كيفية دخول الحسين إلى مكة
هل دَخَلَ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلامُ إِلَى مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ بِعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ أَمْ بِعُمْرَةِ تَمَتُّعٍ؟
الْجَوَابُ: تَشْتَمِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلاثَةِ أَقْوَالٍ وَهِيَ عَلَى النَّحْوِ التَّالِيْ:
الْقَوْلُ الأَوَّلُ/ انَّهُ دَخَلَ إِلَى مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ بِعُمْرَةِ تَمَتُّعٍ: وَهَذَا الْقَوْلُ مُسْتَفَادٌ من مَصْدَرَيْنِ وَهُمَا مَا يَلِيْ:
أ) مِنَ المُتُونِ التَّارِيْخِيَّةِ.
ب) مِنْ أَقْوَالِ بَعْضِ الْمُحَدِّثِيْنَ.
وَمِمَّنْ أَشَارَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ مَا يَلِيْ:
أ) الشَّيْخُ الطَّبْرَسِيْ قُدِّسَ سِرُّهُ الشَّرِيْفُ:
((لمَّا أَرِادَ الإِمَامُ الحُسَيْنُ _ عَلَيْهِ السَّلامُ _ الْخُرُوجَ إِلَى الْعِرَاقِ طَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَحَلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ وَجَعَلَهَا عُمْرَةً لأَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إِتْمَامِ الْحَجِّ مَخَافَةَ أَنْ يُقْبَضَ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ))(١)
ب) الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بنُ الْفَتَّال النَّيْشَابُورِيّ قَالَ:
((أَحَلَّ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ _ عَلَيْهِ السَّلامُ _ مِنْ إِحْرَامِهِ ، وَجَعَلَهَا عُمْرَةً لأَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إِتْمَامِ الْحَجِّ))(٢)
فَظَاهِرُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ الإِمَامَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ بَدَّلَ نِيَّةِ إِحْرَامِهِ مٍنْ عُمْرَةِ التَّمتع إِلَى عُمْرَةِ مُفْرَدَةٍ.
الْقَوْلُ الثَّانِيْ/ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ اِبْتِدَاءً: وَمِمَّنْ يرى هَذَا الْقَوْلِ مَا يَلِيْ:
أ) السَّيَّدُ عَبْدُ الأَعْلَى السَّبْزَوَارِيُّ قُدِّسَ سِرُّهُ الشَّرِيْفُ(٣)
ب) بَاقِر شَرِيْف قَرَشِي رَحِمَهُ اللهُ قَالَ:
((وَهَذَا _ أَيْ التَّبْدِيْلُ مِنْ إِحْرَامِ عُمْرَةِ التَّمَتُّعِ إِلَى عُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ _ لا يَخْلُو مِنْ تَأَمُّلٍ فَإِنَّ الْمَصْدُوْدَ عَنْ الْحَجِّ يَكُونُ إِحْلالِهِ بِالْهَدْيِ عَلَى حَسَبِ مَا نَصَّ عَلَيْه الْفُقَهَاءُ لا بِقَلْبِ إِحْرَامِ الْحَجِّ إِلَى عُمْرَةٍ فَإِنَّ هَذَا لا يُوْجِبُ الإِحْلالَ مِنْ إِحْرَامِ الْحَجِّ))(٤)
ج) قَالَ آيَةُ اللهِ الشَّيْخُ جَعْفَرُ التُّسْترِيُّ قُدِّسَ سِرُّهُ الشَّرِيْفُ قَالَ:
((اِلْتَزَمَ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِأَنْ يَجْعََل إِحْرَامَهُ عُمْرَةً مُفْرَدَةً وَتَرَكَ التَّمَتُّعَ بِالْحَجِّ)(٥)
وَكَذَلِكَ مِمَّنْ يَرَى هَذَا الرَّأْيَ السَّيِّدُ مُحْسِنُ الْحَكِيْمُ قُدِّسَ سِرُّهُ الشَّرِيْفُ وَالسَّيِّدُ أَبُو الْقَاسِمِ الْخُوئِيّ قُدِّسَ سِرُّهُ الشَّرٍيْفُ.
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: جَوَازُ الاِحْتِمَالَيْنِ مَعَ تَرْجِيْحِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ دَخَلَ مَكَّةَ بِعُمُرَةِ تَمَتُّعٍ: وَمِمَّنْ يَرَى هَذَا الْقَوْلَ الشَّيْخُ الْمَجْلِسِيُّ وَمُسْتَنَدُهُ لِجَوَازِ الاِحْتِمَالَيْنِ أَيْ أَنَّ الإِمَامَ الْحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلامُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ دَخَلَ إِلَى مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ بِعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ أَوْ بِعُمْرَةِ تَمَتُّعٍ وَلَكِنَّ الاِحْتِمَالَ الأَكْبَرَ كَوْنُهَا عُمْرَةَ تَمَتُّعٍ لِمَا رَوَاهُ عَلِيُّ بنُ إٍبْرَاهِيْمَ عَنْ أَبِيْهِ عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مَزَارِ عَنْ يُونس عَنْ مُعَاوِيَة بنِ عَمَّارٍ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلامُ:
((مِنْ أَيْنَ اِفْتَرَقَ الْمُتَمَتِّعُ وَالْمُعْتَمِرُ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: إِنَّ الْمُتَمَتِّعَ مُرْتَبِطٌ بِالْحَجِّ وَالْمُعْتَمِرُ إِذَا فَرِغَ مِنْهَا ذَهَبَ حَيْثُ شَاءَ وَقَدْ اِعْتَمَرَ الْحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ فِيْ ذِيْ الْحُجَّةِ ثُمَّ رَاحَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ إِلَى الْعِرَاقِ والنَّاسُ يَروحُونَ إِلَى مِنَى وَلا بَأْسَ بِالْعُمْرَةِ فِيْ ذِيْ الْحُجَّةِ لِمَنْ لا يُرِيْدُ الْحَجَّ))(٦)
قَالَ الشَّيْخُ الْمَجْلِسِيُّ قُدِّسَ سِرُّهُ الشَّرِيْفُ:
((وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: (وَقَدْ اِعْتَمَرَ) لَعَلَّ المرادَ أنَّ عمرةَ التمتعِ أيضًا إذَا اضطرَّ الإنسانُ يجوزُ أنْ يجعلهَا عمرةً مفردةً كما فعلهُ الحسينُ عليه السلامُ ، ويُحتملُ أنْ يكونَ عليه السلامُ لِعلمهِ بِعدمِ التَّمكنِ من الحجِّ نَوى الإفرادَ ولعلَّهُ مِنَ الخَبَرِ أظهر))(٧)
فَالشَّيْخُ الْمَجْلِسِيُّ يَرَى فِيْ الْحَدِيْثِ اِحْتِمَالَيْنِ:
الاِحْتِمَالُ الأَوَّلُ: التَّبْدِيْلُ مِنْ عُمْرَةِ التَّمَتُّعِ إِلَى عُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ.
الاٍحْتِمَالُ الثَّانِي: أَنَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ مُنْذُ الْبَدْءِ نَوَى الإِفْرَادِ وَلَيْسَ ثَمَّ تَبْدِيْلٌ.
وَيَرَى الشَّيْخُ الْمَجْلِسِيُّ أَنَّ الاحْتِمَالَ الثَّانِيَ أَظْهَرُ مِنَ الْخَبَرِ لَكِنَّهُ فِيْ كِتَابِ الْبِحَارِ يُصَرِّحُ بِالاِحْتِمَالِ الأَوَّلِ حَيْثُ يَقُولُ:
((وَلَقَدْ رَأَيْتُ فِيْ بَعْضِ الْكُتُبِ الْمُعْتًبَرَةِ أَنَّ الْحُسَيْنَ بنَ عَلِيّ عَلَيْهِ السَّلامُ حَلَّ مِنْ إِحْرَامِ الْحَجِّ وَجَعَلَهَا عُمْرَةً مُفْرَدَةً))(٨)
وَقَالَ أَيْضًا:
((خَرَجَ الْحُسَيْنُ بنُ عَلِيّ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنْ مًكَّةَ المُكَرَّمَةِ بَعْدَمَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُمُ يُرِيدُونَ غِيْلَتَهُ وَقَتْلَهُ حَتَّى لَمْ يَتَيَسَّرُ لَهُ أَنْ يُتِمَّ حَجَّهُ فَتَحَلَلَ وَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ))(١٠)
مَصْدَرُ الأقْوَالِ وَالرِّوَايَاتِ مَا يَلِيْ:
_______________
(١) (كتاب إِعْلامِ الْوَرَى بِأَعْلامِ الْهُدَى ص٢٣٠))
(٢) (كِتَاب رَوْضَة الْوَاعِظِيْنَ لاِبْنِ فَتَّال ص١٧٧)
(٣) (مهذب الأحكام للسيد عبد الأعلى السبزواري ١: ٢٧٢
(٤) (كِتَاب حَيَاة الإِمَامِ الْحُسَيْنِ عَلًيْهِ السَّلامُ لِلشَّيْخِ بَاقِر شَرِيْف قُرَشِي٣: ٥٠)
(٥) (كتاب الخصائص الحسينية للشيخ التستري ص٣٢)
(٦) (كتاب وسائل الشيعة ١٤: ٣١٠ باب ٧ حديث ٣ كتاب الكافي ٤: ٥٣٥ حديث ٤ باب العمرة المقبولة في أشهر الحج)
(٧) (كتاب بحار الأنوار للشيخ المجلسي ٤٥: ٩٩))
(٨) (كتاب بحار الأنوار للشيخ المجلسي ٤٥: ٩٩)
(٩) (كتاب بحار الأنوار للشيخ المجلسي ٤٥: ٩٩)
الشيخ حسين اسماعيل