العدل ـ 1
مصطفى آل مرهون
(إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون) يونس: ٤٤.
يعتبر العدل ضد الظلم، وهو سيد الفضائل ورمز المفاخر والسلام، وقد أجمع البشر قديما وحديثا على تمجيده وضرورته وأهميته، كما أولته الشريعة الإسلامية عناية كبرى واهتماما بالغا، وجهدت ماستطاعت في تركيزه والتشويق إليه في القرآن والسنة.
ولئن كان الاتصاف بالعدل والعمل به في جميع مرافق الحياة والسير على نهجه ضرورة ملحة في حياة البشر، فجدير بالعدل أن يكون صفة لابد منها في الخالق سبحانه، ومبدأ أصيلا من مبادئ الإسلام.
لذالك وجب الاعتقاد بعدل الله سبحانه وتعالى، وتنزيهه عن أي شكل من أشكال الظلم، وإجلاله عن أي شكل من أشكال منافيات العدل، من فعل القبيح، والإخلال بالواجب، وإجبار العباد على الطاعة أو المعصية، وحرمانهم من الثواب، وغير ذالك مما لا يليق بعدل الله تعالى.
يقول الشيخ المظفر رحمه الله: ونعتقد أن من صفاته تعالى الثبوتية الكمالية، أنه عادل غير ظالم، فلا يجوز في قضائه، ولا يحيف في حكمه، يثيب المطيعين وله أن يجازي العاصين، ولا يكلف عباده ما لا يطيقون، ولا يعاقبهم زيادة على ما يستحقون، ونعتقد أنه سبحانه لا يترك الحسن عند عدم المزاحمة، ولا يفعل القبيح؛ لأنه تعالى قادر على فعل الحسن وترك القبيح، مع فرض علمه بحسن الحسن وقبح القبيح، وغناه عن ترك الحسن وعن فعل القبيح، فلا الحسن يتضرر بفعله حتى يحتاج إلى تركه ولا القبيح يفتقر إليه حتى يفعله، وهو مع كل ذالك حكيم لا بد أن يكون فعله مطابقا للحكمة، وعلى حسب النظام الأكمل، فلو كان يفعل الظلم والقبيح تعالى عن ذالك، فإن الأمر لا يخلو عن أربع صور:
الصورة الأولى: أن يكون جاهلا بالأمر، فلا يدري أنه قبيح.
الصورة الثانية: أن يكون عالما به ولاكنه مجبور على فعله وعاجز عن تركه.
الصورة الثالثة: أن يكون عالما به وغير مجبور عليه، ولكنه محتاج إلى فعله.
الصورة الرابعة: أن يكون عالما به وغير مجبور عليه ولا يحتاج إليه، فينحصر في أن يكون فعله له تشهيا وعبثا ولهوا.
وكل هذه الصور محال على الله تعالى، وتستلزم النقص فيه، وهو محض الكمال، فيجب أن نحكم أنه منزه عن الظلم وفعل ماهو قبيح.
وإضافة إلى ذالك نقول: أولا: إن الله تعالى قد أمر بالعدل، ورغب فيه، ونهى عن الظلم وحذر منه، ومحال على الله تعالى أن يخالف ما أمر به ونهى عنه. (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي..) النحل: ٢٩٠.
ثانيا: إنه تعالى قد نفى الظلم عن نفسه وتبرأ منه، وقوله الحق والصدق، كقوله تعالى: (وما ربك بظلام للعبيد) وقال تعالى: ( ولا يظلم ربك أحدا) وقال تعالى: (إن الله لا يظلم الناس شيئا) غير أن بعض المسلمين جوز عليه تعالى فعل القبيح، تقدست أسمائه، فجوز أن يعاقب المطيعين، ويدخل الجنة العاصين بل الكافرين، وجوز أن يكلف العباد فوق طاقتهم، ومالا يقدرون عليه، ومع ذالك يعاقبهم على تركه، وجوز أن يصدر منه الظلم والجور والكذب والخداع، وأن يفعل الفعل بلا حكمة وغرض ولا مصلحة وفائدة، بحجة أنه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
يتبع…