كشكول الوائلي _ 91

img

العامل الرابع: التسوية بالعطاء بين الناس

وهذه إحدى العقبات التي وضعت في طريقه (صلوات الله وسلامه عليه) واصطدم بها، وقد أ لّبت عليه هذه التسوية الخاصّة من المجتمع. فعن الحرث قال: كنت عند علي فأتته امرأتان فقالتا: يا أمير المؤمنين: إننا امرأتان فقيرتان مسكينتان. فقال: « قد وجب حقّكما علينا وعلى كل ذي سعة من المسلمين إن كنتما صادقتين ». ثم أمر رجلاً فقال: « انطلق بهما إلى سوقنا فاشترِ لكل واحدة منهما كرّا من طعام وثلاثة أثواب وأعط كلّ واحدة منهما من عطائي مئة درهم ». فلما ولّتا سفرت إحداهما وقالت: يا أمير المؤمنين، فضّلني بما فضّلك الله به وشرّفك. قال: « وبماذا فضّلني الله وشرّفني؟ ». قالت: برسول الله صلى الله عليه وآله. قال: «صدقت، وما أنت؟ ». قالت: امرأة من العرب، وهذه من الموالي.قال: فتناول أمير المؤمنين عليه السلام شيئا من الأرض ثم قال:
« قد قرأت ما بين اللوحين فما رأيت لولد إسماعيل على ولد إسحاق عليهما السلام فضلاً ولا جناح بعوضة »[1].

ثم قال: « كلّكم لآدم وآدم من تراب »[2].

لذلك ترك علي عليه السلام القلوب تشتجر عليه حقداً، وتأبى أن تخضع لهذا اللون من التصرّف.

لمَ لا يحقد عليه عمرو بن العاص؟ وقد دخل عليه بعد البيعة مباشرةً، وعلي عليه السلاممشغول باُمور المسلمين، فأوعز علي عليه السلام إلى غلامه بأن يطفئ السراج، ويحضر سراجا آخر فسأله: لماذا؟ فقال: « كان زيته من بيت المسلمين ولا ينبغي أن نصاحبك في ضوئه »[3].

فعلي عليه السلام يأبى أن يميّز هذا الرجل عن غيره وهو يعلم من هو في تأثيره وخطره، ومن هو إذا أراد أن يعيث أو يعبث.

أمّا هو عليه السلام فلم يكن يتميّز في عطائه عن غلامه قنبر[4]، فيأكل كما يأكل، وكان عليه السلاميضع على الموضع الممزّق من ثوبه قطعة من الليف وينتظر حتى يخرج عطاؤه ليشتري به ثوباً[5]، ويأبى أن يمدّ يده إلى بيت مال المسلمين ليشتري له به ذلك الثوب.

وكان إذا أراد أن يشتري ثوباً ذهب إلى السوق فاشترى ثوبا من الكرابيس بثلاثة دراهم وآخر بدرهمين، ثم يقول لقنبر: « يا قنبر خذ الذي بثلاثة دراهم »[6]. وكان يجول في سوق الكوفة وهو يصيح: « من يشتري مني هذا السيف؟ واللّه لو  كان عندي ثمن إزار ما بعته »[7]. فيقول له رجل من أهل السوق: أنا اُسلفك إلى أن يخرج عطاؤك. فيجزيه خيراً، ويستلف منه ثمن الثوب حتى يخرج عطاؤه فيعطيه. وكان الإمام الصادق عليه السلام يقول عن أمير المؤمنين عليه السلام: « إنه ليعمل عمل رجل كان وجهه بين الجنة والنار، يرجو هذه ويخاف عقاب هذه »[8].

يتبع…

________________

[1]  أنساب الأشراف: 141.

[2]  تحف العقول: 24، شرح نهج البلاغة 1: 128، الدرّ المنثور 6: 98.

[3]  المناقب المرتضوية المولى صالح الحنفي: 45، وفيه أن الداخل عليه طلحة والزبير.

[4]  وقد رأينا أنه عليه السلام لم يميّز حتى أخاه عقيلاً، وذلك حينما جاءه يحمل صبيانه وهم جياع، أو كما يقول عنهم أمير المؤمنين: « فرأيت صبيانه شعث الشعور غبر الألوان من فقرهم، كأنما سوّدت وجوههم بالعظلم ». نهج البلاغة / الكلام: 224.

[5]  فهو عليه السلام القائل: « ولقد رقعت مدرعتي حتى استحييت من راقعها، وحتى قال لي قائل: ألا تنبذها عنك؟ فقلت اعزب عني، فعند الصباح يحمد القوم السرى ». نهج البلاغة / الخطبة: 160، عيون المواعظ والحكم: 405.

[6]  روضة الواعظين: 107، وقد مرّ في ص 82، 114 من موسوعة محاضرات الوائلي.

[7]  الغارات 1: 63، مكارم الأخلاق: 114.

[8]  شرح الأخبار 3: 271 / 175، الإرشاد 2: 142.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة