الفطرة دليل الإيمان ـ 2
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ﴾(الحج / 8).
غير أن نظرية (لنج) هذه بقيت في مجموعها غير مسلّم بها حتى ظهور المنهج التأريخي في علم الأجناس، وقد وافق هذا المنهج على كثير من النتائج التي انتهى إليها لنج، وقد اعضدت أقوال، بإيمان أثبتت أن أقدم القبائل تعتقد بوجود خالق، وقد سبق القرآن الكريم العلم وقرر هذه الحقيقة بقوله تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾([1]).
وتعني كلمة الفطرة عند تعميمها وإطلاقها غريزة في داخل الإنسان تقبل الخير حين تعلم أنه خير وتلتزمه لا لشيء إلا لأنه الخير، يجب أن يقبل ويلتزم، وترفض الشر كذلك، هذا إذا خلي الإنسان وفطرته التي فطره الله عليها ولم تدنسها العادات والتقاليد وتلوثها الأهواء والأغراض.
وقد ضرب العلامة الحلي مثالاً لهذه الغريزة بقوله: «لو خيّر العاقل بين أن يصدق ويعطي ديناراً وبين أن يكذب ويعطي ديناراً لتخير الصدق على الكذب». وهذه الغريزة هي التي خاطبها الله أو خاطب أربابها بقوله: ﴿أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى﴾([2]). أما كلمة حنيف هنا فإنها تعني من استقام على فطرة الله التي فطر الناس عليها مبتدأاً عما يدنسها من الأهواء والأغراض، فيكون بذلك مقراً موحداً لله؛ لأن أساس الفطرة الأعتقاد بخالق الكون، فإذا انفرد الإنسان بنفسه حكم بأنه مخلوق لإله قادر حكيم خلقه وأنعم عليه.
﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾([3])، وهذا القول حق، فإنه لا يعلم أن الدين فطرة في النفس إلا أفراد ممن وقفوا أنفسهم على الأيمان العلمية في نشأة الدين وأثره في النفس. وقد زاد الرسول | هذا المعنى بقوله في القدسي: «كل عبادي خلقت حنفاء فاجتالتهم (أي أدارتهم) الشياطين عن دينهم وأمروهم أن يشركوا بي غيري». وما يدل أيضاً على أن الإيمان بالله أمر فطري استنجاده بمن هو أسمى منه وأقوى وأعظم، وقد أقر القرآن هذه الحقيقة في أكثر من موضع: ﴿وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ﴾([4])، ﴿وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾([5]).
فالنفس تدرك وجود الله بفطرتها، وترجع إليه في الشدائد تستمد منه العون وتطلب منه النجدة.
ووجود الصانع فطري حتى في البهائم والحيوانات فضلاً عن الإنسان، ففي الحديث أن سليمان بن داود خرج يستقي، فمر بنملة ملقاة على ظهرها رافعة قوائمها إلى السماء وهي تقول: «اللهم إنا خلق من خلقك ولا غنى بنا عن رزقك فلا تهلكنا بذنوب غيرنا». فقال سليمان: «ارجعوا فقد سقيتم بغيركم».
ويقرر علي× على انه ولد على الفطرة في قوله: «ألا إنه سيأمركم بسبي والبراءة مني، فأما السب فسبوني وأما البراءة فلا تتبرؤوا مني فإني ولدت على الفطرة وسبقت إلى الإيمان والهجرة.
_______________