شعراء القطيف (المرهون)

img

{25} أحمد بن مهدي بن نصر اللّه‏

المتوفّى سنة ( 1306 )

هو الرئيس أحمد بن مهدي بن نصر اللّه‏، أبو السعود القطيفي. جاء ذكره في ( الأنوار ) بما نصّه: « ومن اُدبائها الفخام، وبلغائها العظام، ورؤسائها الحكام، وشعرائها الأعلام، إن جلس مع العلماء فهو كأحدهم في اللهجة واللسان، أو مع الشعراء المجيدين والاُدباء الكاملين فهو المقدّم عليهم في ذلك الشان، أو مع الرؤساءالحكام فهو المشار إليه بالبنان »[1].

وذكره العلاّمة الأميني العاملي في كتابه ( أعيان الشيعة )، فأطراه وأثنى عليه ؛ فهو أحد مفاخر القطيف التي ما حلمت بمثله زعيما مصلحا غيورا على وطنه ودينه. قام بحركة جبارة استمر مفعولها زهاء أربعين عاما، الأمر الذى دلنا منه على رجل تفرّد بما اُوتي من مواهب بزّ بها أقرانه وأترابه، ومنها كونه عبقريا فذا، وشاعرا مفلقا، ذا قريحة سيالة، يقول الشعر بكثرة، فقد جارى ابن أبي الحديد في علوياته، وشعراء العرب في معلقاتها، وله أكثر من مئة قصيدة في الحسين عليه السلام، وله ديوان ضخم في مجلدين كبيرين موجودين عند أحفاده، هما اللذان خلّدا ذكره، حتى كأنه لم يمت. وقد مات في ربيع الأول سنة ( 1306 )، وإليك ما وسعنا أن نأخذ من شعره ثلاث قصائد أولها:

في رثاء الحسين عليه السلام

هل من سعاد عهدت الجزع فالبانا *** أم من ذرا رمثة شارفت لبنانا

هي المعالم خف القاطنون بها *** فأصبحت بعد عهد القوم غيطانا

لو كنت يوم رحيل الحي شاهدها *** أخفقت من غمرات الوجد وسنانا

ترى هوادج يحملن البدور ضحى *** والشمس كاسرة عنهن أجفانا

كانت ديار لنا بالجزع فابتدرت *** لها الليالي فأبلتهن عدوانا

هي الحوادث كم أودت بذي شرف *** وشرفت حفدا منها وعبدانا

أودت بآل رسول اللّه‏ فاقتنصت *** منها حبائلها صيدا وفرسانا

فما رعت منهُمُ حقا ولا حفظت *** لهم ذماما ولا راقبن حسبانا

كم سيد لعبت أيدي المنون به *** وفارس أوردته الحتف لهفانا

كابن البتولة مأوى كل مكرمة *** ومستفاض الندى منا وإحسانا

فتى يرى الاُسد أنعاما وإن مثلت *** عند الكريهة آسادا وفتيانا

كم جحفل فرّ زحفا من صواعقه *** والخيل تنعل في الهيجاء جثمانا

في فتية ملكوا الإمكان واقتحموا *** إلى طلاع العلا شيبا وشبانا

وأوردوا غمرات الموت أنفسهم *** مشي الوحى مرحا مثنى ووحدانا

كم واصلوا بالمواضيخطوهم وجلوا *** على حياض الردى للصيد خرصانا

شم المعاطس أوّابين ما غضبوا *** صفحا على من جنى منهم وإهوانا

وفوا ذمام رسول اللّه‏ فاتخدوا *** حدب المنايا لهم في الوخد بعرانا

حلّوا من العز في أعلى معاقده *** وألبسوه من العلياء تيجانا

وجاوروا المصطفى فيالخلد من نزلوا *** إلى جوار بنيه الغرّ كوفانا

وأدركوا غاية الفضل الذي منحت *** به المكارم أعضادا وأركانا

تحميهُمُ العذبات البيض مشرقة *** ضخما من الوحش فيالمثوى وذؤبانا

وفي رؤوس القنا من هامهم غرر *** تكشّف الليل إظلاما وإدجانا

كم ألبس الملأ الأعلى لهم حللاً *** من العنا وثوى في الوجد غيطانا

صلّى الإله عليهم كم قضوا وطرا *** من العلا وشفوا في العيش أشجانا

لم يزمع القوم وردا للردى طمعا *** في الخلد إلاّ هدى رشدا وعرفانا

لم أنسَ خامس أصحاب الكسا فردا *** ومنبرا تخذ الهيجاء عيدانا

يغشاهُمُ بكميت اللون منجرد *** قيد الأوابد يغشى الروع غضبانا

أسمى من الفلك الأعلى مظاهره *** فيهم وأنكى من الأقدار إمكانا

أساخ كل قرار ثابت بهُمُ *** لولا رأى من عزيز الملك برهانا

يا منزل الغيث هلاّ هلّ وابله *** عليك لا سقت الجرباء ثعبانا

يا مانح الأرض بعد الجذب وابلها *** كيف انثنيت بجنب النهر عطشانا

ويا منيع الحمى والدهر شانئه *** كيف استباحت لك الأيام إجنانا

ألية برسول اللّه‏ لو نظرت *** عيناه كيف وردت الموت ظمآنا

وكيف رضّت قراك الخيل وانتعلت *** من شلو جسمك أوصالاً وجثمانا

إذا أقام عليك الدهر من وصب *** مآتما وارتماه الخطب أسوانا

من للفوارس يغشاها إذا افترعت *** تحت العجاجة أقرانا فأقرانا

والخيل عابسة يجري النجيع بها *** على الكواثب واللبات غدرانا

هل ساخت الأرض‏أم مادت أهاضبها *** أم خرّت الشهب للأذقان غيطانا

هذي المكارم في الحمراء من مضر *** أمست تجرّ عرانينا وأذقانا

هذي الجياد إلى الغارات صافنة *** تدعو من القوم في الإلحاد أجنانا

هذي الضيوف وقوف في مجاثمها *** تبغي القرى فيشمن الوفد حيرانا

أين العماد لهذي والمثير لذي *** والمستغاث لهذي أينما كانا

في معشر وطئوا هام العلا وجلوا *** من المعالي براهينا وتبيانا

أمسوا تمجّ المواضي من نحورهم *** دما وتكسوهُمُ الأرياح أكفانا

والهام في قلل الخرصان مشرفة *** تتلو من الآي بين الركب قرآنا

يا لهفتاه لأتراب محجّبة *** بالمشرفية عزّا والقنا شانا

بين النبي وسبطيه وفاطمة *** والمرتضى لا ترى ذلاًّ وأهوانا

تسبى جهارا وما للّه‏ منتصر *** فيها وتطوي بهن العيس وديانا

من كل بارزة كالشمس مفرقها *** أضحت تقنّع بعد الستر قضبانا

كم حرمة هتكت فيها لفاطمة *** وكم حمى مستباح لابن عمرانا

فأين عنها رسول اللّه‏ ينظرها *** مغانما لبني حرب وسفيانا

وفتية لم ترد بعد الظما نهلاً *** إلاّ حياض الردى ثنيا ووحدانا

أمست تفلق بالأسياف هامهُمُ *** رغما لأنف الهدى والدين كفرانا

لقد شفت من رسول اللّه‏ غلتها *** اُمية واقتضت من بدر أضغانا

رزء لعمر المعالي لا يلدن به *** لهن دهم الغواشي في الحجا رانا

أصاب من نوب الاُولى نهايتها *** فهل يرى اللّه‏ في الاُخرى لها شانا

ترثّ سود الليالي عن جدائده *** فلا يلدن إلى الأيام عرفانا

إلى القيامة أو ينضو القضا ملك *** يمحو من الشرك أوطاراً وأديانا

مهذب لايرى الأيام خالصة *** أو لايرى عابدا فيهن أوثانا

وينزل الملأ الأعلى لخدمته *** جيلاً فجيلاً وركباناً فركبانا

إنّا لنرجوه يوماً لا خفاء به *** يبدي الضغائن من قيس وغيلانا

نثيرها مثل أطراف الرماح له *** جرداً يردن الوغى جزراً وأضمانا

من كل شيظمة في إثر شيظمة *** يظنّها القوم في الهيجاء عقبانا

لا تظمأن على حال نوافرها *** حتى يجلّي الردى بيضا وقضبانا

في فتية لا تمرّ الصيد شاحبة *** إلاّ وتبسم للثاوين أسنانا

من كل أروع يمشي الموت في يده *** إلى الرقاب ويغشاه إذا حانا

أيما على قمم الفضلى شوامخها *** أيما تخلف في الميدان أبدانا

بنو النبي خذوني في جواركمُ *** فقد سقيت من البأساء قدحانا

ودونكم من قسيم المدح رائقة *** ولهاء تتلو من الأرزاء فرقانا

تقبّلوها بلطف من نوالكمُ *** فقد أتتكم تريد العفو إحسانا

تهفو ولوعاً على أعتاب مجدكمُ *** ترجو ءاقالتها صفحا وغفرانا

يهديكموها بعيد الدار مغترب *** عن الأحبة أوطارا وأوطانا

فاز (ابن مهديّ) إن كنتم له سنداً *** فقد تورّط ليل الإثم حيرانا

فلا تردوا يدي مما علقت به *** فقد رجوتكمُ غوثا وأعوانا

في كل يوم لكم مني مغردة *** تجلو من المدح آيات وتبيانا

فواقر في أعاديكم بوارد في *** غليل كل محب مات كتمانا

تغشاكمُ بصلاة اللّه‏ خافقة *** ما روّض الغيث بعد المحل وديانا

يتبع…

__________________

[1] أنوار البدرين 2 : 258 / 53.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة