كشكول الوائلي _ 97

محاولات أعدائه للنيل منه
وهؤلاء حينما وجدوا أنفسهم لا يستطيعون أن يرقوا مراقيه، ولا أن يصلوا إلى منزلته في الشجاعة والإيمان والسابقة والمناقب والجهاد في سبيل اللّه تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وآله ودينه الحنيف راحوا يشكّكون الناس به وبكلّ ما يمتّ إليه بصلة، وهي محاولات كثيرة نذكر منها:
الاُولى: نفي نسبة (نهج البلاغة) إليه
فحتّى (نهج البلاغة) لم يسلم من حقدهم الذي وصل إليه، وسمّهم الذي أرادوا أن ينفثوه حوله، وكانت هناك محاولات لنفي صحة نسبته إليه عليه السلام لأن فيه عطاءً أكبر من مستوى العصر الذي يعيش فيه[1]. كما أن البعض من المفسّرين أو المؤرّخين حينما يمرّ بمنقبة أثبتتها له آية كريمة أو حديث شريف يغفلها ويعمد إلى إهمال ذكرها أو نفيها عنه[2]؛ لأنّه لا يقوى على الوصول إلى مثلها.
الثانية: هدم داره التي ترك النبي صلى الله عليه وآله بابها مفتوحاً على المسجد
وكذلك بيت الإمام عليه السلام في المدينة، والذي بناه له رسول اللّه صلى الله عليه وآله ضمن الدور العشرة التي بناها حيث إنه صلى الله عليه وآلهخصّص تسعة منها لنسائه وأعطى العاشرة لأمير المؤمنين عليه السلام، وهي الدار الوحيدة التي لم يغلق بابها الذي يطلّ على المسجد بعد أن أوصى بإغلاق الأبواب كلّها [3].
لكن الاُمويين هدموا هذه الدار عن عمد؛ لأن فيها إيحاءً بحقيقة ساطعة أرادوا وأدها وتضييعها؛ فعدم إغلاق باب هذه الدار يشكّل علامة فارقة، كما أن وقوف الرسول صلى الله عليه وآله منادياً: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا [4]﴾ كلّ يوم صباحاً عند صلاة الفجر لهو صورة حيّة تبيّن أهمية هذه الدار وساكنيها. وهذه الصورة طبعاً ظلت ماثلة طيلة الوقت في أذهان صحابة الرسول صلى الله عليه وآله، كما أن بقاءها في أذهان الناس يؤذي الاُمويين، وإبقاءها وتركها كذلك يقضّ مضاجعهم؛ لأن ذلك يفشل مخطّطاتهم في إرجاع الناس القهقرى [5] عن الدين إلى شريعة الجاهلية عبر محاولاتهم المتكرّرة لتحقيق ذلك، إلى أن جاء عهد الملك عبد الملك بن مروان الذي هدم هذا البيت مع كل البيوت التي حول المسجد بذريعة توسيعه[6].
على أية حال فإن ولد أمير المؤمنين عليه السلام لم يزالوا في بيته إلى أيام عبد الملك بن مروان الذي ما إن عرف الخبر حتى حسدهم على ذلك واغتاض، وأمر بهدم الدار متظاهرا أنه يريد أن يوسّع في المسجد. وكان فيها الحسن بن الحسن عليه السلام، فقال: لا أخرج، ولا اُمكّن من هدمها. فضرب بالسياط، وتصايح الناس، واُخرج عند ذلك وهدمت الدار[7].
فهناك محاولة لإقصائه عن أذهان الناس، وإبعاد دائرة النور عنه، وعدم تسليط الضوء عليه، وهذا هو حال كل ما اُثر عنه مع التاريخ الجائر والحكّام الحاقدين، فهؤلاء حاولوا جهد إمكانهم إلقاء ظلال من التشكيك حوله.
يتبع…
____________________________
[1] انظر شرح نهج البلاغة 10: 127 ـ 129.
[2] انظر حول تفسير سورة الدهر: تفسير ابن كثير 4: 484 ـ 485، تفسير الجلالين: 781 ـ 782، منهاج السنة 5: 7 ـ 5. وقد ذكرنا هناك ما نقله كلّ من ابن الجوزي في زاد المسير 8: 141، والشوكاني في فتح القدير 5: 343 في مكان نزول هذه السورة ممّا فيه دحض لهذا القول السخيف ورفع له. انظر ج3 ص237 ـ 238 من موسوعة محاضرات الوائلي.
[3] السنن الكبرى النسائي 5: 119 / 8427 ـ 8428، خصائص أمير المؤمنين عليه السلام ( النسائي ): 75 ـ 76، المعجم الكبير 2: 246.
[4] الأحزاب: 33.
[5] قال رسولنا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: «رأيت بني اُميّة ينزون على منبري نزو القردة، يردّون الناس عن الدين القهقرى». فهبط عليه جبرئيل عليه السلام يحمل سورة القدر، وأخبره أن ما رآه حقّ، وأن مدّة ملك بني اُميّة ألف شهر. جامع البيان 15: 14، الجامع لأحكام القرآن 10: 282، سير أعلام النبلاء: 2108.
[6] مع أنها لا ضرر من بقائها داخل المسجد لو اُريد توسيعه؛ لأنها محراب رسول اللّه صلى الله عليه وآله ومحراب الإمام علي عليه السلام وفاطمة الزهراء عليها السلام، فيكون بذلك شأنها شأن مقام إسماعيل عليه السلام وغيره؛ فهي لا تقلّ عنها شأنا.
[7] مناقب آل أبي طالب 2: 38، بحار الأنوار 39: 29 ـ 30.