كشكول الوائلي _ 98

الثالثة: اُكذوبة خطبة بنت أبي جهل
وهكذا ما أثبت الحقّ ميزة له عليه السلام إلاّ تحولت عند أهل الحقد إلى مثلبة، ومن هذا أن معظم الصحابة خطبوا فاطمة الزهراء عليها السلام، وكان النبي صلى الله عليه وآله يردّهم مبيّناً لهم أن أمرها ليس إليه بل إنه راجع إلى السماء، حتى أمرته السماء بأن يزوّج علياً عليه السلام منها، وهنا جاء علي عليه السلام فابتدأه رسول اللّه صلى الله عليه وآله قائلاً: «ارفع رأسك وقل لي عما جئت به». فقال عليه السلام: «الحياء يمنعني». قال صلى الله عليه وآله: «لعلّك جئت خاطبا فاطمة؟». فقال عليه السلام: « إي واللّه ». فقال صلى الله عليه وآله: «اللّه أكبر، الآن خرج من عندي جبرئيل، وقد أمرني أن اُزوّج النور من النور، فقلت: مَن ممّن؟ قال: زوّج عليا من فاطمة. وأنا زوّجتك ابنتي».
ثم قال صلى الله عليه وآله: «يا علي ما عندك تسوقه لأهلك؟». فقال عليه السلام: «اللّه ورسوله أعلم بحالي، ليس لي نقد، وليس عندي إلاّ الدرع والناضح». فقال صلى الله عليه وآله: «اذهب فقد زوّجتك ابنتي بالدرع»[1].
وهذه البشرى استغلّها أعداء أمير المؤمنين عليه السلام ليحوّلوها إلى مثلبه ضده، يقول المؤرّخون: إن أمير المؤمنين عليه السلام خطب بنت أبيجهل، فلما بلغ الخبر النبي صلى الله عليه وآله صعد المنبر وقال: إذا كان علي بن أبي طالب يريد الزواج من بنت أبي جهل فليطلّق ابنتي فإنه لا تجتمع ابنة نبي اللّه وابنة عدو اللّه. وكانت الزهراء عليها السلام خرجت وبيدها الحسن والحسين وهي غضبى[2].
وبقيت هذه الأكذوبة مروية في الصحاح بقرؤها المسلم المغرّر فينحرف عن نهج علي ويتحامل عليه. وهذا واقعاً يؤلمني، لأنه يوجع قلب رسول اللّه صلى الله عليه وآله وقلب السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام باعتقاده صحّة هذه الفرية، وبإثباتها في كتب الحديث. وهكذا حوّل أعداؤه عليه السلام منقبة هبة السماء له بتزويجه من سيدة نساء العالمين عليها السلام إلى مثلبة بفرية لم تحصل أبداً [3].
يتبع…
________________________
[1] دلائل الإمامة: 87، بحار الأنوار 101: 88 / 53.
[2] السنن الكبرى النسائي 5: 147 / 8518، صحيح مسلم بشرح النووي 16: 2، الجامع لأحكام القرآن 20: 227.
[3] قال الشاعر:
وما من كاتبٍ إلا ستبقى كتابتُه وإن فَنِيَت يَداهُ *** فلا تكتُبْ بكفِّكَ غيرَ شيء يَسُرُّكَ في القيامة أن تَراهُ
تأويل مختلف الحديث 1: 59، كتاب الغرباء: 16.