شعراء القطيف (المرهون)

(13) الشيخ محمد بن سلطان المتوفّى سنة ( 1251 ) ه
جاء في ( أنوار البدرين ) ما نصه: «ومن شعرائها الكبار الشاعر اللبيب… محمد بن سلطان القطيفي»[1] انتهى.
له شعر كثير اشتهر منه رائيته العصماء التي اخترناها لكتابنا في مدح أمير المؤمنين عليه السلام ورثاء الحسين عليه السلام، ورائية اُخرى في رثائه عليه السلام مطلعها:
آليت أخلع للزمان عذاري
وعينية مطلعها:
مرابعنا يا نعم تلك المرابعُ
وابن سلطان في الماضين كالكوفي في المعاصرين ؛ رجل اُمّي لا يقرأ ولايكتب، عبقري فذّ، وشاعر مفلق، وهو أحد أعلام القرن الثالث عشر. توفّي في أواسطه تقريباً ( تغمده اللّه بالرحمة، وصبّ عليه شآبيب الرضوان ). فلنستمع إليه يقول مادحاً لأمير المؤمنين متخلّصاً لرثاء الحسين عليه السلام:
سرى البارق المفتضّ ختم المحاجرِ *** على حاجر واهاً لأوطار حاجرِ
فلولا انبعاث الشوق لم يستفزّني *** تألّق بسّام بعيش الدياجرِ
فبعداً له من رائد بزّني الكرى *** وطار وقلبي خلفه أي طائرِ
فمن لي من قبل الفوات ولو غدا *** شعوبا وظنّي ما عدا شعب عامرِ
هي الدار ما صبري عليها بطائل *** كما لم يكن شجوي عليها بقاصرِ
اُعارضها والصحب ما بين عاذل *** على ما يرى بي من شجون وعاذرِ
فلم أرَ من عيني أردّ بأرضها *** كرائمة ألوت على البوّ خائرِ
ولا كاُصيحابي حذاراً ودهشة *** كمذعورة المعزى بزارة خادرِ
فمن ناشد مثلي فؤاد ومشفق *** على نفسه والمبتلي كالمحاذرِ
خليلي إمّا تعهداني على البلا *** صبوراً فإني والنوى غير صابرِ
فما لي وتعليل الأماني وقلّما *** أفاد التمنّي من تعلّة خاطرِ
رعى اللّه صبّا ريع من لوعة النوى *** وخولط من نأي الخليط المجاورِ
فيارب مخمور الجنان وما به *** جنون ولكن رب داء مخامرِ
لي اللّه من عين كما العين دأبها *** تراعي النجوم الزهر لا بالأزاهرِ
دعت ويحها خفض عليك وما درت *** بأن بواخ النار غبّ التساعرِ
حنانيك يابن العم ما أنت والجوى *** فبادرة الأهواء شدّ البوادرِ
تزوّد من الأيام خيراً فربما *** يفوتك من دنياك زاد المسافرِ
فلا يأمنن المقت من كلّ هفوة *** وحاشاك من لم يتّعظ بالزواجرِ
فعنى إليها ربما حمل الفتى *** على كاهل البغضاء حوب المحاذرِ
ويا ربما لولا التهكم شورها *** يسوغ أبيت اللعن قبل التشاورِ
عليّ لها العتبى إذا لم اُسرها *** على رغم واشيها بأسنى الظواهرِ
محاولة صيد الكرى غير أنه *** لأعنف شيء في الدجى ختل نافرِ
أما واختلاج النجم وهناً كأنه *** ضميري وما أدراك ما في الضمائرِ
عشية لم يدرِ الخليّون ما الجوى *** وأين من البرحاء من لم يصادرِ
لهان على من بات بالجزْع خالياً *** مبيت أخي شوق بتيماء ساحرِ
فلولا الصبا لا أبعد اللّه شأوها *** لما كنت عن طيب الأخلاّ بخابرِ
أجل أتحفتني عرف ريا وإن غدت *** تنمّ بريّاها ذوات العباهرِ
ولولا ارتياح النفس مااستدرك الهوى *** نروح لقلب غائباً حكم حاضرِ
ومرتاعة مني بإفراط جيرة *** لغفران ربي إنه خير غافرِ
كفى بوفور الدين مثلى جلالة *** وإن كان حظّي في الدنى غير وافرِ
فأين علوّ الجاه مني ولم أكن *** لغير أمير المؤمنين بشاعرِ
فحسبي أبو السبطين حسبي فإنما *** هو الغاية القصوى لبادٍ وحاضرِ
إمام وإن كان البعيد غياثه *** لأقرب من نجوى المنى للخواطرِ
ألم ترَ أن الشمس في رابع السما *** وتأثيرها في كلّ خافٍ وظاهرِ
على أنه لو طاول الشهب كعبة *** ولو زحل ما كان عنها بقاصرِ
فيا لك من فخر تضاءل دونه *** رؤوس المعالي كابراً إثر كابرِ
كفى بمديح اللّه فضلاً عن الذي *** رواه ابن مسعود بإسناد جابرِ
فإن امرأ باهى به اللّه قدسه *** ليخسأ عن علياه كلّ مفاخرِ
فإن فتى في كعبة اللّه وضعه *** لأطهر من ينمى لأزكى الطواهرِ
له الذروة العلياء من آل غالب *** تقاعس عن عليائها فخر عامرِ
وأبلج ميمون النقيبة لم يزل *** بعزمة نهج للهدى أي سافرِ
إمام به آخى الإله نبيّه *** على رغم أنصاريّها والمهاجرِ
فليت الاُلى همّوا به بعد علمهم *** تغاضيه لا عن عجز بل حلم قادرِ
رأوا فيه إحدى الحسنيين فإن *** كفافا وإلاّ الحقّ دون التناظرِ
بما دفعوه عن مقام ابن عمه *** بأية قربى دونه أو تصاهرِ
أسابقة الإسلام أم جاهلية *** لها الأمر بالمعروف يا للمناكرِ
فيا هل بدعوى الاجتماع محجّة *** تنافي لنصر اللّه يا للبصائرِ
إذا لم تكن شرط الإمامة عصمةٌ *** فما الفرق في ما بين برّ وفاجرِ
وإن كان من لم ينصر الحقّ أهله *** فما الرأي فيمن لا سواه بناصرِ
حسام حمى الإسلام في كلّ نبوة *** بنبوته للمشرفي الفواقرِ
ويعسوب دين المصطفى غير أنه *** على ما به من نير صلب المكاسرِ
فما زال حتى جاور اللّه ربه *** حمي جوار بل حمام لجائرِ
وناهيك ما مثل الغدير بحجّة *** وإن حاد عنها شقوة كلّ غادرِ
فواللّه لولا آية ووصية *** لما كان والي الأمر نهزة ماكرِ
ولو لم تكن في الخلق حكمة بارئ *** لما عاد ناجٍ من علي بكافرِ
فدع عنك في أمثال بدر بلاءه *** ولكن حديث ما حديث خيابرِ
فأي فتى عبل الذراع دحا به *** رتاجا ويغدو بعد أقوى القناطرِ
فإن زعم الأقوام ناموس مثله *** فأين هُمُ عن مرحب وابن عامرِ
فشتّان من بالراية الدبْر ولّيا *** ومولٍ بها الأعداء قطع الدوابرِ
ولكنها الأعمار ليست رخيصة *** ولا عجباً ممّن بها بمغامرِ
( فلا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى ) *** كحيدرة الكرّار مردي القساورِ
فيا ليته لا غاب عن يوم كربلا *** فتلك لعمر اللّه اُم الكبائرِ
فأبعد بسهم زجّ من عيطل الغوى *** لتصميم دين اللّه من قوس واترِ
ولا فعلت بيض الصوارم والقنا *** كسطوة مشبوح الذراعين ظافرِ
يد رمت الدنيا واُخرى رمى بها *** على الدين يا للّه قدرة قادرِ
فما إن ثوى إلاّ بتجريد نفسه *** فيا لك من سامٍ هنالك عافرِ
بنفسي وبي كابٍ على حرّ وجهه *** ضجيع الهوينى حلبة للفواقرِ
كأن لم يجشّمها العدوّ كأنه *** تجشّمن عدواً ليتها عقر عاقرِ
فواها له من خائض كلّ غمرة *** اُحاشيه أن يغدو مظنة غامرِ
له اللّه ملقى بين عادية العدا *** وناظرة نحو الخبا خير ناظرِ
فديتك من ثاوٍ يقلّبن شلوه *** حدود الظبا من دون لثم الشواجرِ
ألا يا لقومي والشجا يبعث الشجا *** لصرعى حواليه كأكباش جازرِ
فلا هدأت أجفان بيض بكتهُمُ *** على ضحكها حيث انتجاع المناحرِ
وممّا شجاني يا لقومي حرائر *** هتكن فيا للّه هتك الحرائرِ
عشية لا حي به غوث هالك *** ولم يحظَ مقهور برأفة قاهرِ
أيجمل يا للّه إبراز آله *** حواسر والهفا لها من حواسرِ
فوا خجلة الإسلام حال سفورها *** لها اللّه من ربّات صون سوافرِ
يتبع…
___________
[1] أنوار البدرين 2 : 235 / 48.