المعرفة ـ 1
مصطفى آل مرهون
(وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آبائنا أو لو كان آبائهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون) البقرة: ١٧٠.
لما منحنا الخالق تعالى العقل وقوة التفكير، طلب منا أن نتدبر آثار صنعه وننظر في عجائب خلقه وإتقان تدبيره. قال تعالى: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق). كما ينبغي للأنسان أن يستقل بتفكيره ويعتني بتطوير حياته ويعي عقيدته، دونما يكون جامدا على ماعليه الآباء، وما ورث عن الأجداد والأجيال الغابرة، حيث ذم الله مقليدين آبائهم كما ذكرت الآية الكريمة، هذا وقد ذم القرآن الكريم اتباع الظنون فقال سبحانه: (إن يتبعون إلا الظن).
هذا وننوه إلى أن العقل يفرض علينا النظر في المخلوقات لنصل إلى معرفة الخالق عن عقيدة ونظر ومعرفة، وهذا مالا يتحصل بالتبعية وتقليد الآخرين، بل أن ما حث عليه القرآن الكريم، من الحث على التفكير والتعقل والتدبر وإمعان النظر، إنما جاء مقررا لهذه الحرية الفطرية في العقول، ومنبها للنفوس التي تمتلك الاستعدادات العالية للمعرفة وإمعان النظر والتفكير، ولا شك أن هذا طريق لتفتح الأذهان على الحياة لما عليه طبيعة العقول.
ومن هنا علينا أن نلتزم بالنظر والمعرفة كمسلمين على أن هذا واجب لا ينبغي أن نتهاون فيه أو نتجاهله كأمر عادي، من غير أن نمنحه الأهمية القصوى؛ لنتعرف على أصول ديننا ومعتقداتنا التي نسأل عنها أمام الله تعالى.
وهذا يعني أيضا أن علينا في خلال البحث أن نسلك الطريق المنطقي الصحيح والواضح، الذي علينا أن نسلكه لكي نتوصل إلى النتيجة الصحيحة من غير أن نقع في المغالطات التي تؤدي بنا إلى المجهول والتيه والضياع والفراغ العقائدي.
ومن هنا ذكر المتكلمون: إن الاعتقاد من صفات القلب لا إرادة للإنسان فيه، ولا خيار وعليه يكون التكليف به تكليفا بما لا يطاق؟.
ونجيب عن ذالك: بأن الإيمان والاعتقاد من حيث بذاته ومن حيث هو، فوق القدرة والإستطاعة. ولكن الإنسان يستطيع أن يحصل عليه من حيث تحصيل مقدماته وإيجاد أسبابه، بل ويستطيع أن يحصل عليه من حيث إظهار آثاره، ولذالك كان الإيمان مطلوب من حيث هذين الإعتبارين، فمعنى آمنوا بالله ورسوله، أي أطيعوا الله ورسوله. ومعنى لا تكفروا أي لا ترتبوا آثار الكفر في حياتكم قولا أو فعلا.
وذكروا أيضا: أننا يمكن أن نتصور فعلا أن اللإيمان بالله ورسوله (ص) واليوم الآخر ألأثر الكبير في حياتنا، حيث أنه من أكبر البواعث على التقوى والعمل الصالح وفعل الخيرات. لكن الإيمان بأن الخالق لا يرى بالبصر، وأن القرآن حادث، وأن الإمام المهدي مستور كضؤ الشمس، وغير ذالك، فهذا لا أثر له ولا فائدة، فليس هذا هو المهم بل المهم هو العمل العمل بتعاليم الدين والقرآن والانتفاع بالإمام لا بمجرد وجوده. والجواب أن المعرفة فضيلة بحد ذاتها، وتعظيم للحق وأهله، وإنكاره قبيح في نظر العقلاء، فالمعرفة فضيلة حتى لو لم ينتفع بها، وإلا جاز أن نتجاهل الأنبياء والعظماء إلا مع المنفعة، وأن لا نقول ونشهد بالحق إلا مع وجود المصلحة أو دفع الضرر، وهذا غير صحيح؛ لأنا لو عملنا بذالك لعمت الفوضى وضاعت الحقوق.
وذكروا أيضا: أن من أقر بالشهادتين دخل الجنة. لقول الرسول (ص): (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) فلا حاجة لأكثر من ذالك. الجواب عن ذالك: أولا: إن هذا في بداية الإسلام وظهوره تسهيلا وترغيبا لاعتناقه وقبوله.
ثانيا: إن المراد من دخول الجنة، أن من أقر بالشهادتين لا يكون من الخالدين في النار، بل يعذب بقدر معين ثم يدخل الجنة، ثالثا: إن الإقرار بالشهادتين معناه القبول والإقرار بما جاء به الرسول (ص) من ربه ولو إجمالا.
رابعا: لا أحد يمكنه أن يقول بأن مجرد الإقرار بالشهادتين يعتبر كافيا في الإسلام من غير عمل ومن غير أداء الفرائض، وحتى مع إنكار البعث كمن قال: لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل.
يتبع…