شعراء القطيف (المرهون)

img

{19 } الشيخ حسن الصفواني

توفّي سنة ( 1271 ) تقريبا

هو الأديب الأريب الشيخ حسن بن صالح الصفواني القطيفي، من شعراء القرن الثالث عشر. وقد أضاف إلى أدبه وخفّة طبعه انقطاعه إلى اللّه‏ تعالى، ثم إلى أهل بيت نبيه (صلوات اللّه‏ عليهم) ؛ فقل أن يختم قصيدة من قصائده فيهم عليهم السلام إلاّ بما يدلّ على ذلك. ولم أتحصل على من يتعرف على هذا الشاعر، فيمدني بمعلومات حياته، غير أني تتبعت كثيرا من ديوانه قراءة، فلمست منها أنه ذلك التقي الورع الصالح في الرعيل الأول من رجالات الدين، وشعراء أهل البيت عليهم السلام، وأن ديوانه المرتب على حروف المعجم ليعطينا صورة عن كثير من حياته الفذّة مما عرفت. على أنه ليس وراء الانقطاع إلى اللّه‏ سبحانه شيء، وكفى به عزا شامخا وشرفا باذخا. توفّي (رحمه اللّه‏ تعالى) في التاريخ المذكور على حدّ التقريب. ومبلغ العلم أنه موجود سنة ( 1244 ) معاصر للفاضل الجشي الذي سبق ذكره.

نقتطف من ديوان المترجم هذه القصيدة العامرة؛ نظرا لاشتمالها على اسمه الكامل، وهي التي دلتنا عليه؛ لذا رجّحنا ذكرها على غيرها من خرائده (تغمده اللّه‏ برحمته ). فلنستمع إليه يقول:

في رثاء الحسين عليه السلام

لمّا على الدوح صاحت ذات أفنانِ *** غدوت اُنشد أشعاري بأفنانِ

واستأصل الحزن قلبي وانطويت على *** ألاّ اُفارق أشجاني وأحزاني

وبت مثل سليم مضّه ألم *** لم تألف الغمض طول الليل أجفاني

مضنى كأني بفرش السقم مضطجع *** أرعى الدراري لأعيان بأعيانِ

حليف وجد نحيل مدنف قلق *** فقلّ صبر عليل مؤسر عانِ

وذاك لا لظعون زمّ سائقها *** يوم الرحيل ولا قاصٍ ولا دانِ

ولا لفقد أنيس قد أنست به *** ولا لتذكار إخوان وخلاّنِ

ولا لتذكار وادي الحرّتين ولا *** دار خلت من أخلاّئي وجيراني

ولا لبعد حبيب كنت آلفه *** فبان عني وللتعريض ألجاني

ولا لدار خلت من أهلها وغدت *** سكنى الفراعل من سيد وسرحانِ

ولا فراق نديم كان مصطحبي *** في العلّ والنهل عند الشرب ندمانِ

ولا لمائسة الأعطاف كاملة الـ *** أوصاف إن خطرت تزري على البانِ

لكن أسفت على من جل مصرعه *** وأفجع الخلق من إنس ومن جانِ

أعني الحسين أبا الأ سباط أشرف من *** ناجى المهيمن في سرّ وإعلانِ

سبط النبي وفرخ الطهر فاطمة *** نجل الوصي حسين الفرقد الثاني

لهفي له حين وافى كربلا وبها *** حط المضارب من صحب وإخوانِ

مستنشقا لثراها خاطبا بهُمُ *** وهو البليغ بإيضاح وتبيانِ

هذي دياري وفيها مدفني وبها *** محطّ قبري بهذا الجدُّ أنباني

يا قوم إن طريق الأمن واضحة *** من سائر حلّ في أمن وإيمانِ

فقال كلّ كمي فارس بطل *** كالليث إن صال أردى كلّ فرسانِ

ما عذرنا يوم نلقى اللّه‏ خالقنا *** وقد تركناك فردا بين عدوانِ

فقال إن الجزا خير ومغفرة *** وأنتُمُ في جنان الخلد جيراني

ما كان إلاّ قليل إذ أتى لهُمُ *** جيش به كل ملعون وخوّانِ

فقام كلّ كمي فارس شرس *** يرجو الشهادة لا نكل ولا وانِ

كأن واحدهم في ظهر سابحه *** طود أصمّ تعالى من له بانِ

أو أنهم في الدجى شهب إذا خرقوا *** حجب العجاج أبادوا كل شيطانِ

حتى قضوا إذ قضوا حق الحسين وقد *** ماتوا ولكن بقلب غير ريانِ

وأصبح السبط موتورا لفقدهُمُ *** فردا يصالي الوغى من غير عوّانِ

يرنو المضارب يدعو بالمصائب يا *** بنت الأطائب من معد وعدنانِ

يا اُخت يا زينب يا بنت فاطمة *** اُوصيك فاستمعي يا خير نسوانِ

يا اُخت لا تسأمي إن مسكم نوب *** ولا تشقّي جيوبا بعد فقدانِ

ولا تقولي بهذا اليوم مات أخي *** فالموت حق وكل هالك فانِ

وإن شربتِ زلالاً فاذكري عطشي *** فقد قضيت بقلب غير ريّانِ

وإن تنفلت في جنح الظلام دجى *** فلتذكري حسن أورادي وقرآني

يا اُخت نجلي علي بعد مفتقدي *** خليفتي فيكمُ والإنس والجانِ

وساق للحرب طرفا كالدبور إذا *** ما صال فيهم بعزم ماله ثانِ

كأنه في الوغى بدر على ملك *** في كفه كوكب يرمي لشيطانِ

أو أنه أسد يحمي للبوته *** أو أنه الليث في جمع من الضانِ

حتى اُتيح له سهم القضا فهوى *** عن الجواد قتيلاً فوق غيطانِ

فارتجّت السبع من حزن عليه وقد *** سحت له الدمع دما أحمرا قانِ

وأصبح الدين مهضوم الجناب به *** مسربل الثوب من ذلّ ونقصانِ

يقول يا بطلاً كنا نصول به *** في كل وقت على الأعداء والشانِ

يا نور باصرتي مقدام طائفتي *** رئيس قومي ومكسي كل عريانِ

ما لي أراك رهينا في ثراك غسيـ *** ـلاً في دماك ولم تحظَ بأكفانِ

ما نلت نعشا ولا سدرا ولا كفنا *** ولم توارِك فيه كفّ خلاّنِ

هذي النساء التي قد كنت تكفلها *** فوق الرواحل تذري دمع هتانِ

من كل مستورة حوراء قد سلبت *** وقيدت في السبا ظلما بأرسانِ

وبينهن علي في الوثاق على *** ظهر النياق عليلاً خلف أشجانِ

ورأس والده من فوق ذابله *** كأنه راهب يتلو لقرآنِ

وإن به جعجع الساري وأزعجه *** يقول يا قوم إن الصبر أعياني

وإن رأى راكبا قودا مضمرة *** نادى به قف هنا واسمع لتبياني

إن جزت يثربْ أنخْ وادخل بمشهد من *** لولاه لم يغفر الرحمن للجاني

وقل أتيتك بالخطب الشنيع من الـ *** ـسامي الرفيع جليل القدر والشانِ

خلفت سبطك في الغبراء منجدلاً *** مسّربلاً بقميص أحمر قانِ

والرأس منه على الخطّي منتصب *** يسمو علوا على العليا وكيوانِ

والصالحات على عجف الجمال لها *** نوح كنوح فراخ الطير في البانِ

يا غيرة اللّه‏ ما قلب يرق لها *** تهدى إلى مدمن في الغي سكرانِ

يابن البتول ويا سبط الرسول ويا *** فحل الفحول ومن يجزي بإحسان

إني وحقك لوشاهدت يومك في *** يوم الطفوف مع الأعدا بميدانِ

ركبت طرفي وجزتُ الفرقدين به *** وصلت صولة قتّال وطعّانِ

لكن تأخّر حظّي حين أخرني *** وقتي وإلاّ فعزمي غير خوّانِ

وليس إلاّ مديحي والثناء لكم *** وهجو أعداك في سرّ وإعلانِ

جاءتك ترفل في أثواب زينتها *** تزري على نظم مرجان وعقيانِ

فما ابن صالح يرجو غير فضلكمُ *** وإنه حسن يدعى بصفوانِ

والوالدين ومن يقرا لمرثيتي *** والسامعين ومن يبكي بأحزانِ

ثم السلام عليكم ما همى مطر *** يوما وما صدحت ورْق بأغصانِ

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة