المعرفة ـ 2
طريق المعرفة
بعد أن نسلم بضرورة النظر والمعرفة، علينا أن نتوصل إلى الطريق الصحيح الذي يوصلنا إليها، وينير قلوبنا بمعرفتها، الذي هو العقل النير الخالي من شوائب العواطف والأحقاد والميولات. قال رسول الله (ص): (أصل ديني العقل) وقال الإمام الصادق (ع): (من كان عاقلا كان له دين) وقد أشاد الإسلام بالعقل، وذكر القرآن كلمة العقل ومشتقاتها ومترادفاتها ثمانين (٨٠) مرة، ولكلمة العلم (٨٨٠) مرة، وليس معنى ذالك إنه يغني عن العقل، بل إنه والإسلام على وفاق في المبادئ والكليات والجزئيات، ولا يتنكر لشيء منها.
إن العقل بمعونة الحواس يوصلنا إلى الإيمان بالله تعالى، وبالعقل نتوصل إلى إثبات النبوة؛ وذالك لضرورة إرسال الخالق الرسل لإقامة الحجة عليهم. وعن طريق العقل مؤمن بالمعاد؛ لأن من المحال على الله تعالى أن يترك الظالم دون قصاص، حيث أن هذا محال على الله.
وأخيرا نقول: أولا: بحسب الفطرة العقلية لابد أن يتوجه الأنسان بنفسه إلى تحصيل الدليل على أصول دينه ومعتقداته. ثانيا: أن وجوب البحث، هو وجوب عقلي على كل إنسان، وإن كان يمكنه الإستعانة بالنصوص الدينية كمؤيد له بعد دلالة العقل. بمعنى إدراك العقل لضرورة المعرفة ولزوم التفكير والاجتهاد في أصول الدين والاعتقاد.
قال رسول الله (ص): (العقل نور القلب، ويفرق بين الحق والباطل)، وعنه (ص): (ماكتسب المرء مثل عقل يهدي صاحبه إلى هدى ويرده عن ردى)، وقال الحكماء: بنور العقل تظهر الحقائق، وتنكشف السرائر، وتلوح خفيات الأمور، فيعبد الله على حقيقة العلم به. تقول السيدة الزهراء (ع): (وأنقذكم الله بأبي محمد بعد اللتيا واللتي، وبعد أن مني ببهم الرجال ودأبان العرب، ومردة أهل الكتاب..) ولكن الرسول واجه كل التحديات حتى نجح في دعوته، وأنار بالإسلام قلوب المؤمنين، فكيف خلفوه في ذريته؟!.
صفلي علياً
دَخَلَ ضِرَارُ بْنُ ضَمْرَةَ عَلَى مُعَاوِيَةَ ، فَقَالَ لَهُ ـ معاوية ـ : صِفْ لِي عَلِيّاً ؟
فَقَالَ لَهُ : أَ وَ تُعْفِينِي مِنْ ذَلِكَ ؟
فَقَالَ : لَا أُعْفِيكَ .
فَقَالَ : كَانَ وَ اللَّهِ بَعِيدَ الْمُدَى، شَدِيدَ الْقُوَى، يَقُولُ فَصْلًا، وَ يَحْكُمُ عَدْلًا، يَتَفَجَّرُ الْعِلْمُ مِنْ جَوَانِبِهِ، وَ تَنْطِفُ الْحِكْمَةُ مِنْ نَوَاحِيهِ، يَسْتَوْحِشُ مِنَ الدُّنْيَا وَ زَهْرَتِهَا، وَ يَسْتَأْنِسُ بِاللَّيْلِ وَ وَحْشَتِهِ.
كَانَ وَ اللَّهِ غَزِيرَ الْعَبْرَةِ، طَوِيلَ الْفِكْرَةِ، يُقَلِّبُ كَفَّهُ، وَ يُخَاطِبُ نَفْسَهُ، وَ يُنَاجِي رَبَّهُ ، يُعْجِبُهُ مِنَ اللِّبَاسِ مَا خَشُنَ، وَ مِنَ الطَّعَامِ مَا جَشَبَ.
كَانَ وَ اللَّهِ فِينَا كَأَحَدِنَا، يُدْنِينَا إِذَا أَتَيْنَاهُ، وَ يُجِيبُنَا إِذَا سَأَلْنَاهُ، وَ كُنَّا مَعَ دُنُوِّهِ مِنَّا وَ قُرْبِنَا مِنْهُ لَا نُكَلِّمُهُ لِهَيْبَتِهِ، وَ لَا نَرْفَعُ أَعْيُنَنَا إِلَيْهِ لِعَظَمَتِهِ، فَإِنْ تَبَسَّمَ فَعَنْ مِثْلِ اللُّؤْلُؤِ الْمَنْظُومِ، يُعَظِّمُ أَهْلَ الدِّينِ، وَ يُحِبُّ الْمَسَاكِينَ، لَا يَطْمَعُ الْقَوِيُّ فِي بَاطِلِهِ، وَ لَا يَيْأَسُ الضَّعِيفَ مِنْ عَدْلِهِ، وَ أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ مَوَاقِفِهِ، وَ قَدْ أَرْخَى اللَّيْلُ سُدُولَهُ، وَ غَارَتْ نُجُومُهُ، وَ هُوَ قَائِمٌ فِي مِحْرَابِهِ، قَابِضٌ عَلَى لِحْيَتِهِ، يَتَمَلْمَلُ تَمَلْمُلَ السَّلِيمِ، وَ يَبْكِي بُكَاءَ الْحَزِينِ، فَكَأَنِّي الْآنَ أَسْمَعُهُ وَ هُوَ يَقُولُ: يَا دُنْيَا، يَا دُنْيَا، أَ بِي تَعَرَّضْتِ؟ أَمْ إِلَيَّ تَشَوَّقْتِ؟ هَيْهَاتَ، هَيْهَاتَ، غُرِّي غَيْرِي، لَا حَاجَةَ لِي فِيكِ، قَدْ أَبَنْتُكِ ثَلَاثاً لَا رَجْعَةَ لِي فِيهَا، فَعُمُرُكِ قَصِيرٌ، وَ خَطَرُكِ يَسِيرٌ، وَ أَمَلُكِ حَقِيرٌ، آهِ آهِ مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ، وَ بُعْدِ السَّفَرِ، وَ وَحْشَةِ الطَّرِيقِ، وَ عِظَمِ الْمَوْرِدِ .
فَوَكَفَتْ دُمُوعُ مُعَاوِيَةَ عَلَى لِحْيَتِهِ فَنَشَفَهَا بِكُمِّهِ ، وَ اخْتَنَقَ الْقَوْمُ بِالْبُكَاءِ .
ثُمَّ قَالَ ـ معاوية ـ : كَانَ وَ اللَّهِ أَبُو الْحَسَنِ كَذَلِكَ ، فَكَيْفَ كَانَ حُبُّكَ إِيَّاهُ ؟
قَالَ : كَحُبِّ أُمِّ مُوسَى لِمُوسَى ، وَ أَعْتَذِرُ إِلَى اللَّهِ مِنَ التَّقْصِيرِ .
قَالَ : فَكَيْفَ صَبْرُكَ عَنْهُ يَا ضِرَارُ ؟
قَالَ : صَبْرَ مَنْ ذُبِحَ وَاحِدُهَا عَلَى صَدْرِهَا ، فَهِيَ لَا تَرْقَى عَبْرَتُهَا ، وَ لَا تَسْكُنُ حَرَارَتُهَا .
ثُمَّ قَام…