سورة التوحيد

img

مصطفى آل مرهون

﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ

سميت سورة التوحيد لأنه ليس فيها إلا التوحيد. وكلمة التوحيد تسمى كلمة الإخلاص، وقيل إنها سميت بذلك لأن من تمسك بما فيها اعتقاداً واقراراً كان مؤمناً مخلصاً. وقيل لأن من قرأها على سبيل التعظيم أخلصه الله من النار أي أنجاه منها.

فضلها

في حديث أبي من قرأها فكأنما قرأ ثلث القرآن، واُعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من آمن بالله وملائكته وكتبه واليوم الآخر. وجاء رجل إلى الرسول‘ فشكى إليه الفقر وضيق المعاش. فقال له الرسول: «إذا دخلت بيتك فسلّم إن كان فيه أحد، وإن لم يكن فيه أحد، فسلِّم واقرأ قل هو الله احد مرة واحدة» ففعل الرجل، فأفاض الله عليه رزقاً حتى أفاض على جيرانه. وعنه‘: «من كان يؤمن بالله، واليوم الآخر فلا يدع أن يقرأ في دبر الفريضة بقل هو الله أحد؛ فإنه من قرأها جمع له خير الدنيا والآخرة، وغفر الله له ولوالديه وما ولد».

وهذه السورة تصفه تعالى بأحدية الذات ورجوع ما سواه إليه في جميع حوائجه الوجودية من دون أن يشاركه شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله وهو التوحيد القرآني الذي يختص به القرآن الكريم ويبني عليه جميع المعارف الإسلامية.

* ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾، أحد وصف مأخوذٍ من الوحدة كالواحد، غير أن الأحد إنما يطلق على ما لا يقبل الكثرة لا خارجاً ولا ذهناً، ولذلك لا يقبل العد ولا يدخل في العدد بخلاف الواحد، فإن كل واحد له ثانياً وثالثاً إما خارجاً وإما ذهناً بتوهم أو بفرض العقل، فيصير بانضمامه كثيراً، وأما الأحد فكل ما فرض له ثانياً كان هو هو لم يزد عليه شيء.

واعتبر في ذلك في قولك ما جاءني من القوم أحد، فإنك تنفي جهة مجيء واحد منهم، بخلاف ما لو قلت ما جاءني واحد منهم، فإنك إنما تنفي مجيء واحد منهم بالعدد، ولا ينافيه اثنين منهم أو أكثر، ولإفادته هذا المعنى لا يستعمل في الإيجاب مطلقاً إلا فيه تعالى.

﴿اللهُ الصَّمّدُ﴾ الأصل في معنى الصمد القصد أو القصد مع الاعتماد عليه. وقد فسّروا الصمد وهو صفة بمعاني متعددة مرجع أكثرها إلى أنه السيد المصمود إليه، أي المقصود في الحوائج.

﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ المُنتَهَى﴾([1]) ﴿أَلَا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾([2]).

والآيتان مع ذلك تصفانه تعالى بصفة الذات وصفة الفعل جميعاً، فقوله: ﴿اللهُ أَحَدٌ﴾ يصفه بالأحدية التي هي عين الذات. وقوله: ﴿اللهُ الصَّمّدُ﴾ يصفه بانتهاء كل شيء إليه وهو من صفات الفعل.

وقيل: الصمد بمعنى المصمت الذي ليس بأجوف، فلا يأكل ولا يشرب ولا ينام ولا يلد ولا يولد، وعلى هذا يكون قوله تعالى: ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾ تفسيراً للصمد. وكان محمد ابن الحنفية  يقول: «الصمد القائم بنفسه الغني عن غيره».

* ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ الآيتان الكريمتان تنفيان عنه أن يلد شيئاً بتجزية في نفسه، فينفصل عنه شيء سنخه بأي معنى اُريد من الانفصال والاشتقاق كما يقول به النصارى في المسيح أنه ابن الله، وكما يقول الوثنية في بعض آلهتهم أنهم أبناء الله سبحانه.

وتنفيان عنه أن يكون متولداً من شيء آخر ومشتقاً منه بأي معنى اُريد من الاشتقاق، كما يقول الوثنية، ففي آلهتهم من هو إله أبو إله وإله وأم إله وإله وابن إله.

وتنفيان أن يكون له كفؤ يعدله في ذاته أو في فعله، وهو الإيجاد والتدبير، ولم يقل أحد من الملين وغيرهم بالكفؤ الذاتي بأن يقول بتعدٍ واجب الوجود عز اسمه، وأما الكفؤ في فعله وهو التدبير فقد قيل به كآلة الوثنية من البشر كفرعون ونمرود من المدعين الإلوهية، وملاك الكفاءة عندهم استقلال من يرون الوهيته في تدبير ما فوّض إليه تدبيره، كما أنه تعالى مستقل في تدبير من يدبره، وهم الأرباب والإله، وهو رب الأرباب وإله الآله، وفي معنى كفاءة هذا النوع من الإله ما يفرض من استقلال الفعل في شيء من الممكنات وأنه كفاءة مرجعها استغنائه عنه تعالى، وهو محتاج من كل جهة والآية تنفيها.

وهذه الصفات الثلاث المنفية وإن أمكن تفريع نفيها على صفة أحديته تعالى بوجه لكن الأسبق إلى الذهن تفرّعها على صفة صمديته.

أما كونه لم يلد، فإن الولادة التي هي نوع من التجزء والتبعيض بأي معنى فسّرت لا تخلو من تركيب فيمن يلد، وحاجة المركب إلى أجزائه ضرورية، والله سبحانه صمد ينتهي إليه كل محتاج في حاجته ولا حاجة له. وأما كونه لم يولد، فإن تولّد شيء من شيء لا يتم إلا مع حاجة من المتولد إلى ما ولد منه في وجوده، وهو صمد لا حاجة له. وأما أنه لا كفؤ له فلأن الكفؤ سواء فرض كفواً له في ذاته أو في فعله لا تتحقق كفاءته إلا مع استقلاله واستغنائه عنه تعالى فيما فيه الكفاءة والله سبحانه صمد على الإطلاق يحتاج إليه كل من سواه من كل جهة مفروضة.

وإنه ليس له ضد ولاند، ومن غالب الله يغلب، ففرعون قتل من بني إسرائيل ثلاثين ألف طفل قراراً مما أخبر به منجموه أنه يولد مولود يكون على يده زوال ملكه وذهاب سلطانه ولكن لم يستطع ما أمر الله وفرض عليه أن يكون هو المربي.

______________

([1]) النجم: 42.

([2]) الأعراف: 54.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة