الله هو الخالق للكون

img

مصطفى آل مرهون

“وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ”

قد حامت الشبهة حول الخالق منذ الأزمان السحيقة، واحتدم النزاع في إثباتها قبل عصر نوح، وهو لم ينته بعد إلى وفاق بين البشرية.

ومن خلال البديهة يكفي في الإيمان بها تصور طرفيها، فإن المذهب العقلي يقسم القضايا التصديقية إلى قسمين:

1ـ قضايا بديهية وقضايا نظرية. والبديهية هي التي لا يتطلب الإيمان بها والتصديق بمضمونها كسباً ونظراً، بل يبادر العقل إلى تصديقها من دون دليل مثل قضية: (الكل أكبر من جزئه)، فإذا تصورنا موضوع القضية الكل ومحمولها أعظم من جزئه وتوجهنا إلى الارتباط بين طرفيها حصل لنا الجزم بصدقها من دون دليل.

نعم إن هذه القضية تمتاز عن أمثالها من القضايا النظرية بالوضوح والجلاء في مقام الإثبات إلى حد لا يعسر على كل ذي عقل أن يتوصل إلى الإيمان بها من أعلى الناس إدراكاً إلى أدناها.

فالأعرابي مع بعده عادة عن إدراك المعارف الدقيقة عندما يسأل: هل رأيت ربك فآمنت به؟ يجيب فوراً: كيف أعبد رباً لم أره! كيف رأيته؟ يجيب: البعرة تدل على البعير وأثر الأقدام يدل على المسير، أفسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج أفلا يدلان على اللطيف الخبير، ومثله عن علي× وشواهد اُخرى وشاهد العجوز حق اليقين.

ولكن مثل هذه الأجوبة لا تثبت بداهة القضية ما دامت الإجابة تضمنت استدلالاً على الإثبات بالانتقال من وجود الأثر إلى مؤثره، وهذا يعني الإيمان بوجود المحدث بعد الإيمان بوجود الحادث إستناداً إلى قانون السببية والحتمية، غاية الأمر أن صياغة الدليل لم ترد على الصيغة المنطقية، والمسألة لا تحتاج إلى عديد من المقدمات.

وسواء قلت أنه خطر على ربط المسبب بالسبب كما هو مذهب العقليين أو أنه جرب الحياة فأثبتت تجاربه المعلولات بعللها كما يقول التجريبيون فإن الإنسان جازم منذ البداية بأن حصول أي حدث وأي تغير يحتاج إلى ما يحدثه في الخارج.

لهذا الوضوح في هذا المبدأ وجدنا الأعرابي قد استخدمه في إثبات صانع الكون ولكنه انتقل بالسائل مما يعرفه من الاُمور المترابطة بمبدأ العلة والمعلول، انتقل من البعرة وهي أهون الموجودات ومع ذلك لا يصدق أحد بأنها وجدت دون بعير دون سبب في وجودها، فكيف بوجود الكون بدون علة في الإيجاد مع هذه العظمة!

وهكذا نجد هذه القضية قد احتضنتها العقول من بدائيين إلى علماء؛ لذا تعددت طرق الإثبات لدى المؤمنين بها، فنتناول من تلك الطرق:

1ـ دليل الحدوث: وهو في الاصطلاح صفة للشيء المسبوق بالعدم أو بالغير، فمثال الحادث المسبوق وجوده بالعدم أصل العالم ذرات أو طاقات، ومثال الحادث المسبوق بالغير تحولات الموجودات المادية، فالإنسان حادث من تحولات الحويمنات أو ما قبلها، وهي أو ما قبلها من الحالات غير الإنسان، فوجوده مسبوق بالغير ويقابل الحدوث وصف الأزلية من باب تقابل الضدين، وقد تقدم أن معنى الأزلية صفة للشيء الذي لا بداية لوجوده، وعليه فلم يكن وجود الأزلي مسبوقاً بالعدم أو بالغير.

فالحادث ما كان وجوده مسبوقاً بالعدم أو بالغير أو الأزلي ما لم يكن وجوده مسبوقاً بالعدم أو بالغير، وكل موجود إما حادث وإما أزلي، وهما نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان، والعالم حادث، والحادث المسبوق بعدم لا يمكن أن يوجد صدفة، فما يسعنا إلا استنتاج خلق العالم من قبل علة أوجدته.

2ـ دليل النظام: وهو مصدر نظم، ونعني به هنا الائتلاف بين الأشياء باتساق وترتيب بحيث يؤدي مهمة معينة ويقابل هذا المعنى (الفوضى).

فالمعماري رتب أجزاء البناء لتكوين دار، ومواد المذياع رتبها الصانع لسحب الأصوات التي ترسلها محطات الإرسال، وهكذا… ومقومات النظام:

1ـ تحقيق المهام كإمكان السكنى.

2ـ استمرارية أداء تلك المهمة أو المهام ما دام ذلك النظام موجوداً بالفعل أو بالقوة.

والنتيجة أن لكل نظام منظم خاصة كلما ازداد تعقيداً، فمن السفه أن نعتبر المذياع أو العقل الالكتروني أو الصاروخ قد وجد ونظم صدفة أو بدون علم وإدراك من منظمه، بل من الفن أن لا نعترف لمنظمه بالحكمة والعبقرية والإبداع.

قال الديصاني للصادق×: دلني على معبودي. وإذا غلام له صغير وفي كفه بيضة يلعب بها، فقال×: «ناولني يا غلام البيضة» فقال عليه السلام: «يا ديصاني، هذا حصن مكنون له جلد غليظ، وتحت الجلد الرقيق ذهبة مايعة وفضة ذائبة، فلا الذهبة المايعة تختلط بالفضة الذائبة ولا الفضة الذائبة تختلط بالذهبة المايعة، فهي على حالها لم يخرج منها خارج مصلح فيخبر عن صلاحها، ولا دخل فيها داخل فيخبر عن فسادها، لا يدري للذكر خلقت أم الاُنثى تنفلق عن مثل ألوان الطوويسي، أترى لها مدبر؟» فأطرق رأسه ملياً ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإني تائب مما كنت فيه.

     

فوا عجبا كيف يعصى الإله *** أم كيف يجحده الجاحد وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه واحد ولله في كل تحريكة *** وتسكينة أبداً شاهد

أما الكفر، فهو مفروغ منه والحمد لله، أما المعاصي فكما ترى الحال أن بعض من يتسمى بالإسلام يعصي الله على أيسر يسير من حطام الدنيا.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة