كشكول الوائلي _ 99

img

الرابعة: محاولة تفضيل الزهراء عليها السلام عليه

ومن هذه المحاولات ما أثبته بعض المفسّرين في كتبهم حول قوله تعالى: ﴿ادْعُوهُمْ لاَِبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ [1]﴾، فيقول هؤلاء: إن كلّ الناس يوم القيامة يدعون بأسماء اُمّهاتهم؛ وذلك لثلاثة[2] أسباب أحدها تشريف الحسنين عليهما السلام بنسبتهما إلى اُمّهما وإشعار بشرفها هي عليها السلام. فهل إن فاطمة الزهراء عليها السلام أفضل من علي بن أبي طالب عليه السلام الذي نذر حياته للإسلام، فكانت عطاء ثرّاً في سبيل إعلاء كلمته. ثم إن فاطمة عليها السلام قد تشرّفت بالزواج من أمير المؤمنين عليه السلام، أليس رسول اللّه‏ صلى الله عليه وآله قد قال لها: «زوّجتك خير الناس من بعدي»[3]؟ لكن بما أن هذا الحديث وغيره[4] في جانب أمير المؤمنين، ويعدّ أعظم منقبة له حيث إنه صلى الله عليه وآله فضّله فيه على صحابته كافّة، فإن المحاولات الحاقدة راحت تعمل معاولها في هدمه ووضع قباله ما يمسخه بأكاذيب ليتحوّل من فضيلة إلى رذيلة.

وعلى الرغم من كل المحاولات التي بذلت في هذا السبيل ومورست في هذا المجال ممّا ذكرنا أو لم نذكر فإن قدح أمير المؤمنين بقي هو المعلّى وسهمه هو الصائب وحظّه هو الأوفر، وبقي علي عليه السلام مفخرة الدهر بما ترك من آثار حسدهعليها الحاسدون وأبغضه عليها المبغضون الحاقدون. إن المعاول التي رفعوها للقضاء عليه ارتدّت خائبة خاسئة[5] ، وشيّد له الحق قبال كل خلية من نسيج محاولاتهم البائسة بناءً يتسامى في النفوس وفي الدنيا. وهكذا رفعته السماء فلم يؤثر فيه الشتم ولا الهدم[6] ، ولم تنحسر عنه الأضواء؛ فكم حاولوا عزله عن إسهاماته مع رسول اللّه‏ صلى الله عليه وآله، حيث إنه عليه السلام شاركه صلى الله عليه وآله في أربع وثمانين غزوة من غزواته لم ينكل عليه السلام ولم يفرّ في واحدة منها أبداً، وكان يحمل لواء الإسلام فيها كلّها، ومع ذلك فإن هؤلاء كانوا يصوّرونه على أنه كأي جندي عادي في جيش الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله.

نعم، لقد بقي علي عليه السلام شاخصاً كالعلم يرقب المعاول وهي تتحطم على سفحه بعد أن ترتدّ خاسئة صاغرة، وما تهدّم في هذا المضمار إلا تلك المحاولات وأصحابها حيث أتت عليهم عفونة التاريخ.

يتبع…

_____________________

[1] الأحزاب: 5.

[2] انظر الأسباب الثلاثة في ج 8 ص 283 من موسوعة محاضرات الوائلي، وفيه أن صاحب هذا الرأي هو القرطبي وإن كنّا لم نعثر عليه في تفسيره.

[3] مناقب آل أبي طالب 3: 122، وفيه: « خير من أعلم »، الطبقات الكبرى 8: 24، تاريخ مدينة دمشق 42: 126، كنز العمّال 11: 605 / 32926، 13: 135 / 36423، وفيها: « خير أهلي ».

وفي الأمالي الصدوق: 434 / 574 عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان ذات يوم في منزل اُم إبراهيم، وعنده نفر من أصحابه، إذ أقبل علي بن أبي طالب عليه السلام، فلمّا بصر به النبي صلى الله عليه وآله قال: « يا معشر الناس، أقبل إليكم خير الناس بعدي، وهو مولاكم؛ طاعته مفروضة كطاعتي، ومعصيته محرمة كمعصيتي».

وفي بشارة المصطفى (الطبري): 420 ـ 421 / 28: «يا علي أنت خير الناس بعدي، وأنت أوّل الناس تصدّرا، من أطاعك فقد أطاعني، ومن أطاعني فقد أطاع اللّه، ومن عصاك فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصى اللّه، ومن أحبّك فقد أحبّني، ومن أحبّني فقد أحبّ اللّه، ومن أبغضك فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض اللّه، يا علي لا يحبّك إلا مؤن ولا يبغضك إلاّ منافق أو كافر».

[4] مع أن ابن حجر العسقلاني يقول: «قال أحمد وإسماعيل القاضي والنسائي وأبو علي النيسابوري: لم يرد في حقّ أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد أكثر مما جاء في علي ». الصواعق المحرقة: 125.

[5] ديوان الأعشى: 144.

قال الشاعر:

كناطحٍ صخرةً يوما ليفلقَها *** فلم يضرْها وأوهى قرنَه الوعلُ

[6] قال حمزة بن عبد الله بن الزبير بعد أن انتقص ابنه الإمام عليا عليه السلام : يا بني، إنه والله ما بنت الدنيا شيئا إلاّ هدمه الدين، وما بنى الدين شيئا فهدمته الدنيا، أما ترى عليا وما يُظهر بعض الناس من بغضه ولعنه على المنابر فكأنما والله يأخذون بناصيته رفعا إلى السماء، وما ترى بني مروان وما يندبون به موتاهم من المدح بين الناس فكأنما يكشفون عن الجيف؟ ونسى لعبد العزيز بن مروان. انظر: جواهر المطالب (ابن الدمشقي) 2: 229، المحاسن والمساوئ: 40، البيان والتبيين 2: 173.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة