شعراء القطيف (المرهون)

img

{24} الحاج يوشع البحارنة

المتوفّى سنة ( 1303 )

هو الحاج يوشع بن حسين البحارنة. كان من الأتقياء الأخيار ذوي الورع والعفاف، أحد التجار المرموقين لحسن المعاملة وصدق الحديث وأداء الأمانة مما ينبغي أن يكون عليه التاجر مضافا إلى الفقه ليخرج من حيز «التاجر فاجر حتى يتفقّه». وآل البحارنة أسرة كريمة عريقة في الحسب لها مكانتها الهامة في المجتمع وقد حلقوا في دنيا التجارة حتى كانوا الأماثل فيها. ويوجد منهم اليوم في القطيف والبحرين رجال كرام أفذاذ (أطال اللّه‏ بقاءهم وكثر أمثالهم من ذوي الدين).

وقد أضاف المترجم رحمه الله إلى عمله التجاري أدبه الفياض المنبعث من تلك العبقرية الفذة. ولولم يكن إلاّ هذه القصيدة العصماء لكانت كافية في التدليل على ما وصفناه به. كانت وفاته رحمه الله في التاريخ المذكور تاركا وراءه كمية من الأدب العربي نقتطف منه أهم ما فيه من القصيدة التي هي إحدى ملاحم الطف:

في رثاء الامام الحسين عليه السلام

زارت بليل على جنح من السحرِ *** فأرّج الربعَ منها نفحة العطرِ

أحيت من الشوق أياما قد اندرست *** وعذبت أعين العشاق بالسهرِ

كأن حاجبها قوس قد اتخذت *** سهما به حتف من تغشاه بالنظرِ

كأن بين عقيق لؤلؤا نثرت *** إذا تبلّج منها الثغر بالسفرِ

حورية لو رآها البدر سافرة *** لجاء يسعى إليها سعي معتذرِ

فقلت وصلاً رعاك اللّه‏ فابتدرت *** تبدي العتاب فلم تبقِ ولم تذرِ

أبديت عذري فما زالت تقابلني *** وليس ينفع ما أبديت من عذرِ

فقلت رفقا خذي ماشئت واقترحي *** عساك أن تسمحي بالسمع والبصرِ

فجادَ لي قلبها القاسي وما منعت *** وصلاً وأبدت لوجه مخجل القمرِ

دنوت من كأسها المخمور مرتشفا *** برد الرضاب فأغنتني عن السكرِ

للّه‏ كم ليلة بتنا على طرب *** ما بين روض على بسط من الزهرِ

نبيت تحسدنا الجوزا وتلحظنا *** عين الرقيب وعين الغفر والنسرِ

وللنجوم الدراري حول مضربنا *** رجم لمستمع الواشين بالشررِ

ولم يرُعني سوى ذكري لفادحة *** يهد من وقعها القاسي من الحجرِ

يوم الحسين الذي أبكى السماء دما *** والدهر حزنا ونور الشمس والقمرِ

سبط النبي سليل الطهر حيدرة *** أخي الزكي ونفس البضعة الطهرِ

غداة وافى بني حرب فنازلهم *** سبعين ألفا بأنصار له غررِ

تسنموا سابقات الخيل وادّرعوا *** على الدروع قلوب الصبر لا الخورِ

يلقون جيش العِدا غضبي إذا ازدحمت *** كتائب الخيل أفنوها على الدبرِ

ويعشقون المواضي والقنا طربا *** كأنها غانيات البيض والسمرِ

رأوا بضاعتهم بيع النفوس بها *** فكلهم خير بياع ومتّجرِ

قضوا حقوق رسول اللّه‏ حيث قضوا *** حقّ الحسين وشاؤوا كل‏مفتخرِ

كم جاهدوا دون سبط المصطفى ولكم *** من غادر غادروا بالصارم الذكرِ

حتى اُسيلت نفوس منهُمُ طهرت *** بالمشرفية والعسّالة السمرِ

باعوا على اللّه‏ أرواحا فعوضهم *** بجنة واتكوا فيها على سررِ

تبكي عليهم محاريب الصلاة أسى *** عند التهجد أوقاتا من السحرِ

من مبلغ عنهُمُ العلياء أنهُمُ *** مزّمّل تربا ما بين مدّثرِ

أفدي حسينا غريب الطف بعدهُمُ *** كالبدر بين سحاب مظلم عكرِ

يكرّ في الجيش طورا والخبا نظرا *** كما العفرنى لدى الأشبال والنمرِ

وينثني للعِدا يحمي عرينته *** بأسمر وحسام قاطع العمرِ

يصول فردا فيغدو جمعهم فرقا *** كأنما صال ضرغام على حمرِ

ما ناله في الوغى جبن ولا فشل *** كلاّ ولا ريع من ذل ومن ذعرِ

للّه‏ حملته والشوس عابسة *** وثغره باسم والجيش في حذرِ

إذا تألّق برق السيف في يده *** تساقطت رمم الأبطال كالمطرِ

وإن تركع في الهيجاء صارمه *** ترى العِدا سجّدا تهوي على الأثرِ

قد ثبّت السيف في الهيجا وراثته *** من أحمد وعلي فارس الظفرِ

لو عاينته السرايا عندما نكصت *** خيل ابن هند على الأعقاب والدبرِ

لوشاء إهلاكهم من دون صارمه *** لكان أغناه عنه صارم القدرِ

لكنه اختار ما عند الإله له *** من الجزا بنعيم غير منحصرِ

فانصاع تحسبه الجرباء قد وقعت *** على الصعيد وخرت أنجم الزهرِ

يا من إلى أمره الأملاك طائعة *** وعند نهيك للأفلاك لم تدرِ

يا مروي العضب والعسّال من ظمأ *** ومطعم الضبع والسرحان والنسرِ

وأنت كالماء في الدنيا فلا عوض *** للخلق عنه ومنه مبدأ الصورِ

كيف استطالت يد الأعدا عليك وفي *** كلتا يديك زمام النفع والضررِ

شلت يدا واتر قوسا رماك به *** سهما فأدرك ما يرجو من الظفرِ

تبّا لشمر أيدري صدر من وطئت *** عليه رجلاه رجل البغي والقذرِ

صدر النبي وصدر الطهر حيدرة *** وعلة الكون والإيجاد والبشرِ

ويقطع الرأس منه وهو منعفر *** على الصعيد ولا يخشى من القدرِ

يشكو الظماء ولم تبرد حشاشته *** إلاّ بفيض دم من نحره العطرِ

تبكي السماء بقانيها لمصرعه *** ولا سقته سحاب المزن بالمطرِ

قل للسماوات والأفلاك قاطبة *** والعرش والحجب والكرسي والسترِ

موري عليه وغيضي يا بحار أسى *** واستبدلي يا مياه العذب بالكدرِ

يقضي على ظما بالطف يلفحه *** حر السموم ثلاثا غير منقبرِ

إن أنسَ لم أنسَ لا واللّه‏ نسوته *** اُبرزن حسرى تصون الوجه بالشعرِ

تسبى برغم العلا والدين حاسرة *** كأنها من سبايا الترك والخزرِ

تدعو العشيرة لم تسمع مجيب ندًا *** ولا مغيثا ولا عونا من البشرِ

ترى عليا على صعباء مدبرة *** مكابدا أثقل الأغلال والسهرِ

تبكي لما عاينت قيدا وجامعة *** والدمع أذرت بمنظوم ومنتثرِ

وإن تراءت على بعد لممتطئ *** هيفاء مجدولة لم يخشَ من حذرِ

دعته والوجد يخفي ما تكتّمه *** والدمع يبدي لما في القلب من سعرِ

باللّه‏ يا راكبا هوجاء مضمرة *** كأنها حنيت قوسا بلا وترِ

كأنها الشن أبلاها الهجير فما *** ألوت لمرعى ولا أعيت من السفرِ

كأن أخفافها زند بها قدحت *** من الحصى فغدت تكوى من الشررِ

مهلاً قليلاً عسى تحظى بمغفرة *** من الإله غدا والأمن من سقرِ

عج هكذا قاصدا اُم القرى فبها *** لهاشم عترة من سادة غررِ

شمّ الاُنوف إذا نودوا لنازلة *** يدعون بشراك من داعٍ ومنتصرِ

لا يقرب الضيم ناديهم إذا نزلوا *** ولا نزيلهُمُ يخشى من الغيرِ

وقف متى جئت بين المروتين وقل *** يا للحفيظة والسادات من مضرِ

تركت بالطف جسما للحسين لقى *** ترضّه عاديات الدهر والصفرِ

فالعار أو تركبوا قبّ الجياد عسى *** أن تدركوا ثأركم أو فك مؤتسرِ

كذاك دعها تجوب البيد سائرة *** لخير من جاء بالآيات والسورِ

وانزل بروضته النوراء منتشقا *** فطيب تربته يشفي من الضررِ

واخضع لحضرته واقرا السلام على *** خير الأنام وأمن الخائف الذعرِ

وقل له يا رسول اللّه‏ معضلة *** صمّاء لم يستطعها سائر البشرِ

ثارت عليك بنو سفيان طالبة *** ثارات بدر بأمّار ومؤتمرِ

ونجلك السبط أردوه واُسرته *** ما بين منجدل منهم ومنعفرِ

وآلك الخفرات الغر سائرة *** للشام يطوى بها سهل إلى وعرِ

وانحُ الغري لحامي الجار منتدبا *** سر المهيمن ملجا الهارب الذعرِ

هو البعيد من المرأى وأقرب من *** لمح النواظر من شاك ومنتصرِ

اعقل وسلم ونادِ الغوث حيدرة *** كم ذا التحجّب في الأرماس والحفرِ

إن الحسين وأبناه واُسرته *** قتلى على ظمأ في جانب النهرِ

تدمى نحور بنيك الغرّ قاطبة *** وأنت حاضرها بالسمع والبصرِ

وتحمل النسوة الأطهار حاسرة *** فيالسبي تحسبها البرهان في السحرِ

يسري بها قاصرات الطرف قاصدة *** إلى يزيد اللعين الكاذب الاشرِ

فأوقفوها بباب القصر ثاكلة *** لشامت منهُمُ باغٍ ومنتهرِ

يا غيرة اللّه‏ تسبى وهي صاغرة *** بنات أحمد سبي النوب والخزرِ

فقم تلافَ لما أبقى الزمان لها *** وفك أسرتها من كف مؤتسرِ

ووارِ بالطف أجسادا مطرّحة *** زوّارها الوحش من اُسد ومن نُمُرِ

حاشا يفوتك أخذ الثار من كسلِ *** لكن رضيت بما يمضي من القدرِ

مهلاً طغاة بني الزرقا فإن لكم *** طَلاّب ثأر كميّا من بني مضرِ

تحوطه فتية طابت موالدهم *** مثل المسيح ومثل الحاجب الخضرِ

هُمُ الذين اصطفى الباري لنصرته *** في عالم الذر والإنشاء للصورِ

يسري أمام لواه النصر حيث سرى *** سير البريد إذا ما جاء بالخبرِ

يا حجة اللّه‏ يابن العسكري ويا *** كهف الولي ويا عوني ومدّخري

يا سيدي طال منا الاِنتظار متى *** يشفي بك اللّه‏ داء العسر باليسرِ

يا علة الكون يا أصل الوجود ومن *** لولاهُمُ ما سرى سارٍ على قدرِ

أنتم غياث الورى بل أنتُمُ جنن *** لكلّ لاجٍ غداة الحشر من سقرِ

أقسمت بالملّة الغرّا وفضلكم *** وبالمشاعر والأركان والحجرِ

لو أنني شاهد بالطف يومكمُ *** أبليت عذري وقد قلّ الفدا عمري

إذا اعتزيت فإخوان ضراغمة *** حماة ثغر وأبناء من الخيرِ

لم تلقَ منا بنو حرب وما نتجت *** إلاّ لوابد آساد على ضمرِ

إذا تحفّت غداة الروع تنعلها *** هام الفوارس في الإيراد والصدرِ

شعارنا عندما نلقى العداة بها *** اللّه‏ أكبر يا سبحان مقتدرِ

وفزت في فتية فازوا بنصرتكم *** وخلدوا زمرا من أفضل الزمرِ

ذاك المراد ولكن عاقني زمني *** فكنت دأبا حليف الحزن والفكرِ

سمعا لـ «يوشع» مولاكم مهذبة *** يحلو على جيدها عقد من الدررِ

وقلتها بنظام فائق حسن *** كما ترتل آيات من السورِ

ألبستها حللاً من حبكم فغدت *** تميس شوقا وقد جاءت على قدرِ

سميتها الحرة العذرا وقلت لها *** ألا اكمدي أنفس الحساد وافتخري

صلّى الإله عليكم ما سرى فلك *** أوسارت العيس في الأبكار والسحرِ

أو عاقب الليلَ صبح يستضاء به *** وما تغرد قمريّ على شجرِ

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة