التقليد في العقائد

مصطفى آل مرهون
(وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون) البقرة: ١٧٠.
(لهم) الضمير يعود على من قلد الآخرين بلا برهان ودليل، وتجنب العقائد الحقة لمجرد قول الآباء والأجداد. (ما أنزل الله) من آيات بينات لتنقذ الناس من الظلمات إلى النور. (أولو كان آبائهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون) الهمزة للتوبيخ، والواو للحال، والمعنى: جواب عن قولهم، وبيان أنه قول بغير علم ولا تبين، وينافيه وينبذه صريح العقل. فإن قولهم: (بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا) قول مطلق. أي نتبع آباءنا على أي حال، وعلى أي وصف كانوا، حتى ولو لم يعلموا شيئا ولم يهتدوا، وأن ما فعلوه حق حتى لو لم يعلموا شيئا ولم يكونوا على الهدى. وهذا هو القول بغير علم، وبما لا يقول به عاقل، أما لو اتبعوا آبائهم فيما علموه واهتدوا فيه، وهم يعلمون أنهم علموا واهتدوا فيه، لم يكن من قبيل الاهتداء بغير علم. وهذا يعني أن غير المقبول هو التقليد في الضلال، أما التقليد في الهدى فهو غير ممقوت ولا ممنوع بل هو من القدوة الحسنة.
أنواع التقليد
يختلف التقليد بختلاف أنواعه وهي: النوع الأول: التقليد النفسي والغريزي، وإنما هو لمجرد مجاراة الآخرين ومتابعتهم، فتجد أن واحدا يصفق لخطيب أو شاعر فيصفق الآخرون حتى ولو لم يتوجهوا إليه أو يفهموه، وهذا خارج عن إرادة الإنسان وشعوره.
النوع الثاني: مجارات الإنسان لغيره في لباسه ومجاملاته، إلى غير ذالك مما عليه الكثيرون، وحسن هذا وقبحه راجع لما يراه الناس.
النوع الثالث: التقليد في العلوم الدنيوية. كالطبابة والهندسة وغير ذالك، حيث يعود الإنسان لغيره من أهل الإختصاص، وهذا تقليد حسن يقتظيه تطور حياة الإنسان في تعاونه وتبادل خبراته.
النوع الرابع: تقليد الفقيه لمثله في الدين. وهذا تقليد غير مقبول عقلا وشرعا، لأن مايعلمه الفقيه هو حكم الله في حقه، فلا يجوز تركه بقول غيره وحجة سواه.
النوع الخامس: تقليد العامي للعالم في الأحكام الشرعية. وهذا التقليد واجب شرعا وعقلا؛ لأنه تقليد لمن أخذ علمه من الدليل والبرهان، قال تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون).
النوع السادس: التقليد في أصول الدين رأصول العقيدة. كمعرفة الله تعالى وتوحيده وبقية أصول الدين، وقد منع أكثر علماء المسلمين عنه، وقالوا بعدم جوازه، لأن التقليد هو: قبول الشيء بلا دليل، وهذا هو الجهل بعينه، فإن التقليد في الفروع، هو العمل على مقتضى قول الفقيه، وهذا ممكن ومقبول. بخلاف الأصول العقائدية، فإن المطلوب فيها العلم وهو لايجتمع مع التقليد؛ لأنه جهل محض.
وقال آخرون من علماء المسلمين: إذا أعقب التقليد تصديق جازم مطابق للواقع صح؛ لأنه هو المطلوب، والاجتهاد ليس شرطا ولا جزءا من الإيمان والتصديق، وإنما هو وسيلة للوصول للاعتقاد الصحيح وليس غاية. ومن أجل هذا قبل النبي (ص) إسلام من آمن به دون نظر .
أما الآيات التي ذمت اتباع الآباء، فإن سياقها يدل على أن المراد هو التقليد في الباطل، لا في الحق والهدى. كما في قوله تعالى: (ولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم ) وقوله تعالى: (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آبائنا) ومعنى هذا أنه إذا كانوا على الهدى الذي نزل على الرسل جاز اتباعه؛ لأن المطلوب هو اتباع ما أنزل الله.
هذا ملخص ما ذكره الأعلام في موضوع التقليد في أصول العقائد، ولا بد في الإمامة مثلا من الإعتقاد بهم جميعا، يقول الإمام الحسن (ع): (يلي هذا الأمر منا اثنا عشر إماما ما منا إلا مقتول أو مسموم)