كشكول الوائلي _ 95

أمير المؤمنين عليه السلام في مرآة التاريخ
ويشتمل هذا المبحث على عدّة مقدمات توطئةً لما سيأتي من بحوث إن شاء اللّه تعالى:
المقدّمة الاُولى: عظمة أمير المؤمنين عليه السلام
عندما يقدم أي باحث على ترجمة هذا الرجل العظيم فإنه يحار من أين يبدأ وأين ينتهي؛ فليس في حياته عليه السلام لحظة لا تستحقّ التوقف عندها، وليس فيها حركة لا ينبغي تسجيلها والتأمّل فيها، وليس منها موقف لا ينبغي الانحناء أمامه إجلالاً وإكباراً؛ فكل ما في كيانه ووجوده وحياته ألقٌ مشرق يأخذ بالأبصار. إن من يدخل بستاناً أو حتى جنة فيمكن أن يلفت نظره فيها زهرة جميلة شذيّة، أو شجرة وارفة نديّة، فيكتفي بهذه أو تلك وينشغل بها عمّا في البستان من أوراد وأشجار، أمّا من يدخل حقل حياة الإمام علي عليه السلام فإنه سيجد نفسه مشدوداً إلى كلّ ما فيه ـ وكلّ ما فيه معجب ـ وحائراً فيما ينبغي أن يبدأ به، فما من زهرة إلاّ ومجاورها يعبق مثلها وما من شجرة إلاّ وتؤتي أكلها حالها في ذلك حال أي شجرة اُخرى، وما من شيء إلاّ وهو من نتاج الإرادة الإلهية التي أحنت على هذا الوجود ومنحته هذه العظمة.
ومن هذا أنه عليه السلام قد تساوت فيه جميع الميزات والكمالات، وهذا ما لا يمكن أن يكون لغيره ـ سوى نبينا محمد صلى الله عليه وآله ، ومن سبقه من الأنبياء ـ فمن ينبغ من الناس في البلاغة أو الشعر أو الشجاعة أو الكرم أو غيرها نجد عنده نقصاً في الجوانب الاُخرى ممّا ذكرنا وغيره، أمّا أمير المؤمنين عليه السلام فخلاف ذلك؛ فقد نبغ في الجميع، وبزّ الناس جميعاً في كل ما اُوتي من فضائل ومناقب كان له فيها الحظّ الأوفر والكعب العالي والقدح المعلّى من بينهم، مع تساويها عنده في بلوغه القمّة فيها. وهكذا كان هذا الرجل العظيم.. لقد كانت كلّ حياته عطاءً وعنفواناً ومثاراً للإعجاب والحسد ممن عاصروه ومن جاؤوا بعده.
يتبع…