مقياس الرسالة
مصطفى آل مرهون
(هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) الصف: ٩.
عندما نريد أن نتكلم عن قبول نبوة نبينا محمد (ص) فعلينا أن ندرس المظاهر الخارجية التي تؤيد قبول ذالك. وحين نمعن المنظر في تلك الخصائص والمميزات المتوفرة في شخصيته لا نجد لها تفسيرا إلا إذا قلنا بنبوته وصحة رسالته(ص) ومن تلك المميزات المهمة:
ألميزة الأولى: المثالية المتميزة. وهذه الميزة ينبغي أن تكون غير عادية، فإن الشخص الذي يختار من قبل الله تعالى، ليقوم بمهمة صعبة كتنظيم حياة الأنسان وبيان حقيقتها وأهميتها، لا بد أن يكون مثاليا في حياته، ومثلا أعلى يقتدى به، إذ لا يمكن لإنسان أن يأتي بدعوى باطلة، وهو يتصف بالصفات الراقية والمثالية والسامية في حياته.
وإذا ألقينا الضوء على حياة هذه الشخصية العظيمة، نجد أنها كانت تتمتع بسيرة عطرة وغير عادية، بحيث أن كل من تمعن في جوانب حياته من غير تعصب، وبقلب منفتح على البحث عن الحقيقة بكل تجرد، فإنه سيتوصل إلى تلك النتيجة المبهرة، وهي أن حياة محمد (ص) من أرقى ما اتسم به البشر وأحلى ماتميزت به شخصية فذة. فقد كانت بداية مهمته في سن الأربعين، ولكنه قبل ذالك كان معروفا بالخلق السامي والرفيع المعروف أنه من النمط العالي، وبأنه الصادق الأمين، الذي لايمكن له أن يكذب أو يكون خائنا في أي شئ مهما كان.
تميز شخصيته
وحينما نريد أن نستعرض بعض الشواهد المهمة التي ذكرها لنا التأريخ نقول:
الشاهد الأول: شاهد الحجر الأسود. فكان قبل بعثته (ص) بخمس سنين أراد أهل مكة بناء الكعبة المشرفة وتجديد عمرانها، وكانت قريش هي صاحبة الأمر، ولكنهم اختلفوا في من سيضع الحجر الأسود مكانه، واستمر خلافهم عدة أيام، حتى أوشك الأمر إلى حمل السيوف واحتدام النزاع، ولكنهم اتفقوا بعد ذالك على على أن يكون الفيصل أول من يدخل البيت الحرام مصبحا، وفي اليوم الثاني كانت المفاجئة، أن أول من دخل البيت الحرام هو محمد (ص)، فنادو قائلين هذا الأمين قبلنا.
الشاهد الثاني: عندما جمع الناس في رحاب الصفا مناديا: ياصباحاه. كما كانت قريش تفعل ذالك. فاجتمع عنده الناس، فخاطبهم قائلا: ماتقولون لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقي؟ فعلت الأصوات وهي تقول: نعم ماجربنا هليك كذبا.
وعندما أعلن النبوة، لم يكن صدقه موضع شك عند أحد، حيث أنهم على اطلاع تام بكل صفاته الحميدة المتفوقة، ولذالك لم يرمه أحد بالكذب أو الإحتيال، بل قالوا: إنه فقد وعيه، أو أنه ساحرا، أو استولت عليه الجن. ولكن لم يجرؤ أحد على الطعن في شخصيته ومثاليته، أو النيل من أمانته أو صدقه.
وهذا النظر ابن الحارث، مع أنه من أكبر المعارضين له، خطب مفندا دعوى أنه شاعر أو مجنون، كما ذكر القرآن الكريم في حقه: (وما صاحبكم بمجنون) وقال تعالى: (وما علمناه الشعر..) وكان أبو لهب عم النبي، من أكبر أعدائه ومع ذالك كان يقول: يامحمد إني لا أقول إنك كاذبا، ولكن الأمر الذي تقوم بتبليغه باطلا. وبهذا لم نجد رجلا أولاه خصومه شهادة في حياته كمثالية محمد (ص).
الميزة الثانية: محمد الشخصية المعجزه. وهذا هو الأمر الثاني الذي ميز شخصية الرسول محمد(ص) وهو أنه شخصية تميزت بالإعجاز والتفوق، في كلامه ورسالته. قال تعالى: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهدائكم من دون الله إن كنتم صادقين) البقرة: ٢٣.
وهذا هو أكبر تحد للتاريخ، حيث أخفقت البشرية من الإتيان بمثله، بل تخفق في مواجهة هذا التحدي، مما يثبت أن القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة، الذي هو ليس من كلام الإنسان، وإنما هو من المنبع الإلاهي، وكلما جاء من هذا المنبع، لا يمكن مواجهة تحدياته. وآيات الإعجاز القرآني كثيرة، ومن إعجازه قوله تعالى: (أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) وهذا ماتحقق فعلا على أرض الواقع، بعد وفاة رسول الله (ص).