أعمال يوم العرفة من مفاتيح الجنان

img

هو يوم عرفة وهو عيد من الأعياد العظيمة وإن لم يسمّ عيداً، وهو يوم دعا الله عباده فيه إلى طاعته وعبادته وبسط لهم موائد إحسانه وجوده، والشّيطان فيه ذليل حقير طريد غضبان أكثر من أيّ وقت سواه، وروي أنّ الإمام زين العابدين صلوات الله وسلامه عليه سمع في يوم عرفة سائلاً يسأل النّاس فقال له: ويلك أتسأل غير الله في هذا اليوم وهو يوم يرجى فيه للاجنّة في الأرحام أن تعمّها فضل الله تعالى فتسعد، ولهذا اليوم عدّة أعمال:

الاوّل: الغُسل.

الثّاني: زيارة الحسين صلوات الله عليه، فإنّها تعدل ألف حجّة وألف عمرة وألف جهاد بل تفوقها، والأحاديث في كثرة فضل زيارته× في هذا اليوم متواترة، ومن وفّق فيه لزيارته (عليه السلام) والحضور تحت قبّته المقدّسة فهو لا يقلّ أجراً عمّن حضَرَ عَرفات، بل يفوقه.

الثّالث: أن يصلّي بعد فريضة العصر قبل أن يبدأ في دعوات عرفة ركعتين تحت السّماء ويقرّ لله تعالى بذنوبه ليفوز بثواب عرفات ويغفر ذنُوبه ثمّ يشرع في أعمال عرفة ودعواته المأثورة عن الحجج الطّاهرة صلوات الله عليهم، وهي أكثر من أن تذكر في هذه الوجيزة ونحن نقتصر منها بما يسعه الكتاب.

قال الكفعمي في المصباح: يستحبّ صوم يوم عرفة لمن لا يضعف عن الدّعاء والإغتسال قبل الزّوال وزيارة الحسين صلوات الله عليه فيه وفي ليلته، فإذا زالت الشّمس فأبرز تحت السّماء وصلّ الظّهرين تحسن ركوعهما وسجودهما، فإذا فرغت فصلّ ركعتين في الاُولى بعد الحمد التّوحيد وفي الثّانية بعد الحمد سورة قُل يا أيُّها الكافِرُونَ ثمّ صلّ أربعاً اُخرى في كلّ ركعة الحمد والتّوحيد خمسون مرّة.

أقول: هذه الصّلاة هي صلاة أمير المؤمنين× التي مضت في أعمال يوم الجُمعة، ثمّ قل: ما ذكره ابن طاووس في كتاب الإقبال مرويّاً عن النّبي| وهو:

سُبْحانَ الَّذي في السَّمآءِ عَرْشُهُ، سُبْحانَ الَّذي في الأرْضِ حُكْمُهُ، سُبْحانَ الَّذي في القُبوُرِ قَضآؤُهُ، سُبْحانَ الَّذي في البَحْرِ سَبيلُهُ، سُبْحانَ الَّذي في النّارِ سُلطانُهُ، سُبْحانَ الَّذي في الجَنَّةِ رَحْمَتُهُ، سُبْحانَ الَّذي في القِيامَةِ عَدْلُهُ، سُبْحانَ الَّذي رَفَعَ السَّمآءِ، سُبْحانَ الَّذي بَسَطَ الأرْضَ، سُبْحانَ الَّذي لا مَلجَأ وَلا مَنْجا مِنْهُ إلاّ إلَيْهِ. ثّم قل: سُبْحانَ اللهِ وَالحَمْدُ للهِ وَلا إلـهَ إلّا اللهُ وَاللهُ أكْبَرُ مئة مرّة، واقرأ التّوحيد مئة مرّة وآية الكرسي مئة مرّة وصلّ على محمد وآله مئة مرّة وقل: لا إلَه إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمْدُ يُحْيي وَيُميتُ وَيُميتُ وَيُحْيي وَهُوَ حَيٌّ لا يَموُتُ بِيَدِهِ الخَيْرُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَىْء قَديرٌ (عشراً) أسْتَغْفِرُ اللهَ الَّذي لا إلَه إلَّا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ وَأتوُبُ إلَيْهِ (عشراً) يا اَللهُ (عشراً) يا رَحْمنُ (عشراً) يا رَحيمُ (عشراً) يا بَديعُ السَّماواتِ وَالأرْضِ يا ذَا الجَلالِ وَالإكْرامِ (عشراً) يا حَيُّ يا قَيُّومُ (عشراً) يا حَنّانُ يا مَنّانُ (عشراً) يا لا إلَه إلَّا أنْتَ (عشراً) آمينَ (عشراً) ثمّ قل: اَللّـهُمَّ إنّي أسْألُكَ يا مَنْ هُوَ أقْرَبُ إلَيَّ مِنْ حَبْلِ الوَريدِ، يا مَنْ يَحوُلُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلبِهِ، يا مَنْ هُوَ بِالمَنْظَرِ الأعْلى وَبِالاُفُقِ المُبينِ، يا مَنْ هُوَ الرَّحْمنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوى، يا مَنْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّميعُ البَصيرُ، أسْألُكَ أنْ تُصَلِّىَ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد. وسل حاجتك تُقضى إن شاء الله تعالى.

ثمّ ادع بهذه الصّلوات التي روى عن الصادق×: إنّ من أراد أن يسرّ محمّداً وآل محمّد (عليهم السلام) فليقل في صلاته عليهم:

اَللّـهُمَّ يا أجْوَدَ مَنْ أعْطى، وَيا خَيْرَ مَنْ سُئِلَ، وَيا أرْحَمَ مَنِ اسْتُرْحِمَ اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ في الأوَّلينَ، وَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ في الآخِرينَ، وَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ في المَلأءِ الأعلَى، وَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ في المُرْسَلينَ، اَللّـهُمَّ أعْطِ مُحَمَّداً وَآلَهِ الوَسيلَةَ وَالفَضيلَةَ وَالشَّرَفَ وَالرَّفْعَةَ وَالدَّرَجَةَ الكَبيرَةَ، اَللّـهُمَّ إنّي آمَنْتُ بِمُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَلَمْ أرَهُ فَلا تَحْرِمْني في القِيامَةِ رُؤْيَتَهُ، وَارْزُقْني صُحْبَتَهُ وَتَوَفَّني عَلى مِلَّتِهِ، وَاسْقِني مِنْ حَوْضِهِ مَشْرَباً رَوِيّاً سآئِغاً هَنيئاً لا أظْمَأُ بَعْدَهُ أبَداً إنَّكَ عَلى كُلِّ شَىْء قَديرٌ، اَللّـهُمَّ إنّي آمَنْتُ بِمُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَلَمْ أرَهُ فَعَرَِّفْني في الجِنانِ وَجْهَهُ، اَللّـهُمَّ بَلِّغْ مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ مِنّي تَحِيَّةً كَثيرَةً وَسَلاماً.

ثمّ ادعُ بدعاء اُمّ داوُد وقد مرّ ذكره في أعمال رجب ثمّ سبّح بهذا التّسبيح وثوابه لا يحصى كثرة تركناه اختصاراً وهو:

سُبْحانَ اللهَ قَبْلَ كُلِّ أحَد، وَسُبْحانَ اللهِ بَعْدَ كُلِّ أحَد، وَسُبْحانَ اللهَ مَعَ كُلِّ أحًد، وَسُبْحانَ اللهَ يَبْقى رَبُّنا ويَفْنى كُلُّ وأحَد، وَسُبْحانَ اللهِ تَسْبيحاً يَفْضُلُ تَسْبيحَ المُسَبِّحينَ فَضْلاً كَثيراً قَبْلَ كُلِّ أحًد، وَسُبْحانَ اللهِ تَسْبيحاً يَفْضُلُ تَسْبيحَ المُسَبِّحينَ فَضْلاً كَثيراً بَعْدَ كُلِّ أحًد، وَسُبْحانَ اللهِ تَسْبيحاً يَفْضُلُ تَسْبيحَ المُسَبِّحينَ فَضْلاً كَثيراً مَعَ كُلِّ أحًد، وَسُبْحانَ اللهِ تَسْبيحاً يَفْضُلُ تَسْبيحَ المُسَبِّحينَ فَضْلاً كَثيراً لِرَبِّنَا الباقي وَيَفْنى كُلِّ أحًد، وَسُبْحانَ اللهِ تَسْبيحاً لا يُحْصى وَلا يُدْرى وَلا يُنْسى وَلا يَبْلى وَلا يَفْنى وَلَيْسَ لَهُ مُنْتَهى، وَسُبْحانَ اللهِ تَسْبيحاً يَدوُمُ بِدَوامِهِ وَيَبْقى بِبَقآئِهِ في سِنِي العالَمينَ وَشُهوُرِ الدُّهوُرِ وَأيّامٍ الدُّنْيا وَساعاتِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ، وَسُبْحانَ اللهِ أبَدَ الأبَدِ وَمَعَ الأبَدِ مِمّا لا يُحْصيهِ العَدَدُ وَلا يُفْنيهِ الأمَدُ وَلا يَقْطَعُهُ الأبَدُ، وَتَبارَكَ اللهُ أحْسَنُ الخالِقينَ. ثمّ قل: وَالحَمْدُ للهِ قَبْلَ كُلِّ أحًد وَالحَمْدُ للهِ بَعْدَ كُلِّ أحًد.

إلى آخر ما مرّ في التّسبيح غير انّك تقول عوض (سُبْحانَ اللهَ) (الحَمْدُ للهِ)، فإذا انتهيت إلى أحْسَنُ الخالِقينَ تعود فتقول: لا إلَه إلَّا اللهُ قَبْلَ كُلِّ أحًد إلى آخره تستبدل بـ (سُبْحانَ اللهَ) كلمة (لا إلَه إلَّا اللهُ) ثمّ تقول: وَاللهُ أكْبَرُ قَبْلَ كُلِّ أحًد إلى آخره تستبدل بـ (سُبْحانَ اللهَ) (اللهُ أكْبَرُ) ثمّ تدعو بالدّعاء اَللّـهُمَّ مَنْ تَعَبَّأَ وَتَهَيَّأَ وقد مرّ في أعمال ليلة الجمعة ثمّ ادع بما ذكره الشّيخ.

أقول: هذا دعاء يدعى به في الموقف في عرفات وهو دعاء طويل وقد أعرضنا عن ذكره، وادعُ أيضاً في هذا اليوم وأنت خاشِع بالدّعاء السّابع والأربعين من الصحيفة الكاملة وهو يحتوي على جميع مطالب الدنيا والآخرة صلوات الله على منشئها، ومن دعوات هذا اليوم المشهورات دعاء سيّد الشّهداء (عليه السلام).

روى بشر وبشير ابنا غالب الأسدي قالا: كنّا مع الحسين بن علي (عليهما السلام) عشيّة عرفة، فخرج× من فُسطاطه متذلّلاً خاشاً فجعل يمشي هوناً هوناً حتّى وقف هو وجماعة من أهل بيته وولده ومواليه في ميسرة الجبل مستقبل البيت، ثمّ رفع يديه تلقاء وجهه كاستطعام المسكين، ثمّ قال:

اَلحَمْدُ للهِ الَّذي لَيْسَ لِقَضآئِهِ دافِعٌ، وَلا لِعَطائِهِ مانِعٌ، وَلا كَصُنْعِهِ صُنْعُ صانِع، وَهُوَ الجَوادُ الواسِعُ، فَطَرَ أجْناسَ البَدائِعِ، وأتْقَنَ بِحِكْمَتِهِ الصَّنائِعَ، لا تَخْفى عَلَيْهِ الطَّلائِعُ، وَلا تَضيعُ عِنْدَهُ الوَدائِعُ، جازى كُلِّ صانِع، وَرائِشُ كُلِّ قانع، وَراحِمُ كُلِّ ضارِع، وَمُنْزِلُ المَنافِعِ وَالكِتابِ الجامِعِ، بِالنُّورِ السّاطِعِ، وَهُوَ لِلدَّعَواتِ سامِعٌ، وَلِلكُرُباتِ دافِعٌ، وَلِلدَّرَجاتِ رافِعٌ، وَلِلجَبابِرَةِ قامِعٌ، فَلا إلهَ غَيْرُهُ، وَلا شَىءَ يَعْدِلُهُ، وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ، وَهُوَ السَّميعُ البَصيرُ، اللَّطيفُ الخَبيرُ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَىء قَديرٌ، اَللّهُمَّ إنّي أرْغَبُ إلَيْكَ، وَأشْهَدُ بِالرُّبُوبِيَّةِ لَكَ، مُقِرّاً بِأنَّكَ رَبّي، إلَيْكَ مَرَدّي، إبْتَدَأتَني بِنِعْمَتِكَ قَبْلَ أنْ أكُونَ شَيْئاًمَذكوراً، وَخَلَقْتَني مِنَ التُّرابِ، ثُمَّ اَسْكَنْتَنِي الأصْلابَ، آمِناً لِرَيْبِ المَنُونِ، وَاخْتِلافِ الدُّهُورِ والسِّنينَ، فَلَمْ أزَل ظاعِناً مِنْ صُلب إلى رَحِم، في تَقادُم مِنَ الأيّامِ الماضِيَةِ، وَالقُرُونِ الخالِيَةِ، لَمْ تُخْرِجْني لِرَأفَتِكَ بي، وَلُطْفِكَ لي، وَإحْسانِكَ إلَيَّ، في دَوْلَةِ أئِمَّةِ الكُفْرِ الَّذينَ نَقَضُوا عَهْدَكَ، وَكَذَّبُوا رُسُلَكَ، لكِنَّكَ أخْرَجْتَني للَّذي سَبَقَ لي مِنَ الهُدى، الَّذي لَهُ يَسَّرْتَني، وَفيهِ أنْشَأتَني، وَمِنْ قَبْلِ رَؤُفْتَ بي بِجَميلِ صُنْعِكَ، وَسَوابِغِ نِعَمِكَ، فابْتَدَعْتَ خَلقي مِنْ مَنِي يُمْنى، وَأسْكَنْتَني في ظُلُمات ثَلاث، بَيْنَ لَحْم وَدَم وَجِلد، لَمْ تُشْهِدْني خَلقي، وَلَمْ تَجْعَل إلَيَّ شَيْئاً مِنْ أمْري، ثُمَّ أخْرَجْتَني لِلَّذي سَبَقَ لي مِنَ الهُدى إلى الدُّنْيا تآمّاً سَوِيّاً، وَحَفِظْتَني في المَهْدِ طِفْلاً صَبِيّاً، وَرَزَقْتَني مِنَ الغِذآءِ لَبَناً مَرِيّاً، وَعَطَفْتَ عَلَي قُلُوبَ الحَواضِنِ، وَكَفَّلتَنِي الاُمَّهاتِ الرَّواحِمَ، وَكَلاْتَني مِنْ طَوارِقِ الجآنِّ، وَسَلَّمْتَني مِنَ الزِّيادَةِ وَالنُّقْصانِ، فَتَعالَيْتَ يا رَحيمُ يا رَحْمنُ، حتّى إذا اسْتَهْلَلتُ ناطِقاً بِالكَلامِ، أتْمَمْتَ عَلَي سَوابِغَ الأنْعامِ، وَرَبَّيْتَني آيِداً في كُلِّ عام، حَتّى إذا اكْتَمَلَتْ فِطْرَتي، وَاعْتَدَلَتْ مِرَّتي، أوْجَبْتَ عَلَي حُجَتَّكَ، بِأنْ ألهَمْتَني مَعْرِفَتَكَ، وَرَوَّعْتَني بِعَجايِبِ حِكْمَتِكَ، وَأيْقَظْتَني لِما ذَرَأتَ في سَمآئِكَ وَأرْضِكَ مِنْ بَدائِعِ خَلقِكَ، وَنَبَّهْتَني لِشُكْرِكَ، وَذِكْرِكَ، وَأوجَبْتَ عَلَي طاعَتَكَ وَعِبادَتَكَ، وَفَهَّمْتَني ما جاءَتْ بِهِ رُسُلُكَ، وَيَسَّرْتَ لي تَقَبُّلَ مَرْضاتِكَ، وَمَنَنْتَ عَلَي في جَميعِ ذلِكَ بِعَونِكَ وَلُطْفِكَ، ثُمَّ إذ خَلَقْتَني مِنْ خَيْرِ الثَّرى، لَمْ تَرْضَ لي يا إلهي نِعْمَةً دُونَ اُخرى، وَرَزَقْتَني مِنْ أنواعِ المَعاشِ، وَصُنُوفِ الرِّياشِ بِمَنِّكَ العَظيمِ الأعْظَمِ عَلَي، وَإحْسانِكَ القَديمِ إلَيَّ، حَتّى إذا أتْمَمْتَ عَلَي جَميعَ النِّعَمِ، وَصَرَفْتَ عَنّي كُلَّ النِّقَمِ، لَمْ يَمْنَعْكَ جَهْلي وَجُرْأَتي عَلَيْكَ أنْ دَلَلتَني إلى ما يُقَرِّبُني إلَيْكَ، وَوفَّقْتَني لِما يُزْلِفُني لَدَيْكَ، فَإنْ دَعْوَتُكَ أجَبْتَني، وَإنْ سَأَلتُكَ اَعْطَيْتَني، وَإنْ أطَعْتُكَ شَكَرْتَني، وَإنْ شَكَرْتُكَ زِدْتَني، كُلُّ ذلِكَ إكْمالٌ لِأنْعُمِكَ عَلَي، وَإحْسانِكَ إلَيَّ، فَسُبْحانَكَ سُبْحانَكَ، مِنْ مُبْدِئ مُعيد، حَميد مجيد، تَقَدَّسَتْ أسْمآؤُكَ، وَعَظُمَتْ آلاؤُكَ، فَأَي نِعَمِكَ يا إلهي اُحْصى عَدَداً وَذِكْراً، أمْ أي عَطاياكَ أَقُومُ بِها شُكْراً، وَهِي يا رَبِّ أكْثرُ مِنْ أنْ يُحْصِيَهَا العآدّوُنَ، أَوْ يَبْلُغَ عِلماً بِهَا الحافِظُونَ، ثُمَّ ما صَرَفْتَ وَدَرَأْتَ عَنّي اَللّهُمَّ مِنَ الضُرِّ وَالضَّرّآءِ، أَكْثَرَ مِمّا ظَهَرَ لي مِنَ العافِيَةِ وَالسَّرّآءِ، وَأنَا أشْهَدُ يا إلهي بِحَقيقَةِ ايماني، وَعَقْدِ عَزَماتِ يَقيني، وَخالِصِ صَريحِ تَوْحيدي، وَباطِنِ مَكْنُونِ ضَميري، وَعَلائِقِ مَجاري نُورِ بَصَري، وَأساريرِ صَفْحَةِ جَبيني، وَخُرْقِ مَسارِبِ نَفْسي، وَخَذاريفِ مارِنِ عِرْنَيني، وَمَسارِبِ سِماخِ سَمْعي، وَما ضُمَّتْ وَأطبَقَتْ عَلَيْهِ شَفَتاي، وَحرِكاتِ لَفظِ لِساني، وَمَغْرَزِ حَنَكِ فَمي وَفَكّي، وَمَنابِتِ أضْراسي، وَمَساغِ مَطْعَمي وَمَشْرَبي، وَحِمالَةِ اُمِّ رَأْسي، وَبُلُوغِ فارِغِ حبائِلِ عُنُقي، وَمَا اشْتَمَلَ عَليْهِ تامُورُ صَدري، وَحمائِلِ حَبْلِ وَتيني، وَنِياطِ حِجابِ قَلبي، وَأَفْلاذِ حَواشي كَبِدي، وَما حَوَتْهُ شَراسيفُ أضْلاعي، وَحِقاقُ مَفاصِلي، وَقَبضُ عَوامِلي، وَأطرافُ أنامِلي وَلَحْمي وَدَمي، وَشَعْري وَبَشَري، وَعَصَبي وَقَصَبي، وَعِظامي وَمُخّي وَعُرُوقي، وَجَميعُ جَوارِحي، وَمَا انْتَسَجَ عَلى ذلِكَ أيّامَ رَِضاعي، وَما أقلَّتِ الأرْضُ مِنّي، وَنَوْمي وَيقَظَتي وَسُكُوني وَحرَكاتِ رُكُوعي وَسُجُودي، أنْ لَوْ حاوَلتُ وَاجْتَهَدْتُ مَدَى الأعصارِ وَالأحْقابِ لَوْ عُمِّرْتُها أنْ أُؤَدِّىَ شُكْرَ واحِدَة مِنْ أَنْعُمِكَ مَا اسْتَطَعْتُ ذلِكَ إلَّا بِمَنِّكَ المُوجَبِ عَلَي بِهِ شُكْرَكَ أبَداً جَديداً، وَثَنآءً طارِفاً عَتيداً، أجَل وَلوْ حَرَصْتُ أنَا وَالعآدُّونَ مِنْ أنامِكَ، أنْ نُحْصِي مَدى إنْعامِكَ، سالِفِهِ وَآنِفِهِ ما حَصَرْناهُ عَدَداً، وَلا أحْصَيناهُ أمَداً، هَيْهاتَ أنّي ذلِكَ وَأنْتَ المخْبِرُ في كِتابِكَ النّاطِقِ، وَالنَّبَأِ الصّادِقِ، وَإنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها، صَدَقَ كِتابُكَ اَللّهُمَّ وَإنْبآؤُكَ، وَبَلَّغَتْ أنْبِيآؤُكَ وَرُسُلُكَ، ما أنْزَلتَ عَلَيْهِمْ مِنْ وَحْيِكَ، وَشَرَعْتَ لَهُمْ وَبِهِمْ مِنْ دينِكَ، غَيْرَ أنّي يا إلهي أشْهَدُ بِجَُهْدى وَجِدّي، وَمَبْلَغِ طاعَتي وَوُسْعي، وَأَقُولُ مُؤْمِناً مُوقِناً، اَلحَمْدُ للهِ الَّذي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً فَيَكُونَُ مَوْرُوثاً، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَريكٌ في مُلكِهِ فَيُضآدَُّهُ فيَما ابْتَدَعَ، وَلا وَلِي مِنَ الذُّلِّ فَيُرْفِدَهُ فيما صَنَعَ، فَسُبْحانَهُ سُبْحانَهُ، لَوْ كانَ فيهِما آلِهَةٌ إلَّا الله لَفَسَدَتا وَتَفَطَّرَتا، سُبْحانَ اللهِ الواحِدِ الأحًد الصَّمَدِ الَّذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أحًد، اَلحَمْدُ للهِ حَمْداً يُعادِلُ حَمْدَ مَلائِكَتِهِ المُقَرَّبينَ، وَأنْبِيآئِهِ المُرْسَلينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلى خِيَرَتِهِ مُحَمَّد خاتَمِ النَّبِيّينَ، وَآلِهِ الطَّيِبينَ الطّاهِرينَ المخلَصينَ وَسَلَّمَ.

ثمّ اندفع في المسألة واجتهد في الدّعاء، وقال وعيناه سالتا دموعاً:

اَللّهُمَّ اجْعَلني أخْشاكَ كَاُنّي أراكَ، وَأسْعِدْني بِتَقوايكَ، وَلا تُشْقِني بِمَعْصِيَتِكَ، وَخِرْلي في قَضآئِكَ، وَبارِكْ لي في قَدَرِكَ، حَتّى لا أُحِبَّ تَعْجيلَ ما أخَّرْتَ وَلا تَأخيرَ ما عَجَّلتَ، اَللّهُمَّ اجْعَل غِناي في نَفْسي، وَاليَقينَ في قَلبي، وَالإخْلاصَ في عَمَلي، وَالنُّورَ في بَصَري، وَالبَصيرَةَ في ديني، وَمَتِّعْني بِجَوارِحي، وَاجْعَل سَمْعي وَبَصَري الوارِثَيْنِ مِنّي، وَانْصُرْني عَلى مَنْ ظَلَمَني، وَأرِني فيهِ ثَاْري وَمَآرِبي، وَأقِرَّ بِذلِكَ عَيْني، اَللَّهُمَّ اكْشِفْ كُرْبَتي، وَاسْتُرْ عَوْرَتي، وَاغْفِرْ لي خَطيئَتي، وَاخْسَأْ شَيْطاني، وَفُكَّ رِهاني، وَاجَعْل لي يا إلهي الدَّرَجَةَ العُليا في الآخِرَةِ وَالاُوْلى، اَللّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ كَما خَلَقْتَني فَجَعَلتَني سَميعاً بَصيراً، وَلَكَ الحَمْدُ كَما خَلَقْتَني فَجَعَلتَني خَلقاً سَوِيّاً رَحْمَةً بي، وَقَدْ كُنْتَ عَنْ خَلقي غَنِيّاً، رَبِّ بِما بَرَأْتَنْي فَعَدَّلتَ فِطْرَتي، رَبِّ بِما أنَشَأْتَني فَأحْسَنْتَ صُورَتي، رَبِّ بِما أحْسَنْتَ إلَيَّ وَفي نَفْسي عافَيْتَني، رَبِّ بِما كَلاَتَني وَوَفَّقْتَني، رَبِّ بِما أنَعْمَتَ عَلَي فَهَدَيْتَني، رَبِّ بِما أوْلَيْتَني وَمِنْ كُلِّ خَيْر أعْطَيْتَني، رَبِّ بِما أطْعَمْتَني وَسَقَيْتَني، رَبِّ بِما أغْنَيْتَني وَأقْنَيْتَني، رَبِّ بِما أعَنْتَني وَأعْزَزْتَني، رَبِّ بِما ألبَسْتَني مِنْ سِتْرِكَ الصّافي، وَيَسَّرْتَ لي مِنْ صُنْعِكَ الكافي، صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَأعِنّي عَلى بَوائِقِ الدُّهُورِ، وَصُرُوفِ اللَّيالي وَالأيّامِ، وَنَجِّني مِنْ أهْوالِ الدُّنْيا وَكُرُباتِ الآخِرَةِ، وَاكْفِني شَرَّ ما يَعْمَلُ الظّالِمُونَ في الأرْضِ، اَللّهُمَّ ما أخافُ فَاكْفِني، وَما أحْذَرُ فَقِني، وَفي نَفْسي وَديني فَاحْرُسْني، وَفي سَفَري فَاحْفَظْني، وَفي أهْلي وَمالي فَاخْلُفْني، وَفي ما رَزَقْتَني فَبارِكْ لي، وَفي نَفْسي فَذلِّلني، وَفي أعْيُنِ النّاسِ فَعَظِّمْني، وَمِنْ شَرِّ الجِنِّ وَالإنْسِ فَسَلِّمْني، وَبِذُنُوبي فَلا تَفْضَحْني وَبِسَريرَتي فَلا تُخْزِني، وَبِعَمَلي فَلا تَبْتَِلني، وَنِعَمَكَ فَلا تَسْلُبْني، وَإلى غَيْرِكَ فَلا تَكِلني، إلهي إلى مَنْ تَكِلُني إلى قَريب فَيَقطَعُني، أمْ إلى بَعيد فَيَتَجَهَّمُني، أمْ إلى المُسْتَضْعَفينَ لي، وَأنْتَ رَبّي وَمَليكُ أمْري، أشْكُو إلَيْكَ غُرْبَتي وَبُعْدَ داري، وَهَواني عَلى مَنْ مَلَّكْتَهُ أمْري، إلهي فَلا تُحْلِل عَلَي غَضَبَكَ، فَإنْ لَمْ تَكُنْ غَضِبْتَ عَلَي فَلا اُبالي سُبْحانَكَ غَيْرَ أنَّ عافِيَتَكَ أوْسَعُ لي، فَأسْألُكَ يا رَبِّ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذي أشْرَقَتْ لَهُ الأرْضُ وَالسَّماواتُ، وَكُشِفَتْ بِهِ الظُّلُماتُ، وَصَلُحَ بِهِ أمْرُ الأوَّلينَ وَالآخِرِينَ، أنْ لا تُميتَني عَلى غَضَبِكَ، وَلا تُنْزِل بي سَخَطَكَ، لَكَ العُتْبى لَكَ العُتْبى حَتّى تَرْضى قَبْلَ ذلِك، لا إلهَ إلَّا أنْتَ، رَبَّ البَلَدِ الحَرامِ وَالمَشْعَرِ الحَرامِ، وَالبَيْتِ العَتيقِ الَّذي أحْلَلتَهُ البَرَكَةَ، وَجَعَلتَهُ لِلنّاسِ أمْنَاً، يا مَنْ عَفا عَنْ عَظيمِ الذُّنُوبِ بِحِلمِهِ، يا مَنْ أسْبَغَ النَّعْمآءَ بِفَضْلِهِ، يا مَنْ أعْطَى الجَزيلَ بِكَرَمِهِ، يا عُدَّتي في شِدَّتي، يا صاحِبي في وَحْدَتي، يا غِياثي في كُرْبَتي، يا وَلِيّي في نِعْمَتي، يا إلهي وَإلهَ آبائي إبْراهيمَ وَإسْماعيلَ وَإسْحاقَ وَيَعْقُوبَ، وَرَبَّ جَبْرَئيلَ وَميكائيلَ وَإسْرافيلَ، وَربَّ مُحَمَّد خاتَمِ النَّبِيّيينَ وَآلِهِ المُنْتَجَبينَ، مُنْزِلَ التَّوراةِ وَالإنْجيلَ، وَالزَّبُورِ وَالفُرْقانِ، وَمُنَزِّلَ كهيعص، وَطه وَيس، وَالقُرآنِ الحَكيمِ، أنْتَ كَهْفي حينَ تُعيينِي المَذاهِبُ في سَعَتِها، وَتَضيقُ بِي الأرْضُ بِرُحْبِها، وَلَوْلا رَحْمَتُكَ لَكُنْتُ مِنَ الهالِكينَ، وَأنْتَ مُقيلُ عَثْرَتي، وَلَوْلا سَتْرُكَ إيّاي لَكُنْتُ مِنَ المَفْضُوحِينَ، وَأنْتَ مُؤَيِّدي بِالنَّصْرِ عَلى أعْدآئي، وَلَوْلا نَصْرُكَ إيّاي لَكُنْتُ مِنَ المَغْلُوبينَ، يا مَنْ خَصَّ نَفْسَهُ بِالسُّمُوِّ وَالرِّفْعَةِ، فَأوْلِيآؤهُ بِعِزِّهِ يَعْتَزُّونَ، يا مَنْ جَعَلَتْ لَهُ المُلُوكُ نَيرَ المَذَلَّةِ عَلى أعْناقِهِمْ، فَهُمْ مِنْ سَطَواتِهِ خائِفُونَ، يَعْلَمُ خائِنَةَ الأعْيُنِ وَما تُخْفِى الصُّدُورُ، وَغَيْبَ ما تَأتِى بِهِ الأزْمِنَةُ وَالدُّهُورُ، يا مَنْ لا يَعْلَمُ كَيْفَ هُوَ إلَّا هُوَ، يا مَنْ لا يَعْلَمُ ما هُوَ إلَّا هُوَ، يا مَنْ لا يَعْلَم يَعْلَمُهُ، إلَّا هُوَ يا مَنْ كَبَسَ الأرْضَ عَلَى المآءِ، وَسَدَّ الهَوآءَ بِالسَّمآءِ، يا مَنْ لَهُ أكْرَمُ الأسْمآءِ، يا ذَا المَعْرُوفِ الَّذي لا يَنْقَطِعُ أبَداً، يا مُقَيِّضَ الرَّكْبِ لِيُوسُفَ في البَلَدِ القَفْرِ، وَمُخْرِجَهُ مِنَ الجُبِّ وَجاعِلَهُ بَعْدَ العُبودِيَّةِ مَلِكاً، يا رآدَّهُ عَلى يَعْقُوبَ بَعْدَ أنِ ابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الحُزْنِ فَهُوَ كَظيمٌ، يا كاشِفَ الضُّرِّ وَالبَلوى عَنْ أيُّوبَ، وَمُمْسِكَ يَدَىْ إبْرهيمَ عَنْ ذَبْحِ ابْنِهِ بَعْدَ كِبَرِ سِنِّهِ، وَفَنآءِ عُمُرِهِ، يا مَنِ اسْتَجابَ لِزَكَرِيّا فَوَهَبَ لَهُ يَحْيي، وَلَمْ يَدَعْهُ فَرْداً وَحيداً، يا مَنْ أخْرَجَ يُونُسَ مِنْ بَطْنِ الحُوتِ، يا مَنْ فَلَقَ البَحْرَ لِبَني إسْرآئيلَ فَأنْجاهُمْ، وَجَعَلَ فِرْعَوْنَ وَجُنُودَهُ مِنَ المُغْرَقينَ، يا مَنْ أرْسَلَ الرِّياحَ مُبَشِّرات بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ، يا مَنْ لَمْ يَعْجَل عَلى مَنْ عَصاهُ مِنْ خَلقِهِ، يا مَنِ اسْتَنْقَذَ السَّحَرَةَ مِنْ بَعْدِ طُولِ الجُحُودِ، وَقَدْ غَدَوْا في نِعْمَتِهِ يَأكُلُونَ رِزْقَهُ، وَيَعْبُدُونَ غَيْرَهُ، وَقَدْ حادُّوهُ وَنادُّوهُ وَكَذَّبُوا رُسُلَهُ، يا اَللهُ يا اَللهُ، يا بَدىُ يا بَديعُ، لا نِدَّلَكَ، يا دآئِماً لا نَفَادَ لَكَ، يا حَيّاً حينَ لا حَي، يا مُحْيِي المَوْتي، يا مَنْ هُوَ قآئِمٌ عَلى كُلِّ نَفْس بِما كَسَبَتْ، يا مَنْ قَلَّ لَهُ شُكْري فَلَمْ يَحْرِمْني، وَعَظُمَتْ خَطيئَتي فَلَمْ يَفْضَحْني، وَرَآني عَلَى المَعاصي فَلَمْ يَشْهَرْني، يا مَنْ حَفِظَني في صِغَرى، يا مَنْ رَزَقَني في كِبَرى، يا مَنْ أياديهِ عِنْدي لا تُحْصى، وَنِعَمُهُ لا تُجازى، يا مَنْ عارَضَني بِالخَيْرِ والإحْسانِ، وَعارَضْتُهُ بِالإساءَةِ وَالعِصْيانِ، يا مَنْ هَداني لِلإيمانِ مِنْ قَبْلِ أنْ أعْرِفَ شُكْرَ الإمْتِنانِ، يا مَنْ دَعَوْتُهُ مَريضاً فَشَفاني، وَعُرْياناً فَكَساني، وَجائِعاً فَأشْبَعَني، وَعَطْشاناً فَأرْواني، وَذَليلاً فَأعَزَّني، وَجاهِلاً فَعَرَّفَني، وَوَحيداً فَكَثَّرَني، وَغائِباً فَرَدَّني، وَمُقِلاًّ فَأغْناني، وَمُنْتَصِراً فَنَصَرَني، وَغَنِيّاً فَلَمْ يَسْلُبْني، وَأمْسَكْتُ عَنْ جَميعِ ذلِكَ فَابْتَدَأني، فَلَكَ الحَمْدُ وَالشُّكْرُ، يا مَنْ أقالَ عَثْرَتي، وَنَفَّسَ كُرْبَتي، وَأجابَ دَعْوَتي، وَسَتَرَ عَوْرَتي، وَغَفَرَ ذُنُوبي، وَبَلَّغَني طَلِبَتي، وَنَصَرَني عَلى عَدُوّي، وَإنْ أعُدَّ نِعَمَكَ وَمِنَنَكَ وَكَرائِمَ مِنَحِكَ لا اُحْصيها، يا مَوْلاي أنْتَ الَّذي مَنْنْتَ، أنْتَ الَّذي أنْعَمْتَ، أنْتَ الَّذي أحْسَنْتَ، أنْتَ الَّذي أجْمَلتَ، أنْتَ الَّذي أفْضَلتَ، أنْتَ الَّذي أكْمَلتَ، أنْتَ الَّذي رَزَقْتَ، أنْتَ الَّذي وَفَّقْتَ، أنْتَ الَّذي أعْطَيْتَ، أنْتَ الَّذي أغْنَيْتَ، أنْتَ الَّذي أقْنَيْتَ، أنْتَ الَّذي آوَيْتَ، أنْتَ الَّذي كَفَيْتَ، أنْتَ الَّذي هَدَيْتَ، أنْتَ الَّذي عَصَمْتَ، أنْتَ الَّذي سَتَرْتَ، أنْتَ الَّذي غَفَرْتَ، أنْتَ الَّذي أقَلتَ، أنْتَ الَّذي مَكَّنْتَ، أنْتَ الَّذي أعْزَزْتَ، أنْتَ الَّذي أعَنْتَ، أنْتَ الَّذي عَضَدْتَ، أنْتَ الَّذي أيَّدْتَ، أنْتَ الَّذي نَصَرْتَ، أنْتَ الَّذي شَفَيْتَ، أنْتَ الَّذي عافَيْتَ، أنْتَ الَّذي أكْرَمْتَ، تَبارَكْتَ وَتَعالَيْتَ، فَلَكَ الحَمْدُ دآئِماً، وَلَكَ الشُّكْرُ واصِباً أبَداً، ثُمَّ أنَا يا إلهي المُعَتَرِفُ بِذُنُوبي فَاغْفِرْها لي، أنَا الَّذي أسَأتُ، أنَا الَّذي أخْطَأتُ، أنَا الَّذي هَمَمْتُ، أنَا الَّذي جَهِلتُ، أنَا الَّذي غَفِلتُ، أنَا الَّذي سَهَوْتُ، أنَا الَّذِي اعْتَمَدْتُ، أنَا الَّذي تَعَمَّدْتُ، أنَا الَّذي وَعَدْتُ، وَأنَا الَّذي أخْلَفْتُ، أنَا الَّذي نَكَثْتُ، أنَا الَّذي أقْرَرْتُ، أنَا الَّذِي اعْتَرَفْتُ بِنِعْمَتِكَ عَلَي وَعِنْدي، وَأبُوءُ بِذُنُوبي فَاغْفِرْها لي، يا مَنْ لا تَضُرُّهُ ذُنُوبُ عِبادِهِ، وهُوَ الَغَنِي عَنْ طاعَتِهِمْ، وَالمُوَفِّقُ مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْهُمْ بِمَعُونَتِهِ وَرَحْمَتِه، فَلَكَ الحَمْدُ إلهي وَسيِّدي، إلهي أمَرْتَني فَعَصَيْتُكَ، وَنَهَيْتَني فَارْتَكَبْتُ نَهْيَكَ، فَأصْبَحْتُ لا ذا بَرآءَة لي فَأعْتَذِرُ، وَلاذا قُوَّة فَأنْتَصِرَُ، فَبِأي شَىء أسْتَقْبِلُكَ يا مَوْلاي، أبِسَمْعي أمْ بِبَصَري، أم بِلِساني، أمْ بِيَدي أمْ بِرِجْلي، ألَيْسَ كُلُّها نِعَمَكَ عِندي، وَبِكُلِّها عَصَيْتُكَ يا مَوْلاي، فَلَكَ الحُجَّةُ وَالسَّبيلُ عَلي، يا مَنْ سَتَرَني مِنَ الآباءِ وَالاُمَّهاتِ أنْ يَزجُرُوني، وَمِنَ العَشائِرِ وَالإخْوانِ أنْ يُعَيِّرُوني، وَمِنَ السَّلاطينِ أنْ يُعاقِبُوني، وَلَوِ اطَّلَعُوا يا مَوْلاي عَلى مَا اطَّلَعْتَ عَلَيْهِ مِنّي إذاً ما أنْظَرُوني، وَلَرَفَضُوني وَقَطَعُوني، فَها أنَا ذا يا إلهي بَيْنَ يَدَيْكَ يا سَيِّدي خاضِعٌ ذَليلٌ، حَصيرٌ حَقيرٌ، لا ذُو بَرآءَة فَأعْتَذِرَ، وَلا ذُو قُوَّة فَأنْتَصِرَُ، وَلا حُجَّة فَأحْتَجُّ، بِها، وَلا قائِلٌ لَمْ أجْتَرِحْ، وَلَمْ أعْمَل سُواً، وَما عَسَى الجُحُودُ وَلَوْ جَحَدْتُ يا مَوْلاي يَنْفَعُني، كَيْفَ وَأنّي ذلِكَ وَجَوارِحي كُلُّها شاهِدَةٌ عَلَي بِما قَدْ عَمِلتُ، وَعَلِمْتُ يَقيناً غَيْرَ ذي شَكٍّ أنَّكَ سآئِلي مِنْ عَظائِمِ الاُمُورِ، وَأنَّكَ الحَكَمُ العَدْلُ الَّذي لا تَجُورُ، وَعَدْلُكَ مُهْلِكي، وَمِنْ كُلِّ عَدْلِكَ مَهْرَبي، فَإنْ تُعَذِّبْني يا إلهي فَبِذُنُوبي بَعْدَ حُجَّتِكَ عَلَي، وَإنْ تَعْفُ عَنّي فَبِحِلمِكَ وَجُودِكَ وَكَرَمِكَ، لا إلهَ إلَّا أنْتَ سُبْحانَكَ إنّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمينَ، لا إلهَ إلَّا أنْتَ سُبْحانَكَ إنّي كُنْتُ مِنَ المُسْتَغْفِرينَ، لا إلهَ إلَّا أنْتَ سُبْحانَكَ إنّي كُنْتُ مِنَ المُوَحِّدينَ، لا إلهَ إلَّا أنْتَ سُبْحانَكَ إنّي كُنْتُ مِنَ الخائِفينَ، لا إلهَ إلَّا أنْتَ سُبْحانَكَ إنّي كُنْتُ مِنَ الوَجِلينَ، لا إلهَ إلَّا أنْتَ سُبْحانَكَ إنّي كُنْتُ مِنَ الَّراجينَ، لا إلهَ إلَّا أنْتَ سُبْحانَكَ إنّي كُنْتُ مِنَ الرّاغِبينَ، لا إلهَ إلَّا أنْتَ سُبْحانَكَ إنّي كُنْتُ مِنَ المُهَلِّلينَ، لا إلهَ إلَّا أنْتَ سُبْحانَكَ إنّي كُنْتُ مِنَ السّائِلينَ، لا إلهَ إلَّا أنْتَ سُبْحانَكَ إنّي كُنْتُ مِنَ المُسَبِّحينَ، لا إلهَ إلَّا أنْتَ سُبْحانَكَ إنّي كُنْتُ مِنَ المُكَبِّرينَ، لا إلهَ إلَّا أنْتَ سُبْحانَكَ رَبّي وَرَبُّ آبائِي الأوَّلينَ، أللّهُمَّ هذا ثَنائي عَلَيْكَ مُمَجِّداً، وَإخْلاصي بِذِكْرِكَ مُوَحِّداً، وَإقْراري بِآلائكَ مَعَدِّداً، وَإنْ كُنْتُ مُقِرّاً أنّي لَمْ اُحْصِها لِكَثْرَتِها وَسُبوغِها، وَتَظاهُرِها وَتَقادُمِها إلى حادِث، ما لَمْ تَزَل تَتَعَهَّدُني بِهِ مَعَها مُنْذُ خَلَقْتَني وَبَرَأتَني مِنْ أوَّلِ العُمْرِ، مِنَ الإغْنآءِ مِنَ الفَقْرِ، وَكَشْفِ الضُّرِّ، وَتَسْبِيبِ اليُسْرِ، وَدَفْعِ العُسْرِ، وَتَفريجِ الكَرْبِ، وَالعافِيَةِ في البَدَنِ، وَالسَّلامَةِ في الدّينِ، وَلَوْ رَفَدَني عَلى قَدْرِ ذِكْرِ نِعْمَتِكَ جَميعُ العالَمينَ مِنَ الأوَّلينَ وَالآخِرينَ،، ما قَدَرْتُ وَلاهُمْ عَلى ذلِكَ، تَقَدَّسْتَ وَتَعالَيْتَ مِنْ رَبٍّ كَريم، عَظيم رَحيم، لا تُحْصى آلاؤُكَ، وَلا يُبْلَغُ ثَنآؤُكَ، وَلا تُكافى نَعْمآؤُكَ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَأتْمِمْ عَلَيْنا نِعَمَكَ، وَأسْعِدْنا بِطاعَتِكَ، سُبْحانَكَ لا إلهَ إلَّا أنْتَ، اَللَّهُمَّ إنَّكَ تُجيبُ المُضْطَرَّ، وَتَكْشِفُ السُّوءَ، وَتُغيثُ المَكْرُوبَ، وَتَشْفِى السَّقيمَ، وَتُغْنِى الفَقيرَ، وَتَجْبُرُ الكَسيرَ، وَتَرْحَمُ الصَّغيرَ، وَتُعينُ الكَبيرَ، وَلَيْسَ دُونَكَ ظَهيرٌ، وَلا فَوْقَكَ قَديرٌ، وَانْتَ العَلِي الكَبيرُ، يا مُطْلِقَ المُكَبِّلِ الأسيرِ، يا رازِقَ الطِّفْلِ الصَّغيرِ، يا عِصْمَةَ الخآئِفِ المُسْتَجيرِ، يا مَنْ لا شَريكَ لَهُ وَلا وَزيرَ، صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَأعْطِني في هذِهِ العَشِيَّةِ، أفْضَلَ ما أعْطَيْتَ وَأنَلتَ أحًداً مِنْ عِبادِكَ، مِنْ نِعْمَة تُوليها، وَآلاء تُجَدِّدُها، وَبَلِيَّة تَصْرِفُها، وَكُرْبَة تَكْشِفُها، وَدَعْوَة تَسْمَعُها، وَحَسَنَة تَتَقَبَّلُها، وَسَيِّئَة تَتَغَمَّدُها، إنَّكَ لَطيفٌ بِما تَشاءُ خَبيرٌ، وَعَلى كُلِّ شَىء قَديرٌ، اَللَّهُمَّ إنَّكَ أقْرَبُ مَنْ دُعِي، وَأسْرَعُ مَنْ أجابَ، وَأكْرَمُ مَنْ عَفى، وَأوْسَعُ مَنْ أعْطى، وَأسْمَعُ مَنْ سُئِلَ، يا رَحمنَ الدُّنْيا والآخِرَةِ وَرحيمُهُما، لَيْسَ كَمِثْلِكَ مَسْؤولٌ، وَلا سِواكَ مَأمُولٌ، دَعَوْتُكَ فَأجَبْتَني، وَسَألتُكَ فَأعْطَيْتَني، وَرَغِبْتُ إلَيْكَ فَرَحِمْتَني، وَوَثِقْتُ بِكَ فَنَجَّيْتَني، وَفَزِعْتُ إلَيْكَ فَكَفَيْتَني، اَللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وَنَبِيِّكَ، وَعَلى آلِهِ الطَّيِّبينَ الطّاهِرينَ أجْمَعينَ، وَتَمِّمْ لَنا نَعْمآءَكَ، وَهَنِّئْنا عَطآءَكَ، وَاكْتُبْنا لَكَ شاكِرينَ، وَلإلائِكَ ذاكِرينَ، آمينَ آمينَ رَبَّ العالَمينَ، اَللّهُمَّ يا مَنْ مَلَكَ فَقَدَرَ، وَقَدَرَ فَقَهَرَ، وَعُصِي فَسَتَرَ، وَاسْتُغْفِرَ فَغَفَرَ، يا غايَةَ الطّالِبينَ الرّاغِبينَ، وَمُنْتَهى أمَلِ الرّاجينَ، يا مَنْ أحاطَ بِكُلِّ شَىء عِلماً، وَوَسِعَ المُسْتَقيلينَ رَأفَةً وَحِلماً، اَللّهُمَّ إنّا نَتَوَجَّهُ إلَيْكَ في هذِهِ العَشِيَّةِ الَّتي شَرَّفْتَها وَعَظَّمْتَها بِمُحَمَّد نَبِيِّكَ وَرَسُولِكَ، وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلقِكَ، وَأمينِكَ عَلى وَحْيِكَ، البَشيرِ النَّذيرِ، السِّراجِ المُنيرِ، الَّذي أنْعَمْتَ بِهِ عَلَى المُسْلِمينَ، وَجَعَلتَهُ رَحْمَةً لِلعالَمينَ، اَللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، كَما مُحَمَّدٌ أهْلٌ لِذلِكَ مِنْكَ يا عَظيمُ فَصَلِّ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ، المُنْتَجَبينَ الطَّيِّبينَ الطّاهِرينَ أجْمَعينَ، وَتَغَمَّدْنا بِعَفْوِكَ عَنّا، فَإلَيْكَ عَجَّتِ الأصْواتُ بِصُنُوفِ اللُّغاتِ، فَاجْعَل لَنا اَللّهُمَّ في هذِهِ العَشِيَّةِ نَصيباً مِنْ كُلِّ خَيْر تَقْسِمُهُ بَيْنَ عِبادِكَ، وَنُور تَهْدى بِهِ، وَرَحْمَة تَنْشُرُها، وَبَرَكَة تُنْزِلُها، وَعافِيَة تُجَلِّلُها، وَرِزْق تَبْسُطُهُ، يا أرْحَمَ الرّاحِمينَ، اَللَّهُمَّ اقْلِبْنا في هذَا الوَقْتِ مُنْجِحينَ مُفْلِحينَ مَبْرُورينَ غانِمينَ، وَلا تَجْعَلنا مِنَ القانِطينَ، وَلا تُخْلِنا مِنْ رَحْمَتِكَ، وَلا تَحْرِمْنا ما نُؤَمِّلُهُ مِنْ فَضْلِكَ، وَلا تَجْعَلنا مِنْ رَحْمَتِكَ مَحْرُومينَ، وَلا لِفَضْلِ ما نُؤَمِّلُهُ مِنْ عَطآئِكَ قانِطينَ، وَلا تَرُدَّنا خائِبينَ وَلا مِنْ بابِكَ مَطْرُودينَ، يا أجْوَدَ الأجْوَدينَ، وَأكْرَمَ الأكْرَمينَ، إلَيْكَ أقْبَلنا مُوقِنينَ، وَلِبَيْتِكَ الحَرامِ آمّينَ قاصِدينَ، فَأعِنّا عَلى مَناسِكِنا، وَأكْمِل لَنا حَجَّنا، وَاعْفُ عَنّا وَعافِنا، فَقَدْ مَدَدْنا إلَيْكَ أيْديَنا فَهِي بِذِلَّةِ الإعْتِرافِ مَوْسُومَةٌ، اَللَّهُمَّ فَأعْطِنا في هذِهِ العَشِيَّةِ ما سَألناكَ، وَاكْفِنا مَا اسْتَكْفَيْناكَ، فَلا كافِي لَنا سِواكَ، وَلا رَبَّ لَنا غَيْرُكَ، نافِذٌ فينا حُكْمُكَ، مُحيطٌ بِنا عِلمُكَ، عَدْلٌ فينا قَضآؤُكَ، إقْضِ لَنَا الخَيْرَ، وَاجْعَلنا مِنْ أهْلِ الخَيْرِ، اَللَّهُمَّ أوْجِبْ لَنا بِجُودِكَ عَظيمَ الأجْرِ، وَكَريمَ الذُّخْرِ، وَدَوامَ اليُسْرِ، وَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا أجْمَعينَ، وَلا تُهْلِكْنا مَعَ الهالِكينَ، وَلا تَصْرِفْ عَنّا رَأفَتَكَ وَرَحْمَتَك، يا أرْحَمَ الرّاحِمينَ، اَللّهُمَّ اجْعَلنا في هذَا الوَقْتِ مِمَّنْ سَألَكَ فَأعْطَيْتَهُ، وَشَكَرَكَ فَزِدْتَهُ، وَتابَ إلَيْكَ فَقَبِلتَهُ وَتَنَصَّلَ إلَيْكَ مِنْ ذُنُوبِهِ كُلِّها فَغَفَرْتَها لَهُ يا ذَالجَلالِ وَالإكْرامِ، اَللّهُمَّ وَنَقِّنا وَسَدِّدْنا واقْبَل تَضَرُّعَنا، يا خَيْرَ مَنْ سُئِلَ، وَيا أرْحَمَ مَنِ اسْتُرْحِمَ، يا مَنْ لا يَخْفى عَلَيْهِ إغْماضُ الجُفُونِ، َولا لَحْظُ العُيُونِ، وَلا مَا اسْتَقَرَّ في المَكْنُونِ، وَلا مَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ مُضْمَراتُ القُلُوبِ، ألا كُلُّ ذلِكَ قَدْ أحْصاهُ عِلمُكَ، وَوَسِعَهُ حِلمُكَ، سُبْحانَكَ وَتَعالَيْتَ عَمّا يَقُولُ الظّالِمُونَ عُلُوّاً كَبيراً، تُسَبِّحُ لَكَ السَّماواتُ السَّبْعُ، وَالأرَضُونَ وَمَنْ فيهِنَّ، وَإنْ مِنْ شَىء إلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ، فَلَكَ الحَمْدُ وَالمجْدُ، وَعُلُوُّ الجَدِّ، يا ذَالجَلالِ وَالإكْرامِ، وَالفَضْلِ وَالإنْعامِ، وَالأيادِي الجِسامِ، وَأنْتَ الجَوادُ الكَريمُ، الرَّؤُوفُ الرَّحيمُ، اَللَّهُمَّ أوْسِعْ عَلَي مِنْ رِزْقِكَ الحَلالِ، وَعافِني في بَدَني وَديني، وَآمِنْ خَوْفي، وَاعْتِقْ رَقَبَتي مِنَ النّارِ، اَللّهُمَّ لا تَمْكُرْ بي، وَلا تَسْتَدْرِجْني، وَلا تَخْدَعْني، وَادْرَأ عَنّي شَرَّ فَسَقَةِ الجِنِّ وَالإنْسِ.

ثمّ رفع رأسه وبصره إلى السّماء وعيناه ماطرتان كأنّهما مزادتان وقال بصوت عال:

يا أسْمَعَ السّامِعينَ، يا أبْصَرَ النّاظِرينَ، وَيا أسْرَعَ الحاسِبينَ، وَيا أرْحَمَ الرّاحِمينَ، صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد السّادَةِ المَيامينَ، وَأسْألُكَ اَللَّهُمَّ حاجَتِي الَّتي إنْ أعْطَيْتَنيها لَمْ يَضُرَّني ما مَنَعْتَني، وَإنْ مَنَعْتَنيها لَمْ يَنْفَعْني ما أعْطَيْتَني، أسْألُكَ فَكاكَ رَقَبَتي مِنَ النّارِ، لا إلهَ إلَّا أنْتَ، وَحْدَكَ لا شَريكَ لَكَ، لَكَ المُلكُ، وَلَكَ الحَمْدُ، وَأنْتَ عَلى كُلِّ شَىء قَديرٌ، يا رَبُّ يا رَبُّ.

وكان يكرّر قوله يا رَبُّ وشغل من حضر ممّن كان حوله عن الدّعاء لانفسهم واقبلوا على الاستماع له والتّأمين على دعائه، ثمّ علت أصواتهم بالبكاء معه وغربت الشّمس وأفاض النّاس معه.

أقول: إلى هنا تمّ دعاء الحسين (عليه السلام) في يوم عرفة على ما أورده الكفعمي في كتاب البلد الامين وقد تبعه المجلسي في كتاب زاد المعاد ولكن زاد السّيد ابن طاووس (رحمه الله) في الاقبال بعد يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ هذه الزّيادة:

إلهي أنَا الفَقيرُ في غِناي فَكَيْفَ لا أكُونُ فَقيراً في فَقْري، إلهي أنَا الجاهِلُ في عِلمي فَكَيْفَ لا أكُونُ جَهُولاً في جَهْلي، إلهي إنَّ اخْتِلافَ تَدْبيرِكَ، وَسُرْعَةَ طَوآءِ مَقاديرِكَ، مَنَعا عِبادَكَ العارِفينَ بِكَ عَنْ السُّكُونِ إلى عَطآء، وَاليأْسِ مِنْكَ في بَلاء، إلهي مِنّي ما يَليقُ بِلُؤُمي وَمِنْكَ ما يَليقُ بِكَرَمِكَ، إلهي وَصَفْتَ نَفْسَكَ بِاللُّطْفِ وَالرَّأْفَةِ لي قَبْلَ وُجُودِ ضَعْفي، أفَتَمْنَعُني مِنْهُما بَعْدَ وُجُودِ ضَعْفي، إلهي إنْ ظَهَرَتِ الَمحاسِنُ مِنّي فَبِفَضْلِكَ، وَلَكَ المِنَّةُ عَلَي، وَإنْ ظَهَرْتِ المَساوىُ مِنّي فَبِعَدْلِكَ، وَلَكَ الحُجَّةُ عَلَي إلهي كَيْفَ تَكِلُني وَقَدْ تَكَفَّلتَ لي، وَكَيْفَ اُضامُ وَأنْتَ النّاصِرُ لي، أمْ كَيْفَ أخيبُ وَأنْتَ الحَفِيُّ بي، ها أنَا أتَوَسَّلُ إلَيْكَ بِفَقْري إلَيْكَ، وَكَيْفَ أتَوَسَّلُ إلَيْكَ بِما هُوَ مَحالٌ أنْ يَصِلَ إلَيْكَ، أمْ كَيْفَ أشْكُو إلَيْكَ حالي وَهُوَ لا يَخْفى عَلَيْكَ، أمْ كَيْفَ اُتَرْجِمُ بِمَقالي وَهُوَ مِنَكَ بَرَزٌ إلَيْكَ، أمْ كَيْفَ تُخَيِّبُ آمالي وَهِي قَدْ وَفَدَتْ إلَيْكَ، أمْ كَيْفَ لا تُحْسِنُ أحْوالي وَبِكَ قامَتْ، إلهي ما ألطَفَكَ بي مَعَ عَظيمِ جَهْلي، وَما أرْحَمَكَ بي مَعَ قَبيحِ فِعْلي، إلهي ما أقْرَبَكَ مِنّي وَأبْعَدَني عَنْكَ، وَما أرْأفَكَ بي فَمَا الَّذي يَحْجُبُني عَنْكَ، إلهي عَلِمْتُ بِاِخْتِلافِ الآثارِ، وَتَنقُّلاتِ الأطْوارِ، أنَّ مُرادَكَ مِنّي أنْ تَتَعَرَّفَ إلَيَّ في كُلِّ شَىء، حَتّى لا أجْهَلَكَ في شَىء، إلهي كُلَّما أخْرَسَني لُؤْمي أنْطَقَني كَرَمُكَ، وَكُلَّما آيَسَتْني أوْصافي أطْمَعَتْني مِنَنُكَ، إلهي مَنْ كانَتْ مَحاسِنُهُ مَساوِي، فَكَيْفَ لا تَكُونُ مُساويهِ مَساوِي، وَمَنْ كانَتْ حَقايِقُهُ دَعاوِي، فَكَيْفَ لا تَكُونُ دَعاوِيَهِ دَعاوِي، إلهي حُكْمُكَ النّافِذُ، وَمَشِيَّتُكَ القاهِرَةُ لَمْ يَتْرُكا لِذي مَقال مَقالاً، وَلا لِذي حال حالاً، إلهي كَمْ مِنْ طاعَة بَنَيْتُها، وَحالَة شَيَّدْتُها، هَدَمَ اِعْتِمادي عَلَيْها عَدْلُكَ، بَل أقالَني مِنْها فَضْلُكَ، إلهي إنَّكَ تَعْلَمُ أنّي وَإنْ لَمْ تَدُمِ الطّاعَةُ مِنّي فِعْلاً جَزْماً فَقَدْ دامَتْ مَحَبَّةً وَعَزْماً، إلهي كَيْفَ أعْزِمُ وَأنْتَ القاهِرُ، وَكَيْفَ لا أعْزِمُ وَأنْتَ الأمِرُ، إلهي تَرَدُّدي في الآثارِ يُوجِبُ بُعْدَ المَزارِ، فَاجْمَعْني عَلَيْكَ بِخِدْمَة تُوصِلُني إلَيْكَ، كَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْكَ بِما هُوَ في وُجُودِهِ مُفْتَقِرٌ إلَيْكَ، أيَكُونُ لِغَيْرِكَ مِنَ الظُّهُورِ ما لَيْسَ لَكَ، حَتّى يَكُونَ هُوَ المُظْهِرَ لَكَ، مَتى غِبْتَ حَتّى تَحْتاجَ إلى دَليل يَدُلُّ عَليْكَ، وَمَتى بَعُدْتَ حَتّى تَكُونَ الآثارُ هِي الَّتي تُوصِلُ إلَيْكَ، عَمِيَتْ عَيْنٌ لا تَراكَ عَلَيْها رَقيباً، وَخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْد لَمْ تَجْعَل لَهُ مِنْ حُبِّكَ نَصيباً، إلهي أمَرْتَ بِالرُّجُوعِ إلى الآثارِ فَأرْجِعْني إلَيْكَ بِكِسْوَةِ الأنْوارِ، وَهِدايَةِ الاِسْتِبصارِ، حَتّى أرْجَعَ إلَيْكَ مِنْها كَما دَخَلتُ إلَيْكَ مِنْها، مَصُونَ السِّرِّ عَنِ النَّظَرِ إلَيْها، وَمَرْفُوعَ الهِمَّةِ عَنِ الاِعْتِمادِ عَلَيْها، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَىء قَديرٌ، إلهي هذا ذُلّي ظاهِرٌ بَيْنَ يَدَيْكَ، وَهذا حالي لا يَخْفى عَلَيْكَ، مِنْكَ أطْلُبُ الوُصُولُ إلَيْكَ، َوِبَكَ اسْتَدِلُّ عَلَيْكَ، فَاهْدِني بِنُورِكَ إلَيْكَ، وَأقِمْني بِصِدْقِ العُبُودِيَّةِ بَيْنَ يَدَيْكَ، إلهي عَلِّمْني مِنْ عِلمِكَ المخْزُونِ، وَصُنّي بِسِتْرِكَ المَصُونِ، إلهي حَقِّقْني بِحَقائِقِ أهْلِ القُرْبِ، وَاسْلُكْ بي مَسْلَكَ أهْلِ الجَذْبِ، إلهي أغْنِني بِتَدْبيرِكَ لي عَنْ تَدْبيري، وَبِاخْتِيارِكَ عَنِ اخْتِياري، وَأوْقِفْني عَلى مَراكِزِ اضْطِراري، إلهي أخْرِجْني مِنْ ذُلِّ نَفْسي، وَطَهِّرْني مِنْ شَكّي وَشِرْكي قَبْلَ حُلُولِ رَمْسي، بِكَ أنْتَصِرُ فَانْصُرْني، وَعَلَيْكَ أتَوَكَّلُ فَلا تَكِلني، وَإيّاكَ أسْألُ فَلا تُخَيِّبْني، وَفي فَضْلِكَ أرْغَبُ فَلا تَحْرِمْني، وَبِجَنابِكَ أنْتَسِبُ فَلا تُبْعِدْني، وَبِبابِكَ أقِفُ فَلا تَطْرُدْني، إلهي تَقَدَّسَ رِضاكَ أنْ يَكُونَ لَهُ عِلَّةٌ مِنْكَ، فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ عِلَّةٌ مِنّي، إلهي أنْتَ الغِني بِذاتِكَ أنْ يَصِلَ إلَيْكَ النَّفْعُ مِنْكَ، فَكَيْفَ لا تَكُونُ غَنِيّاً عَنّي، إلهي إنَّ القَضآءَ وَالقَدَرَ يُمَنّيني، وَإنَّ الهَوى بِوَثائِقِ الشَّهْوَةِ أسَرَني، فَكُنْ أنْتَ النَّصيرَ لي، حَتّى تَنْصُرَني وَتُبَصِّرَني، وَأغْنِني بِفَضْلِكَ حَتّى أسْتَغْنِي بِكَ عَنْ طَلَبي، أنْتَ الَّذي أشْرَقْتَ الأنْوارَ في قُلُوبِ أوْلِيآئِكَ حَتّى عَرَفُوكَ وَوَحَّدوكَ، وَأنْتَ الَّذي أزَلتَ الأغْيارَ عَنْ قُلُوبِ أحِبّائِكَ حَتّى لَمْ يُحِبُّوا سِواكَ، وَلَمْ يَلجَأوا إلى غَيْرِكَ، أنْتَ المُوْنِسُ لَهُمْ حَيْثُ أوْحَشَتْهُمُ العَوالِمُ، وَأنْتَ الَّذي هَدَيْتَهُمْ حَيْثُ اسْتَبانَتْ لَهُمُ المَعالِمُ، ماذا وَجَدَ مَنْ فَقَدَكَ، وَمَا الَّذي فَقَدَ مَنْ وَجَدَكَ، لَقَدْ خابَ مَنْ رَضِي دُونَكَ بَدَلاً، وَلَقَدْ خَسِرَ مَنْ بَغي عَنْكَ مُتَحَوِّلاً، كَيْفَ يُرْجى سِواكَ وَأنْتَ ما قَطَعْتَ الإحْسانَ، وَكَيْفَ يُطْلَبُ مِنْ غَيْرِكَ وَأنْتَ ما بَدَّلتَ عادَةَ الإمْتِنانِ، يا مَنْ أذاقَ أحِبّآءَهُ حَلاوَةَ المُؤانَسَةِ، فَقامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ مُتَمَلِّقينَ، وَيا مَنْ ألبَسَ أوْلِياءَهُ مَلابِسَ هَيْبَتِهِ، فَقامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ مُسْتَغْفِرينَ، أنْتَ الذّاكِرُ قَبْلَ الذّاكِرينَ، وَأنْتَ البادي بِالإحْسانِ قَبْلَ تَوَجُّهِ العابِدينَ، وَأنْتَ الجَوادُ بِالعَطآءِ قَبْلَ طَلَبِ الطّالِبينَ، وَأنْتَ الوَهّابُ ثُمَّ لِما وَهَبْتَ لَنا مِنَ المُسْتَقْرِضينَ، إلهي اُطْلُبْني بِرَحْمَتِكَ حَتّى أصِلَ إلَيْكَ، وَاجْذِبْني بِمَنِّكَ حَتّى اُقْبِلَ عَلَيْكَ، إلهي إنَّ رَجآئي لا يَنْقَطِعُ عَنْكَ وَإنْ عَصَيْتُكَ، كَما أنَّ خَوْفي لا يُزايِلُني وَإنْ أطَعْتُكَ، فَقَدْ دَفَعْتَنِي العَوالِمُ إلَيْكَ، وَقَدْ أوْقَعَني عِلمي بِكَرَمِكَ عَلَيْكَ، إلهي كَيْفَ أخيبُ وَأنْتَ أمَلي، أمْ كَيْفَ اُهانُ وَعَلَيْكَ مُتَكَّلي، إلهي كَيْفَ أسْتَعِزُّ وَفِي الذِّلَّةِ أرْكَزْتَني، أمْ كَيْفَ لا أسْتَعِزُّ وَإلَيْكَ نَسَبْتَني، إلهي كَيْفَ لا أفْتَقِرُ وَأنْتَ الَّذي فِي الفُقَرآءِ أقَمْتَني، أمْ كَيْفَ أفْتَقِرُ وَأنْتَ الَّذي بِجُودِكَ أغْنَيْتَني، وَأنْتَ الَّذي لا إلهَ غَيْرُكَ تَعَرَّفْتَ لِكُلِّ شَىء فَما جَهِلَكَ شَىءُ، وَأنْتَ الَّذي تَعَرَّفْتَ إلَيَّ في كُلِّ شَىء، فَرَأيْتُكَ ظاهِراً في كُلِّ شَىء، وَأنْتَ الظّاهِرُ لِكُلِّ شَىء، يا مَنِ اسْتَوى بِرَحْمانِيَّتِهِ فَصارَ العَرْشُ غَيْباً في ذاِتِهِ، مَحَقْتَ الآثارَ بِالآثارِ، وَمَحَوْتَ الأغْيارَ بِمُحيطاتِ أفْلاكِ الأنْوارِ، يا مَنِ احْتَجَبَ في سُرادِقاتِ عَرْشِهِ عَنْ أنْ تُدْرِكَهُ الأبْصارُ، يا مَنْ تَجَلّى بِكَمالِ بَهآئِهِ، فَتَحَقَّقتْ عَظَمَتُهُ مَنْ الإسْتِوآءَ، كَيْفَ تَخْفى وَأنْتَ الظّاهِرُ، أمْ كَيْفَ تَغيبُ وَأنْتَ الرَّقيبُ الحاضِرُ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَىء قَدير، وَالحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ.

وعلى أيّ حال فقد وردت ادعية وأعمال كثيرة في هذا اليوم لمن وفّق فيه لحضور عرفات وأفضل أعمال هذا اليوم الشّريف الدّعاء وهو قد امتاز بالدّعاء امتيازاً وينبغي الأكثار فيه من الدّعاء للاخوان المؤمنين أحياءً وأمواتاً، والرّواية الواردة في شأن عبد الله بن جندب (رحمه الله) في الموقف بعرفات ودعاؤه لاخوانه المؤمنين مشهورة، ورواية زيد النرسي في شأن الثّقة الجليل معاوية بن وهب في الموقف ودعاؤه في حقّ إخوانه في الآفاق واحداً واحداً وروايته عن الصّادق (عليه السلام) في فضل هذا العمل فيما ينبغي الاطّلاع عليه والتدبّر فيه، والرّجاء الواثق من إخواني المؤمنين أن يجعلوا هؤلاء العظماء قدوة يقتدون بهم فيؤثرون على أنفسهم اخوانهم المؤمنين بالدّعاء ويعدونني في زمرتهم، وأنا العاصي الذي سوّدت وجهي الذّنوب فلا ينسُوني من الدّعاء حيّاً وميّتاً، واقرأ في هذا اليوم الزّيارة الجامعة الثّالثة وقل في آخر نهار عرفة: يا رَبِّ انَّ ذُنُوبي لا تَضُرُّكَ، وَإنَّ مَغْفِرَتَكَ لي لا تَنْقُصُكَ، فَأعْطِني ما لا يَنْقُصُكَ، وَاغْفِرْ لي ما لا يَضُرُّكَ وقل أيضاً: اَللّـهُمَّ لا تَحْرِمْني خَيْرَ ما عِنْدَكَ لِشَرِّ ما عِنْدي فَإنْ أنْتَ لَمْ تَرْحَمْني بِتَعَبي وَنَصَبي فَلا تَحْرِمْني أجْرَ المُصابِ عَلى مُصيبَتِهِ.

قال السّيد ابن طاووس في خلال أدعية يوم عرفة: إذا دنا غروب الشّمس فقُل: بِسْمِ اللهِ وَبِاللهِ وَسُبْحانَ اللهِ وَالحَمْدُ للهِ الدّعاء ، وهذا هو دعاء العشرات السّالف فجدير أن لا يترك في آخر نهار عرفة قراءة دعاء العشرات المسنون في كلّ صباح ومساء، وهذه الأذكار التي أوردها الكفعمي هي الأذكار الواردة في آخر دعاء العشرات كما أورده السّيد (رحمه الله).

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة