إلى ألف عين موضوعية فاحصة لكتابته بشكل علمي ومنهجي صحيح. والواقع أنه يصعب القول بأن هذا التاريخ يمكن أخذه عن طريق محايد، أو أنه كتب بأقلام تقف على الحياد. وببالغ الأسف نقول: هذا هو الذي حدث. إننا يمكن أن نقسم فترات كتابة التاريخ آنذاك إلى قسمين يعود كل قسم منهما إلى عصر، كالآتي:

1 ـ العهد الاُموي

فالاُمويون حينما جاؤوا حاولوا صياغة التاريخ وإعادة كتابته بشكل يتلاءم تماماً مع مآربهم وأهدافهم الجاهلية، سيما ما حصل في زمن معاوية الذي سخّر بيت المال، ووظّف كل الإمكانات للقضاء على كل ذكر يخصّ علي بن أبي طالب. ثم جاء من بعده عبد الملك بن مروان وأبناؤه، وواصلوا المسيرة نفسها(3). وخلال هذا اتخذت هذه الحرب صفة دمويّة؛ حيث انتهى الأمر بمجزرة دموية تناولت البيت الهاشمي كلّه.

يتبع…

____________________

(1) ولهذا فإننا لا يمكن أن ننسى عبد اللّه‏ بن رواحة، وعثمان بن مظعون، وحنظلة غسيل الملائكة، وعاصماً حميّ الدبر، وغيرهم من الأبطال الأفذاذ والمجاهدين في سبيل اللّه والإسلام.

(2) البيت للسيد محمد الهندي. الأنوار العلوية: 340. وقد قال له رسولنا الأكرم صلى الله عليه وآله في حديث المؤاخاة: «إنما ادّخرتك لنفسي، أنت أخي في الدنيا والآخرة». الطبقات الكبرى 3: 22، المعجم الكبير 11: 63، تاريخ مدينة دمشق 43: 8، كنز العمّال 11: 598 / 32879، 608 / 32939، 610 / 32955، 13: 140 / 36440.

(3) ومن ذلك محاولة الوليد تعمية الأمر على من سأله عن الإمام السجاد عليه السلام في قصة تناول للحجر الأسعد بعد أن عجز عن تناوله، لولا أن الفرزدق فضحه، فقال:

هذا الذي تعرف البطحاءُ وطأتَهُ ***  والبيت يعرفه والحلّ والحرمُ

 هذا ابنُ خيرِ عبادِ اللّه‏ كلِّهُمُ ***  هذا التقيُّ النَّقيُّ الطاهرُ العَلَمُ

 وليس قولُك مَن هذا بضائرِه ***  العُربُ تعرفُ من أنكرتَ والعجمُ

 في كفه خَيزُرَانٌ ريحُهُ عَبِقٌ ***  من كفِّ أروعَ في عِرنِينِه شَمَمُ

 يُغضي حياءً ويُغضَى من مَهابَتِهِ ***  فلا يُكَلَّمُ إلاّ حينَ يبتسمُ

 يكادُ يُمسِكُهُ عِرفانُ رَاحَتِهِ ***  رُكنَ الحطيمِ إذا ما جَاءَ يَستَلِمُ

إلى آخر ميميّته الرائعة. مناقب آل أبي طالب 3: 306.

ومن ذلك أن أحد كتّاب الوالي الاُمويّ خالد بن عبد اللّه القسريّ على الكوفة سأله عن مصير الروايات التي فيها مدح لأمير المؤمنين عليه السلام ؛ فهل يذكرها، أم لا؟ فقال له خالد: لا تذكرها إلاّ أن تجده في قعر جهنم.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة