شعراء القطيف (المرهون)

img

{23} الشيخ لطف اللّه‏ الحكيم

المتوفّى سنة ( 1300 )

هو الفاضل الشيخ لطف اللّه‏ بن يحيى بن عبد اللّه‏ بن راشد بن علي بن عبد علي ابن محمد الحكيم الخطي. كان فاضلاً تقيا ورعا، له أيادٍ بيضاء أوجبت له مكانا في النفوس، ومحلاًّ في القلوب، ما يتحدّث عنه إلاّ بخير، وقد أضاف إلى ذلك أدبه الفذ ؛ فقد كان شاعرا عبقريا، له مراثٍ كثيرة في أهل البيت عليهم السلام، عثرنا منه على هذه القصيدة وكفى بها. ولو لم يكن له إلاّ هي وحدها لكانت كافية في التدليل على أنه من أكابر الشعراء وأعيانهم. توفّي رحمه الله بالتاريخ المذكور، تاركا وراءه هذه القصيدة العصماء، فهو حي بها وبأمثالها مما يوجب له الذكر الجميل، وإليكها:

في رثاء الحسين عليه السلام

أ لغير كاظمة يروق تغزّلي *** حيّ الحيا ساحاته من منزلِ

وإذا كلفت به وغصن شبيبتي *** غضّ وصبغة صبوتي لم تنصلِ

وظباه كن أوانسا لي تبتغي *** وصلي فتعمل حيلة المتوصلِ

حتى انجلى ليل الشباب وبان صبـ *** ـح الشيب فوق مفارقي كالمشعلِ

فتركنني ترك الصحيح المبتلى *** وصرمنني كصرام خيط المغزلِ

فنسيت بعدهُمُ العقيق ولعلعا *** والمنحنى وربيع دارة جلجلِ

وجذبت من يد صاحبي كفي على *** (سقط اللوى بين الدخول فحوملِ)

ولبست هيئة هاشم وخرقت سر *** بالي وطفت لمنهل من منهلِ

في صورة المتبتل المتنصل الـ *** ـمتوصل المتوسل المتوكلِ

وطلبت من كرم الكريم وسيلة *** لرضاه في حالي وفي مستقبلي

وعلمت أني كنت من أهل الغوى *** أقفو الهوى واللوع غير معوّلِ

حتى اهتديت لخير كل وسيلة *** باب النجاة ونجحة المتوسّلِ

المصطفى والمرتضى وبنوهما الـ *** أبرار خير مكبر ومهللِ

ومسبح ومقدس ومعظم *** ومعلم ومسدد ومكملِ

أهل النبوة والإمامة والكرا *** مة والشهادة والمقام الأكملِ

فعليهُمُ صلى المصلي قدرهم *** فوق المجرة والسماك الأعزلِ

وسمعت واعية الطفوف وما جرى *** فيها من الرزء العظيم المهولِ

رزء يكاد لعظم شدة هوله *** يلقي الأجنّة من بطون الحمّلِ

فلبست أثواب السواد تأسيا *** لمصابهم وحملت ما لم أحملِ

أجثو على الغبرا وأحثو تربها *** فوقي ودمع العين مثل الجدولِ

أبكى الحسين وآله في كربلا *** قتلوا على ظمأ دوين المنهلِ

ماتوا وما بلّوا حرارات الحشا *** إلاّ بطعنة ذابل أو منصلِ

يا كربلا ما أنت إلاّ كربة *** ذكراك أحزنني وساق الكرب لي

أفديه إذ وقف الجواد بأرضها *** من تحته ولغيرها لم يرحلِ

أفديه إذ قال انزلوا في أرضها *** لا تبرحوا عنها وحطوا منزلي

إذ أقبل الجيش اللهام كأنه *** قطع الغمام وجنح ليل أليلِ

خفقت كأجنحة النسور مشالة *** أعلامها يهوى الصبا والشمألِ

وزعيمه عمر بن سعد لا عدا *** ساحاته صوب العذاب المنزلِ

بأبي وبي أنصاره من حوله *** كالشهب تزهو في ظلام القسطلِ

من كل مدّرع فؤادا جلمدا *** من فوق درع كالغدير الممتلِ

أفديه وهو مخاطب أنصاره *** يدعوهُمُ بلطيف ذاك المقولِ

يا قوم من يرد السلامة فليجـ *** ـد السير قبل الصبح وليترحّلِ

أحللتكم من بيعتي وأقلتكم *** عقد الدماء وليس لي من معدلِ

فالقوم ليس لهم سوائي مطلب *** جاؤوا إليه ويقنعون بمقتلي

فالكل قال له على العيش العفا *** والمقت بعدك يا ربيع الممحلِ

أنفرّ عنك مخافة الموت الذي *** لابدّ منه لمسرع أو ممهلِ

واللّه‏ طعم الموت دونك عندنا *** حلو كطعم السلسبيل السلسلِ

فجزاهُمُ خيرا وقال ألا انهضوا *** للموت سرعا للرحيل الأولِ

فتوطّؤوا الجرد العتاق وجرّدوا الـ *** ـبيض الرقاق بسمر خط ذبلِ

من كل صوّام النهار وقائم *** جنح الظلام يزينه النسب العلي

من فوق كل أمون عثران الخطا *** صافي الطلاء مطهم ومحجلِ

ما زال صدر الدست صدر الرتبة الـ *** ـعليا وصدر الجيش صدر المحفلِ

يتطاولون كأنهم أسد على *** حمر فتنفر كالنعام الجفّلِ

ومضوا على اسم اللّه‏ بين مكبر *** ومسبح ومقدس ومهللِ

يتسابقون إلى المنون تسابق الـ *** ـهيم العطاش إلى ورود المنهلِ

حتى قضوا فرض الجهاد وصرعوا *** فوق الوهاد كشهب اُفق اُفّلِ

صلّى الإله عليهُمُ وسلامه *** وسقى ثراهم صوب كل مجلجلِ

وبقي حبيب محمد من بعدهم *** كالكف إذ جذمت بقطع المفصلِ

يلقى الرماح بصدره وجبينه *** فرد يصالي نار ذاك الجحفلِ

إن صال صال بصارم بذبابه *** صوب الردى والحتف غير مؤجّلِ

لا دارع يغني غنى عن حاسر *** كلاّ ولا من رامح عن أعزلِ

ويميل من حذر إلى خيم النسا *** كالواله المتودع المتفضلِ

يا زينب يا اُخت لمي شملهم *** وتلطّفي بصغيرهم وتكفلي

أوصي خواتك بالذي اُوصيك بالـ *** ـتقوى وبالصبر الجميل تجملي

حاشاك يا ابنة فاطم أن تمزقي *** جيبا عليّ إذا قتلت وتعولي

لا تنشري شعرا ولا أن تلطمي الـ *** ـخدين جملاً واصبري وتجمّلي

فإذا دجا الليل البهيم تنفّلوا *** للّه‏ فيه بخشية المتبتّلِ

وإذا اُصبت بحادث فتمسكي *** للّه‏ لا تهني ولا تتبدّل

فالخلق يا اُختاه آخره الفنا *** ليس الخلود إلى البقا بمحصّلِ

أين النبي المصطفى واُميَ الـ *** زهرا وأين أخي ووالدنا علي

وثنى الجواد إلى الجهاد كأنه *** أسد اُهيج على الطوى ذو أشبلِ

فأصابه سهم فخر لحينه *** عن سرجه فوق الحصى والجندلِ

وأتى له الشمر اللعين مبادرا *** وبرا وريديه ولم يتمهلِ

فارتجت السبع الشداد وسبحت *** أملاكها خوف العذاب المنزلِ

واسودّت الآفاق بعد بياضها *** والشهب غارت في الحضيض الأسفلِ

ومضى الجواد إلى الخيام محمحما *** يبكي بكاء الفاقدات الثكلِ

فخرجن نسوته الكرائم حسرا *** في صيحة توهي قواعد يذبلِ

وغدت ودائع أحمد بين العِدا *** نهبا بكفّ محرّم ومحلّلِ

للّه‏ أية محنة ومصيبة *** صبت على آل النبي المرسلِ

يا راكبا نحو الفلا سر معجلاً *** سير السحابة عند سوق الشمألِ

حتى تجوز الحرتين مباطنا *** أبيات طيبة في طريق الأعدلِ

وأنخ قلوصك عند باب المصطفى *** مستصرخا واصرخ صراخ المعولِ

وانثر بمفرقك التراب وشق جيـ *** ـبك للمصاب وقل ولّما تنزلِ

بعد الصلاة عليه والتسليم يا *** خير الورى من مرشد ومكملِ

أديت للناس الرسالة صادعا *** بالأمر في الذكر الحكيم المنزلِ

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة