مهمة الرسول
مصطفى آل مرهون
(يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانو من قبل لفي ضلال مبين).
يحدد الخالق سبحانه وتعالى مفهوم رسالة نبيه(ص) في أمور أربعة.
الأمر الأول: (يتلو عليهم آياته) اي يبلغهم رسالات ربه التي تسير بهم على الحياة والنجاة.
الأمر الثاني: (ويزكيهم) أي يطهر نفوسهم من الشرك، وعقولهم من الجهل، وأعمالهم من القبائح والآثام.
الأمر الثالث: (ويعلمهم الكتاب والحكمة) أي ينقلهم من الظلمات إلى النور، من العمى والجهل إلى نور العلم والهداية، بتعاليمه التي تمجد العلم وتنبذ الخرافات وترتكز على العقل والفطرة البشرية، وكان الرسول (ص) يحفظ قومه القرآن عشرا عشرا، ويعلمهم معناها وتعاليمها التي هي في مستواهم.
الأمر الرابع: (الحكمة) وهي كل مايهدي إلى الخير في العقيدة والسلوك فهو حكمة، وهي صفة يحكم بها ولا يحكم عليها، أي تعلو ولا يعلى عليها، وأكبر مهمة للرسول (ص) قام بها، ماجاء في كلمته الخالدة: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
وبهذا يتبين أن النظام الإسلامي، إنما هو من الله تعالى لا دخل للبشر في تقنينه وتشريعاته.
الفرق بين الشريعة والقانون
هناك فرق بين شريعة الله تعالى وبين القانون الذي يشرعه البشر من وجوه.
الوجه الأول: أن الشريعة من الله تعالى أما القانون فمن صنع البشر، ويتجلى في كل صفاته، فالبشر يتصف بالنقص وعدم إدراك كثير من الأمور، ولذالك كلما تطورت الحياة الإنسانية، يطر إلى التغيير للأحسن بما يتناسب مع حياة الناس، فهو ناقص كمشرعه، والشريعة كاملة لأن الله يتصف بالكمال والقدرة سبحانه، ويعلم بماكان وما يكون، لذالك شرع للإنسان ما يتناسب مع حياته ووجوده.
الوجه الثاني: إن القوانين قواعد موقته تتغير كلما تغير الناس وتطورت حياتهم، أما الشريعة وضعها الله على سبيل الدوام، وإنما تشترك مع نظام البشر في أنها جائت لتنظيم حياة الناس، وتدبير شؤنهم.
الوجه الثالث: إن قواعد الشريعة مرنة تتسع لحاجة الناس، فلا حاجة إلى تغييرها. وسامية على مر القرون في كل تشريعاتها، تتماشى مع حاجات الإنسان في حياته. بعتبارها أقرب إلى طبيعة البشر وفطرته. قال تعالى: (وتعاونو على البر والتقوى ولا تعاونو على الأثم والعدوان) المائدة: ٢٣٥. وقال رسول الله (ص): (لا ضرر ولا ضرار).
الوجه الرابع: إن الغرض من الشريعة تنظيم حياة الإنسان وتوجيهه وتربيته، وخلق المجتمع الصالح، وهذا ماميز الشريعة على غيرها، أما النظام البشري فقد جاء لتنظيم حياة الناس لا لتوجيههم، وهذا ما أدرك أهميته أخيرا مقننو الأنظمة الوضعية، فبدأو بما سبقتهم إليه الشريعة، ومن هنا نلخص عبارتنا بأن الشريعة تمتاز بالكمال والدوام والسمو.
(وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) وكانت هذه المهمة العظيمه، تشغل معظم وقت الرسول (ص) وهي رغبته في تربية الناس والأخذ بيدهم إلى بر الأمان في حياته وبعد موته، فكان على فراش المرض وهو يرسم لهم الطريق الذي يحفظ مستقبلهم واستقامتهم وعدم انحرافهم عن دستور القرآن وشريعة الإسلام، فكان يقول: (علي بدواة وكتف لأكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا) وفي ذالك أقول:
اكتبوا إنني أخلف فيكم *** بعدموتي كتاب ربي جليا
لا يلي أمركم سوى أهل بيتي *** سلموا الأمر سيدا هاشميا
فأبو أن يكون فيهم إماما *** عرف الحق هاديا وتقيا
وأتو بيته بحقد دفين *** لهم الله كيف قادو الوليا
ويد الجور فوق عين بتول *** أسقطوها جنينها العلويا
حين لاذت وراء باب لستر *** عصروها فلم تنادي عليا
يالهم صدرها خزانة علم *** كسروا ضلعها فصار دميا