كشكول الوائلي _ 101

حديث برز الإيمان كله
وكذلك ألم يسمع هذا القائل قول رسولنا الأكرم صلى الله عليه وآله فيه: «برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه»(1) حينما برز لقتال مرحب؟ فالمشرّع الأعظم ورسول السماء صلى الله عليه وآله حينما يجعله عليه السلام هو الإسلام والإيمان، فما يكون عليه موقفنا من علي عليه السلام بعد كلّ هذا؟ والرسول الأكرم صلى الله عليه وآله لم ينطق من نفسه ولا من هواه وعاطفته بل إنه يترجم قول السماء؟ فهل بعد هذا يقال: إن أعيننا أعين ملوّنة أم إنها أعين طبيعية؟
القرآن يمدح عليا في أكثر من سبعين موطناً
وكذلك ألم يسمع هذا المعترض أو يقرأ ما ورد فيه في كتابنا الكريم حيث إنه ذكره في سبعين آية على أقل الروايات، وإلاّ فإنها ثلاثمئة آية(2). وهذه الآيات تحيط بجوانب أمير المؤمنين عليه السلام حياطة كاملة بعضها بشكل مباشر وبعضها بشكل غير مباشر. وكيف لنا أن نقف بعيدين عن هذا، ونكتفي بموقف المتفرّج الذي لا يطيع القرآن بعد أن نعرف أن القرآن قد أعطاه كلّ هذه المساحة الواسعة؟ وهل يعدّ هذا النظر إليه نظرا بمنظار ملوّن وخاصّ؟ وهل من موقف له لم يمجّده الإسلام؟ وأي موقف لا يمكن أن يمجّد؟ أعبادته، أم شجاعته، أم تواضعه، أم كرمه، أم علمه، أم غير هذا من الأخلاق الحميدة والصفات الحسنة التي ارتضتها له السماء؟
إذن فالقرآن الكريم يذكر الحقائق كما هي، ولسنا نحن من ننظر إليه بعين ملوّنة ولا غيرنا من ينظر إليه بعين طبيعية، بل العكس هو الصحيح، فنحن ننظر إليه بالعين التي رأته فيها السماء متمثّلة برسولها الكريم صلى الله عليه وآله، وغيرنا ينظر إليه بعين محوّلة كلها بغض وحقد وشنآن له لما وهبه اللّه تعالى من مزايا وصفات وكرامات أعيا أهل عصره فيها.
إننا لا نريد أن نعطي أمير المؤمنين عليه السلام حجماً أكبر من حجمه، ولا أن ننظر إليه على أنه فوق ماهو عليه. والدليل على هذا أننا نكفّر الغلاة فيه وفي أبنائه المعصومين(3). وهو عليه السلام قد أعطانا دستوراً بهذا، فقد مرّ عليه السلام في شهر رمضان، فرأى جماعة جالسين يأكلون، فقال لهم: «أنتم على سفر فتستعملون هذه الرخصة؟ ». قالوا: لا. قال لهم: «مرضى؟». قالوا: لا. قال: «لماذا تأكلون في شهر رمضان؟». فقالوا له: أنت.. أنت. فقال: «من أنا؟». قالوا: أنت إله (والعياذ باللّه). فنزل الإمام من على راحلته، ومرّغ خدّه على التراب، وقال لهم: « أنا عبد من عبيد اللّه، واللّه إن لم ترتدعوا لأضرمن عليكم نارا ». ثم أنشد:
لما رأيت الأمر أمرا منكرا *** أجّجت ناري ودعوت قنبرا(4)
فهؤلاء الذين وصلوا إلى هذه الدرجة من الغلوّ عمد إلى حرقهم، فقد فهو عليه السلام وضع لنا هذا الدستور بشكل عملي، وأمرنا بفعله اقتداءً بسنته الفعلية والقولية الشريفة.
ونحن كما نرفض الغلاة نرفض العيون التي يكون ملؤها الحقد، والتي تحاول أن تضع حجاباً بينها وبين الواقع، فكل ما نريده هو أن يأخذ هذا الرجل حقّه في الحياة التاريخ ويتربّع على كامل مساحته التي أعطاه إياها الرسول صلى الله عليه وآله مترجماً لأوامر السماء(5). ولماذا لا يعطى حجمه الحقيقي هذا؟ إن التاريخ الذي كتب بأيدٍ ملطّخة بالحقد على أهل البيت عليهمالسلام وبدمائهم أو مشتركة في إراقتها يتناسى ويتغاضى عن الكثير ممّا له عليه السلام ، وكأنه يستكثر ويستنكر عليه أن يكون له عليه السلام ذلك أو أن يذكره له؛ فمثلاً قتلى اُحد كان عددهم ثمانية وعشرين قتيلاً ثمانية عشر منهم كانوا بسيف علي بن أبي طالب، فلماذا لا يذكر له هذا؟ وهل هي إلا الأحقاد الكامنة والضغائن الدفينة؟
يتبع…
_________________
(1) شرح نهج البلاغة 13: 261، 285، 19: 61، ينابيع المودّة 1: 281، 284.
(2) قال ابن عباس رضي الله عنه: «نزل في علي ثلاثمئة آية». الصواعق المحرقة: 125، كفاية الطالب: 231، تاريخ الخلفاء ( السيوطي ): 172، نور الأبصار: 73، إسعاف الراغبين: 160.
وقال رضي الله عنه: « ما في القرآن آية إلاّ وعلي رأسها وقائدها وشريفها وأميرها. ولقد عاتب الله أصحاب محمد صلى الله عليه وآله، وماذكر عليا إلا بخير». تفسير ابن أبي حاتم الرازي 3: 901 ـ 902/ 5025، تفسير القرآن العظيم 2: 4، تاريخ مدينة دمشق 42: 363، الصواعق المحرقة: 125، كفاية الطالب: 140، شواهد التنزيل 1: 49، ذخائر العقبى: 89، نظم درر السمطين: 89، نور الأبصار: 73، تاريخ الخلفاء ( السيوطي ): 171، الرياض النضرة 2: 274.
وقال رضي الله عنه: « ما نزل في أحد من كتاب الله ما نزل في علي ». الصواعق المحرقة: 125، تاريخ الخلفاء (السيوطي ): 171، شواهد التنزيل 1: 39، نور الأبصار: 37.
وقال رضي الله عنه: « ما أنزل اللّه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إلاّ وعلي أميرها وشريفها ». الصواعق المحرقة: 25، 118، شواهد التنزيل 1: 49، ذخائر العقبى: 89، كفاية الطالب: 140، نظم درر السمطين: 89، نور الأبصار: 73، تاريخ الخلفاء ( السيوطي ): 171، الرياض النضرة 2: 274.
(3) فنحن لا نزوّج المغالي، ولا نغسله ولا ندفنه إذا مات، ولا نورّثه، ونحكم بنجاسته، وبعدم جواز أكل ما يذكّيه، بل نخرجه من حضيرة الإسلام. انظر: شرائع الإسلام 1: 11 ـ 12، المعتبر شرح المختصر 1: 198، منتهى المطلب 1: 152، قواعد الأحكام 3: 318، تحرير الأحكام 2: 171 (حجري)، إيضاح الفوائد 1: 26، 4: 127، البيان: 24، 28، ذخيرة المعاد 2: 327 (حجري).
(4) اختيار معرفة الرجال 1: 288 / 128، المبسوط ( الشيخ الطوسي ) 7: 281، نيل الأوطار 8: 6، وفيه: قال الحافظ: إن إسناده صحيح. فتح الباري 6: 106، 12: 238، تأويل مختلف الحديث: 70، دستور معالم الحكم ( ابن سلامة ): 196، التمهيد 5: 318، ميزان الاعتدال 1: 626، الأنساب 5: 499، شرح نهج البلاغة 8: 119، كنز العمّال 11: 303 / 31578.
(5) قال تعالى: « يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ » المائدة: 67. انظر حول هذه الآية، وإلى كونها في بيعة خمّ: عمدة القاري 18: 206، تفسير الثعلبي 4: 92، شواهد التنزيل 1: 239،251، 252، 2: 392، مناقب أمير المؤمنين عليه السلام ( الخوارزمي ): 7، مطالب السوءول في مناقب آل الرسول: 94، 95، ينابيع المودّة 2: 249، 284، الملل والنحل 1: 163.